أسبوعية الكومبس

في جوابي على: كيف نحسّن صورة السويد؟

: 9/15/23, 12:04 PM
Updated: 9/15/23, 12:22 PM
Foto: Getty
Foto: Getty

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن موضوع إنقاذ سمعة السويد وصورتها التي اهتزت في العالم. بشكل غير رسمي وفي مناسبات عديدة، طُرح علينا السؤال، بصيغ مختلفة، عن رأينا فيما ينبغي على السويد القيام به لتحسين صورتها خاصة أمام العالمين الإسلامي والعربي؟

إجابتنا كانت دائما واضحة، وهي أنه لا داعي حتى لاستخدام كلمة “تحسين” لصورة السويد، المطلوب تقديم صورة السويد الحقيقية كما هي، بدون رتوش أو تزيين، المفروض شرح ما هي السويد وكيف تسير الأمور هنا، لأن الأزمة لها علاقة بقلة معرفة الآخر، وبعدم التمكن من شرح ما يدور داخل السويد من حراك وصراع على شكل وهوية هذا البلد، وعلى مفهوم الديمقراطية فيه.

من الواضح جداً أن هناك من يسعى إلى تغيير السويد، لكي تكون بمجتمع ذي لون واحد، وثقافة أحادية، ولكي تكون دولة منعزلة حتى عن محيطها الأوروبي، من خلال خروجها عن الاتحاد الأوروبي، ودولة متقوقعة على ذاتها وبلا تأثير دولي، في مقابل من يسعى إلى أن يحافظ على ما تبقى من سمعة السويد المثالية في العالم، دولة الرفاهية والمساواة والتعددية الثقافية وحقوق الإنسان.

توضيح ما يجري في السويد، يوضح للرأي العام الدولي عدة أمور مفصلية منها، أن المقصود بالتمادي في حرق المصاحف وتمادي بعض السياسيين المحسوبين على اليمين المتطرف بالتطاول على مشاعر المؤمنين، هي عملية ذات صلة، بخلق سويد بهوية جديدة، وبقيم مغايرة.

التذرع فقط بأن السويد تتعرض لحملات تشويه لصورتها، لم يعد مجدياً، يجب العمل على معالجة المشكلة من جذورها، ووضع حد للاستخدام الجائر لحرية التعبير في الاستفزاز.

هذا الاستفزاز يعمل ضد مصلحة السويد، خصوصاً إذا علمنا أن هناك فعلاً جهات لها مصلحة في تشويه سمعة السويد، من هذه الجهات، دول دكتاتورية تريد أن تثبت فشل النظام الديمقراطي في العالم الغربي، خصوصاً النموذج السويدي، ولسان حالهم يقول لشعوبهم: “هل هذه هي الديمقراطية التي تريدونها؟ انظروا إلى السويد التي تعد من أعرق الديمقراطيات في العالم ما الذي يجري فيها”.

من الجهات التي لا يهممها سمعة السويد ولها مصلحة بتشويه هذه السمعة، بعض القوى الخارجية التي تريد فرض سيطرة ما على المهاجرين خاصة المسلمين منهم، لكي يفقدوا ثقتهم وولاءهم للمجتمع الجديد، ويصبح من السهل التأثير عليهم. وهذا ما نسميه زيادة عزلة المهاجرين في المجتمع.

زيادة عزلة المهاجرين، في المجتمع السويدي، هو هدف لليمين المتطرف أيضاً، من أجل تأكيد سياساتهم وأفكارهم بأن الأجنبي وخاصة القادم من الشرق الأوسط، غير قابل للاندماج، بل هو خطر على المجتمع السويدي “النقي” وعلى ثقافته “السامية”.

من أجل أن تعيد السويد صورتها الحقيقية، نرى أنه من الضروري عدم الخضوع مطلقاً لتهديدات أي دولة أجنبية أو إلى التهديدات الإرهابية. من المؤسف حقاً أن نرى كيف يحاول السياسيون في السويد الذين يريدون وقف حرق المصحف، يستخدمون التهديد الإرهابي كحجة رئيسية لإيجاد مخرج قانوني من هذه الأزمة، الآن تركز كل من الحكومة والمعارضة على حقيقة مفادها أن السويد وأمنها القومي أصبحا في خطر، وعلى هذا فمن الأهمية بمكان أن نعمل على وقف حرق المصحف.

إن التركيز على الحجة الأمنية، مع تجاهل حقيقة أن هذه الأعمال تتعلق في الواقع بالكراهية أو التحريض ضد مجموعة من الناس، جعل الأمر يبدو وكأن السويد توافق على شكل من أشكال الابتزاز. وهذا ما التقطه جيمي أوكيسون وحزبه، بغض النظر عن نواياهم الفعلية، التقط هذا الربط المباشر واستخدمه في بناء معارضة حزبه لأي تغييرات في القوانين أو اللوائح التي لدينا الآن.

ويجب ألا نقلل من خطر التهديدات الإرهابية الموجودة الآن، لأنه من الممكن بالفعل أن يتم تنفيذ هجوم ما من قبل منظمة إرهابية أو من قبل شخص متأثر ممن يطلق عليهم “الذئاب النائمة” أو “الخلايا النائمة”. هناك احتمال بحدوث ذلك في مرحلة ما، لكن لا ينبغي للسياسيين استخدام هذا كسبب رئيسي لتغيير قانون النظام في البلاد.

وبدلاً من ذلك، يجب العمل على وقف حرق أو تدنيس المصحف والكتب المقدسة الأخرى بهذه الطريقة، اعتماداً على ربطها بجرائم الكراهية التي تستهدف فئة معينة في المجتمع، وهذه الفئة هي مئات آلاف المواطنين في السويد.

صورة السويد التي تتدهور حالياً بشكل ملحوظ في العالم الإسلامي، سيكون لها عواقب سياسية واقتصادية على المدى الطويل. نحن نعيش في عالم معولم حيث يوجد في 57 دولة أغلبية سكانية مسلمة وهناك ما يقرب من ملياري ونصف مليار مسلم يعيشون على هذا الكوكب. هناك حاجة كبيرة لأن نشرح لهذا الجزء من العالم كيف تعمل السويد، ومن ثم فمن المهم أن يكون المسلمون جزءاً من إيصال هذه الرسالة إليهم. يمكن للمسلمين أن يعلنوا أنهم يعيشون في البلاد كغيرهم من المواطنين، وفي الوقت نفسه لهم الحق في ممارسة شعائرهم الدينية. ويمكنهم أيضاً أن يوضحوا أن السويد بلد رائع من نواحٍ عدة وأن ما يحدث الآن لا يمثل هذا البلد. إلا أن قيام المسلمين بهذا الدور المهم في الوقت الراهن يتطلب عملاً سياسياً وإعلامياً منظماً واسع النطاق. إحدى الطرق التي يمكن أن يكون لها تأثير كبير هي أن تقوم وفود رسمية من السويد بزيارة الدول الإسلامية. يمكن للسياسيين ورجال الأعمال والمسلمين السويديين العمل بشكل مشترك لإعادة صورة السويد إلى مكانتها.

أنا كصحفي من أصول شرق أوسطية، أعيش في السويد، أعرف قيمة حرية التعبير في السويد، وربما أستطيع أن أقدرها أكثر من بعض زملائي الصحفيين السويديين. من المهم للغاية بالنسبة لي أن تظل حريتنا في التعبير أمر مقدس وأن يبقى متاحاً للجميع انتقاد الأديان والايديولوجيات والكتب، ولكن من الخطأ أن نستخدم ما هو مقدس في السويد لتدنيس ما هو مقدس للآخرين، وأن نسمح بانتهاك حرية التعبير بأي حال من الأحوال، من خلال الإساءة للآخرين.

نحن الذين أتينا إلى السويد من الشرق الأوسط نفهم جيداً مدى خطورة الاستقطاب الديني والطائفي، لأن هذا الخطاب بالتحديد هو الذي دمر البلدان التي جئنا منها. إن مثل هذا الخطاب يتعارض بشكل مباشر مع القيم التي بنيت عليها السويد.

د. محمود آغا

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.