قبل أن تفكر بترك السويد خوفاً على أطفالك

: 9/22/23, 10:58 AM
Updated: 9/22/23, 10:58 AM
خريجو كلية الطب في ستوكهولم العام الماضي (أرشيفية)
خريجو كلية الطب في ستوكهولم العام الماضي (أرشيفية)

قبل أن تفكر بترك السويد، لأنك تعتقد بأن السوسيال يتربص بك لكي يخطف أطفالك، أو أن المجتمع السويدي “فاسق” و”منحل” وأن المدارس السويدية ورياض الأطفال مصدر لتعليم أبنائك على الإباحية والانحراف، قبل أن تفكر أو تصدق كل هذه الأقاويل التي تجعلك تفكر بترك السويد، ننصحك بأن تجلس وتفكر قليلاً، فكر بأن تبحث أولاً عن الحقيقة.

لا يمكنك أن تبني حقيقتك الخاصة على مشاهدات معينة أو على مجرد شائعات تنتشر مثل نيران حرائق الغابات، ولا على رأي جارك أو صديقك، حتى لو كنت تثق به ثقة عمياء.

نحن كإعلام لسنا في موقع لنقول لك: اسمعنا أو اسمع غيرنا لأننا أصدق أو أفضل من هؤلاء أو غيرهم، لا، نحن ندعوك فقط كي تستمع وتصدق نفسك، بعد أن تفكر قليلاً، بعيداً عن هذه الأقاويل غير المنطقية، وعن المؤثرات الغوغائية التي تنشر الجهل والتجهيل عن سبق إصرار وتصميم.

نحن نقول لك أن تحتكم لعقلك، أولاً وأخيراً، وتطرح السؤال الذي تسمعه من أبواق الفتنة، على نفسك: هل يعقل أن تمارس السويد خطف الأطفال؟ وهل يمكن لعقل سوي أن يصدق بأن رياض الأطفال والمدارس هنا تدرس الإباحية والانحراف في مناهجها؟

إذا كنت مقتنعاً بذلك ولا تريد البحث عن حقائق أخرى غير هذه الحقيقة التي تسيطر على تفكيرك، فننصحك بأن لا تكمل قراءة هذا المقال، وتابع الاستماع إلى الأصوات التي تنعق بخراب البيوت، تماماً كما كانت تنعق بخربان بلدان كاملة.

في المقابل لا أحد يدعوك لكي تعيش في السويد كشخص خانع تسمع الكلام وتنفذ فقط، وألا يكون لك رأي أو تأثير في المجتمع، ما يجب أن نسعى له هو تشجيع الجميع وحثهم على امتلاك أدوات الاعتراض وقوة الحق بالقانون وبما تتيحه لك الديمقراطية بهذا البلد، لتكون مؤثراً وصوتك عالٍ.

نحن كوسيلة إعلامية نرى أن من واجبنا محاربة الشائعة والمعلومات المضللة، في مقابل تقديم المعلومة الصحيحة، مع تشجيع الناس على الاستفادة مما يملكونه من حق في النقد وفي فتح حوارات وعلى المطالبة بالتوضيح، من خلال استخدام الجمعيات والاتحادات والأحزاب ووسائل الإعلام بطبيعة الحال.

المسألة ليست أمام خيارين، إما أن تنساق إلى تصديق شائعات كاذبة وتكون هدفاً لهدم أسرتك ومستقبل أطفالك، وبالتالي تغادر البلد، أو بين أن تعيش في عزلة وألا تشارك حتى في تربية أطفالك وفي اتخاذ القرارات التي تخصك وتخص عائلتك.

من يمنعك أن تسأل وتستفسر من الروضة ومن المدرسة ومن المعلمين عن أمور تشكل مصدر قلق لديك على طفلك؟ لماذا لا تطلب توضيحات لأي أمر تجده غير طبيعي، في المدرسة، في الشارع، وفي مكان العمل، أو في أي محيط آخر؟ من يمنعك من أن تبحث عن مصدر أي معلومة تشك بها أو تعتبرها معلومة ناقصة بحاجة لتكملة وإيضاح؟ لماذا لا تركز أنت وغيرك على أمر محدد تعتبره غير عادل، لتحصل على ما تريده بعيداً عن فتح معارك غير مجدية ضد المجتمع ككل وضد كل مؤسسات الدولة ومدارسها وحتى ضد قوانينها، كما يفعل أقطاب حملات التضليل من الغوغاء الذين يضرون كل المجتمع ويسيئون لكل الأجانب واللاجئين.

كنا قد حذرنا من خطورة هذه الحملات التي تستخدم مشاعر الناس وتستغل عدم معرفة البعض بالمجتمع السويدي وقوانينه ومؤسساته، لكي تحرض وتزرع الفتن، ورغم أن هذه الحملات وجّهت نيران جهلها وحقدها علينا كوسيلة إعلامية، فإننا لا نستطيع ترك الساحة لهم، ولا يمكننا أن نرى ونسمع كمية الضرر الذي يلحقونه بالمجتمع ونبقى ساكنين وساكتين.

الكومبس وضعت أهدافاً نبيلة أمامها لا تزال تعمل بها ومن أجلها ومنها: وضع الحقائق أمام الناس ومدهم بالمعلومات الصحيحة، التي تؤمن لهم عدم الوقوع بالغلط، ومساعدة من تورط بسوء التصرف من أجل الخروج بأقل الخسائر بما تورط به. كما أننا نرى أن من واجبنا أيضاً تعريف الناس بكل خطأ تقوم به مؤسسة أو جهة حكومية أو موظف والكشف عن الفساد وسوء استخدام السلطة، وعن الحالات العنصرية وعدم المساواة، نحن نعمل دائماً من أجل زيادة الوعي بحقوق الناس وعدم تعرضهم لجرائم كراهية.

الثمن الذي ندفعه ليس بسيطاً، خصوصاً عندما يتعرض لنا هؤلاء زعماء الفتن بشكل شخصي وممنهج وأغلبهم متخفون لا أحد يعرف من هم وما هي أسماؤهم وصورهم الحقيقية.

في مكالمة لنا مع مسؤولة حكومية، قبل أيام لمناقشة مواضيع للتعاون المشترك، فوجئنا بأن هذه المسؤولة تهاجم الكومبس بشكل واضح وتتهمنا بأننا لا ندافع عن صورة السويد، بل إنها قالت إننا نساعد على تشويه صورة السويد لأننا ننشر روايات على لسان الأهالي المتضررين. طبعاً نحن لم نصب بالذهول أو بخيبة الأمل، لأننا نُحارب من قبل جهتين غير راضيتين عنا. هذا ما جعلنا نشعر بأننا على حق لأن إرضاء الجميع ليست فقط غاية لا تدرك، بل لأننا نحن أصلاً لا نسعى لإرضاء سوى الحقيقة التي ندافع عنها، ولا يهمنا رأي المتطرفين على الجهتين. من خلال البحث اتضح أن هناك عدة أشخاص من الناطقين بالعربية يعملون لدى هذه المؤسسة، ولم نستبعد أن يكون شخص منهم أو أكثر هو وراء هذا التصور الذي تحمله عننا هذه المسؤولة. بعض الأشخاص يمكن أن يكونوا أحياناً موظفين حكوميين في النهار يدعون حرصهم على السويد، وفي المساء يعملون مع الناشطين في حملات التضليل التي تستهدف البلد نفسه، وفي الحالتين يوجهون سهامهم للكومبس.

نعود لمن يريد أو يفكر بترك السويد لأنه خائف على أطفاله من مجتمعها، نعود لنقول له: قبل أن تحكم بأن السويد تخطف أطفال المهاجرين اطلع على أسباب سحب الأطفال والطرق التي تتم بها، صحيح هذا تصرف قاس وأنت ونحن غير معجبين بقوانين الرعاية القسرية، لكنه قانون يسري على الجميع ويجب أن نتقي شره بزيادة المعرفة به.
وقبل أن تعتقد بأن الروضة أو المدرسة تعلم الإباحية والمثلية لأطفالك، تعرف أكثر على حقيقة مناهج مدارس أطفالك وناقش بها واطلب توضيحات عن أي شيء يخطر في بالك.

نعود لك لمن تفكر بترك السويد لنقول لك، افتح على صور الخريجين من مختلف الجامعات والكليات السويدية في السنوات الأخيرة، ودقق بملامح صور الشباب والشابات، لترى كم هي نسبة الأجانب من مسلمين وعرب وأكراد وسريان بينهم، فكر كم ستكون فخوراً باليوم الذي ستقف به أمام حفل تخرج ابنك أو ابنتك، فخوراً لأنك أب أو لأنك أم استطعتم أن تربوا وتستخدموا ما تتيحه السويد للجميع من فرص تعليم وتأهيل ليصبح طفلكم الذي يحمل اسمكم وملامحكم وثقافتكم مهندساً أو طبيباً أو معلماً أو مهنياً، رغم اختلاف اللغة والثقافة والعادات والتقاليد من حولكم. فكر أولاً وخذ قرارك.

د. محمود آغا

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.