افتتاحية الكومبس

قبل أن نكفر بمبادئ السويد وقيمها

: 8/24/24, 2:09 PM
Updated: 8/25/24, 9:24 AM
قبل أن نكفر بمبادئ  السويد وقيمها

تغييرات عالمية متسارعة والضعفاء يدفعون الثمن

يقول لي أحد أصدقائي المتابعين والمطلعين بشكل جيد على الصحافة والسياسة السويدية، بإنه فقد الثقة تماما بالسياسيين والصحفيين السويديين، لأنهم ببساطة، يضللون شعبهم ولا يقولون لهم الحقيقة، حدث ذلك في بداية الحرب الأوكرانية والآن مع استمرار الحرب على غزة. السويد تضخم الخطر الروسي وتخفي الحقائق عن إخفاقات الجيش الأوكراني وعن مآسي جزء كبير من الشعب الأوكراني، الذي اضطر للنزوح داخل دولته ويعيش قسم كبير منه بلا خدمات وفي ظروف صعبة جدا، لم نجد إلى الآن أي تقرير يعكس واقع ما خسرته أوكرانيا من أرواح وجرحى وبنى تحتية، والكلام لا يزال لصديقي، الذي يتابع قوله: في الحرب على غزة، هناك انحياز وعدم توازن في تقارير الصحافة السويدية، وإذا تابعنا مقابلة أجراها قبل يومين التلفزيون السويدي svt الممول من دافعي الضرائب، مع السفيرة الفلسطينية في ستوكهولم، نلاحظ من خلال الأسئلة أن هذه الصحافة تبتعد بشكل واضح عن المهنية، ويضرب لي مثلاً انظر إلى أحد الأسئلة التي يريد من خلالها مقدم البرنامج أخذ اعتراف بأي ثمن من السفيرة الفلسطينية، بأن حماس منظمة إرهابية، وكأن هذا الاعتراف يمكن أن يقدم أو يؤخر في وقف إطلاق النار في غزة أو كأنه يمكن أن يساهم في إزالة الاحتلال، و]يجاد حل شاملا للقضية الفلسطينية، السؤال يقول: “حماس قتلت مئات الإسرائيليين المدنيين في هجوم السابع من أكتوبر على الأراضي الإسرائيلية، فيما قُتل في غزة إلى الآن 40 ألف من الفلسطينيين أغلبهم من المدنيين، ما الذي يمنعك يا سعادة السفيرة من الاعتراف بأن حماس إرهابية؟”
يقول صديقي متعجباً: لماذا قتل الفلسطينيين في غزة يبنى للمجهول دائماً، في أسئلة وتقارير الصحافة السويدية والغربية؟ بينما يُقال بشكل واضح أن قاتل الإسرائيليين هي حماس، ولماذا يجب إضافة عبارة معظمهم من المدنيين في الحالة الفلسطينية، بينما يقال عن الضحايا الإسرائيليين أنهم فقط مدنيين؟

قد تكون هذه الأسئلة شرعية ومن حق أي شخص أن يوجهها لمهنية الصحافة، ولكن أنا قد لا اتفق تماما مع هذا الصديق، على موضوع فقدان الثقة بالصحافة والسياسية السويدية، أنا أعتقد أن فقدان الثقة هو هدف تسعى له القوى التي لا تريد أن يكون هناك تعددية وديمقراطية في المجتمع السويدي، وأن لا يكون هناك قوى مساندة للمساواة ولحقوق الإنسان.
نعم قد نجد من بدأ يكفر بهذه الكلمات، حقوق إنسان، ومساواة، وديمقراطية، لكننا نشهد الآن تغييرات عالمية متسارعة يمكن بالفعل أن تخلق عالما جديدا بأقطاب ومفاهيم مختلفة، ويمكن أن يكون ثمن هذا التغيير هم الضعفاء، ولكن أن نفقد الثقة بنظام لا يزال قائما ولا يزال الصراع فيه محتدماً بين الشر والخير وبين العنصرية والمساواة وبين الديمقراطية والأحادية، فهذا اسمه هروب أو استسلام مبكر. لأن التخلي عن حقيقة وجود صراع داخل المجتمع السويدي أو الغربي، يضعف وبشكل كبير من يدافع عن الناس الضعفاء .

بحكم ممارستي للصحافة أعلم أن الإعلام في دولة مثل السويد، لا يمكن إلا أن يلعب لعبة التوازن، التي تُبرئه من تهمة الانحياز، وحتى عند البحث عن الحقيقة، يمكن أن يجد لك الإعلام هنا عدة حقائق مختلفة، فالحقيقة التي يؤمن بها طرف هي ليست نفس الحقيقة التي يؤمن بها الطرف الآخر.
الصحفي Anders Holmberg الذي أجرى اللقاء مع السفيرة الفلسطينية، هو أحد الصحفيين المميزين وأنا شخصيا معجب به جداً، وأنا متأكد أنه وفي حال قابل السفير الإسرائيلي، كما قال، كان سيطرح عليه أسئلة انتقادية أيضاً وسيواجه بشجاعة بعد أسئلة بعيدة عن أي مجاملات.
مشكلة بعض الذين يعيشون في الغرب، أنهم يرفعون سقف توقعاتهم أعلى بكثير من حقائق وواقع الإعلام والسياسة الغربية، لأنه قد يغيب عن بالهم أن المجتمعات الغربية هي مجتمعات رأس مالية ترتبط سياساتها بالمصالح وبالقوى المؤثرة، وحتى مفاهيم ومبادئ العالم الغربي هي بمثابة، دين جديد له كهنة وقديسين وكتب ودساتير، لكن ليس لخدمة الساذجين والضعفاء. ومع ذلك يوجد للجميع دائما مساحة للتأثير، هذه المساحة تكبر أو تصغير حسب القوة التي تستخدم في التعبير وحسب ما يستخدم من الأدوات المتاحة.
أمثلة إيجابية عديدة يمكن أن نرصدها حدثت وتحدث بالسويد والغرب، عما يمكن القيام به لتغيير الشعور بالظلم. خير مثال على ذلك، حادثة دهس قام بها أحد السائقين لمتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين، في مدينة بوروس قبل أسبوعين، وقتها كل الصحافة السويدية تقريبا تناولت الموضوع ببرود وبشيء من التشكيك وحتى بنوع من قلب الوقائع، فالشخص المعتدي الذي حاول دهس المتظاهرين، أصبح ضحية وتعرض للضرب ولطعن عجلات سيارته بالسكين، حسب هذه الصحافة.
الكومبس ربما كانت الجهة الإعلامية الوحيدة التي كتبت عن الروايتين، وأعطت مساحة للجهة المتضررة. بعد فترة بدأت الحقائق بالظهور، والآن أغلب الصحف السويدية أنصفت المتظاهرين بعد أن علمت الشرطة عن خلفية سائق السيارة أولاً وثانيا بعد أخذ شهادات المارة التي أكدت على أن الدهس يمكن أن يكون متعمدا. لا يزال التحقيق جارياً والقضاء وحده هو الذي سيكون له الكلمة الأخيرة بتوجيه التهمة، لكن الواجب الصحفي هو إعطاء مساحة متوازنة لجميع الروايات أو لمجموعة الحقائق. المهم أن لا نُسارع بالكفر بقيم المجتمع الغربي فقط لأننا لا نحاول المشاركة في التأثير.
وللحديث بقية، ولكن إلى اللقاء

محمود آغا

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.
cookies icon