لم تجد الولايات المتحدة أي غضاضة أخلاقية في أن تروّج حساباتٌ وهمية يديرها البنتاغون لأكاذيب تشوه سمعة لقاح سينوفاك الصيني ضد كورونا، رداً على مساعي بكين لإلقاء اللوم على واشنطن في الجائحة.

كان الهدف سكان الفلبين. وفي ذروة الجائحة، أطلق الجيش الأمريكي برنامجاً سرياً لتشكيك الناس في سلامة وفعالية اللقاحات وغيرها من المساعدات الطارئة التي تقدمها الصين.

حسابات وهمية انتحلت صفة فلبينيين قادت حملة مناهضة للقاح. وقال خبراء الصحة إن الحملة عرّضت حياة الأبرياء والفقراء للخطر، تحت سمع وبصر مسؤولين عسكريين كبار في الولايات المتحدة. وفق ما كشف عنه تحقيق استقصائي أجرته وكالة رويترز للأنباء.

الحملة ارتكزت على شائعات كثيرة، كان أحدها أن اللقاح يحوي جيلاتين مصنوعاً من دهن الخنزير، للتأثير على المسلمين في الفلبين ودفعهم إلى عدم أخذ اللقاح.

مجدداً يخفق العالم أخلاقياً. صراع الدول الكبرى يدفع ثمنه الأبرياء والفقراء في وقت كانت البشرية كلها تحت تهديد الفيروس. ويُستخدم في ذلك السلاح الأخطر، المعلومات الكاذبة والمضللة.

لم تعد الحسابات الوهمية سلاحاً بيد حزب كديمقراطيي السويد (SD) فقط لتشويه صورة المهاجرين، والمسلمين منهم تحديداً، بل تبين أن “قائدة العالم الديمقراطي” منخرطة في عملية دعائية لا أخلاقية قوامها الأساسي “الحسابات الوهمية”.

ليس ذلك جديداً على جنود ترامب أو بايدن الذين تفتح السويد أبوابها لهم الآن عبر الاتفاقية الدفاعية، ففي الحرب على غزة وبينما كان الأطفال يقتلون أمام نظر العالم وعلى الهواء مباشرة، كانت الدعاية على وسائل التواصل تصوّر الضحايا إرهابيين وتنزع عنهم صفة البشرية.

الجديد أن كثيراً من المسلمين صدّقوا دعاية “جيلاتين الخنزير” وانساقوا للترويج ضد اللقاحات من هذا المنطلق. يبدو بعض المسلمين سذجاً يسهل خداعهم بسرعة باستخدام الحساسية الدينية وألفاظ مثل “الخنزير” و”الخمر” والمثلية الجنسية”. ألم تكن الحسابات الوهمية لـSD تنوي إطلاق حملة بالعربية ضد الاشتراكيين الديمقراطيين قوامها أن الحزب يسعى إلى خطف أطفال المسلمين لتعليمهم أكل لحم الخنزير والمثلية الجنسية؟!

ألهذا الحد يصل الاستخفاف بعقول مسلمين؟ وهل هو استخفاف فعلاً؟ أم أن هذه الدعايات تجد بالفعل من يصدّقها كما صدّق غيرها مدفوعاً بـ”الغيرة على مشاعره الدينية”؟

ألم يعي المسلمون، والمهاجرون عموماً، بعد، أنهم مستهدفون في وعيهم. وأن المعركة ضد وجودهم في دول أوروبية من قبل اليمين المتطرف، قوامها الأساسي لا الإجراءات أو القوانين، بل “المعلومات”، فنحن في عصر قد يقود فيه حساب وهمي جذّاب على تيك توك أو فيسبوك آلاف البشر إلى حتفهم حرفياً، دون أن يعرفوا حتى من يقف وراءه.

إزاء هجمة اليمين المتطرف على المهاجرين في أوروبا حري بنا أن نشغّل عقولنا ولو قليلاً، وأن ندقق، ولو قليلاً، فيما نرى ونسمع، وأن نركن نزاعاتنا الطائفية والدينية، ولو قليلاً، فليس كل من رفع شعار الدفاع عن مذهبك أو دينك هو في الحقيقة يبحث عن مصلحتك، بل على العكس قد يقودك إلى نهايتك، وفي حملة اللقاحات التي قادها العسكر الأمريكيون مثال واضح.

مهند أبو زيتون