لا يقتصر عمل الشرطة في بلد مثل السويد على ملاحقة الخارجين عن القانون وتقديمهم للمحاكمة، بل من واجبها أيضاً أن تقدّم الحقائق للناس حول تفاصيل ودوافع أي جريمة، ولا يحق لها التسرّع في إطلاق الأحكام أو تقديم معلومات أو تقييمات غير مؤكدة.
أخذت الشرطة السويدية وقتها في التحقيق والتحليل لمعرفة الدافع الرئيسي وراء هجوم أوربرو المروّع، الذي وقع في 4 فبراير من هذا العام. واليوم، في 16 مايو، أعلنت الشرطة تقييمها حول أسباب الجريمة.
قالت الشرطة إن تقييمها يشير إلى أن الدافع الرئيسي للجاني، ريكارد أندرشون، كان رغبته في إنهاء حياته. وأكدت عدم وجود مؤشرات على دافع انتقامي من شخص أو مجموعة، أو خلفيات سياسية أو عنصرية وراء الجريمة. وقال رئيس التحقيق، هنريك دالستروم، إن الجاني كان يعاني إخفاقات طويلة في إعالة نفسه، وإن هذا الإحباط تحوّل إلى رغبة في إنهاء حياته.
ومع أن الشرطة أوضحت أن الجاني وجّه غضبه نحو مكان كان يرتبط به سابقاً، وهو مدرسة ريسبيشكا، فإن السؤال يبقى مطروحاً: هل كانت مدرسة ريسبيشكا، التي يشكّل المهاجرون غالبية طلابها، هي المكان الوحيد الذي كان للجاني ارتباط به؟
من المؤكد أننا نثق بالشرطة وتحليلاتها، وأن هذا الإعلان الذي انتظرته السويد قد يخفف من مخاوف انتشار العنصرية فيها. ولا شك في أن معرفة دوافع الجريمة ومعالجتها قد يسهمان في الحد من تكرار مثل هذه الحوادث، أو في تقليل تبعاتها على المجتمع ككل، لكن، كما ذكرنا في مقالات سابقة، نرجو ألا يغفل النقاش العام بعض الحقائق الواضحة، وخصوصاً أثر الخطاب العنصري، الذي كان من المحرّمات في السابق، وأصبح اليوم أمراً شبه طبيعي، يتكرر على ألسنة السياسيين، خصوصاً من أحزاب وتيارات اليمين المتطرف.
طالما أن الجاني كان يعاني من إخفاقات طويلة في إعالة نفسه، بحسب تقرير الشرطة، فلماذا وجّه غضبه نحو ضحايا أغلبهم من خلفيات مهاجرة؟ هنا، وكما أشرنا سابقاً، لا يجب تجاهل السياق العام للصراع داخل السويد؛ فالصراع لم يعد على أسس دينية أو عرقية أو ثقافية كما يُروّج له البعض، بل بات صراعاً بين الفقراء أنفسهم، تغذّيه خطابات الكراهية التي تخدم أصحاب المصالح.
معركة بين الفقراء
أصبح بعض أصحاب الدخل المحدود يرون بعضهم البعض خصوماً وأعداء، نتيجة التفاعل مع خطاب سياسي يصوّر المهاجرين عبئاً على المجتمع، ينافسون الفقراء من ذوي الأصول السويدية على فرص العمل، والمساعدات الاجتماعية، وحتى على خدمات الرعاية الصحية. إنها معركة تدور في وسطها بين الفقراء من الجانبين، بينما يقف على الأطراف أثرياء وساسة، يراقبون ويستفيدون من هذا الانقسام.
لذلك، لا يجب إغفال تأثير خطاب الكراهية الشعبوي الموجّه ضد اللاجئين والمهاجرين، حتى لو لم ترَ الشرطة دوافع عنصرية مباشرة في هذه الجريمة. فالصراع الحقيقي يجب ألا يكون بين الفقراء ومحدودي الدخل في المجتمع، بل يجب أن يكون في اتحادهم معاً ضد الاستغلال، ومن أجل المساواة، ومن أجل حماية القيم التي تأسست عليها الديمقراطية السويدية.
محمود آغا