افتتاحية الكومبس

ليست صورة السويد هي المهمة فقط

: 3/15/24, 6:35 PM
Updated: 3/15/24, 6:35 PM
ليست صورة السويد هي المهمة فقط

لا تزال مشاهد دخول الشرطة السويدية إلى بيوت الناس لسحب أطفالهم بالقوة، تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة تحريضية ودون إظهار الصورة كاملة حول حقيقة هذه المشاهد. قسوة المشاهد لأطفال يصرخون وأهالٍ محبطين يحاولون منع الشرطة من تنفيذ أوامر السحب، تزيد من قلق العديد من العائلات، خوفاً على مصير مشابه لأطفالهم، بل لا يزال مفعول هذه المقاطع المصورة يؤثر سلباً على السويد وسمعتها ويدعم بالتالي حملة التضليل ضد السويد التي اشتعلت منذ سنيتن ولا يزال رمادها ساخناً حتى الآن.

حاول برنامج التحقيقات التلفزيوني الشهير uppdrag granskning قبل أيام التطرق للموضوع، من ناحية صحفية بحتة، من خلال نشر ثلاث حلقات تناولت أكبر حملة تضليل إعلامي تعرضت لها السويد، في تاريخها الحديث. ورغم الجهد الواضح الذي بذله البرنامج لتقديم صورة متكاملة عن الحملة التي كان من أبرز عناوينها أن” السويد تخطف أطفال المسلمين” فإن هناك انتقادات عدة تعرض لها البرنامج.

هناك من اعتبر أن منح مساحات كبيرة من وقت البرنامج للمتورطين في إشعال الحملة، ساهم في تشجيعهم من جديد. صحيح أن المشاهد الذي يعرف دور الصحافة في بلد مثل السويد، سيعرف أن الصورة لا تكتمل بغياب الرأي الآخر، حتى لو كان هذا الآخر هو المتسبب في إحداث هذا الضرر الكبير بالمجتمع والدولة السويدية، لكن المشكلة في هؤلاء ممن يعتبرون أن مجرد ظهورهم ومنحهم الوقت للتعبير عن أنفسهم هو انتصار لهم. لذلك وجدنا كيف استيقظ بعض قادة الحملة ممن يعيشون خارج السويد وتشجعوا على إعادة شحن أنفسهم والتمادي أكثر بقلب الصورة والتحريض، بل حتى على تهديد السويد علناً، عندما قال أحدهم بالحرف: “إذا السويد حاولت أن تؤذيني فسأتحول عندها إلى وحش”.

طبعاً السويد لا تفهم هذا المنطق ولا هذا الأسلوب، كيف يمكن لدولة أن تؤدي شخصاً بدون الاستناد إلى القانون والمحاكم؟ حتى عندما كان هذا الـ “أحدهم” متواجداً على الأراضي السويدية كان يسرح ويمرح ويهدد ويفرض نفسه خبيراً ومختصاً بشؤون السوسيال والأطفال، حتى أنه هدد صحيفة كاملة ورئيس تحريرها قائلاً له وبالحرف أيضاً: ” اسمع إذا مرة أخرى فكرت تكتب عن موضوع السوسيال والأطفال سترى ماذا سأفعل بك”. شيء فعلاً مثير للاستغراب والسخرية، كيف لشخص قادم من مجتمع ديكتاتوري أن يهدد صحفي في بلد ديمقراطي؟

نحن هنا لا نتكلم عن الحكومة أو سلطاتها أو مؤسساتها، بل نتكلم عن السويد المجتمع والدولة التي من المفترض ويجب أن نكون جزءاً منها

من الانتقادات الأخرى للبرنامج، تركيزه فقط على الضرر الذي لحق بالسويد وصورتها في الخارج، ولم يتناول بشكل واضح الضرر الذي ألحقته الحملة بالعائلات المتضررة أصلاً من تطبيق قانون سحب الأطفال، هذه العائلات، التي انقاد جزء كبير منها وراء الحملة، خسرت أكثر وتعقدت أمورها بشكل أكبر، وهذا يؤكد أن الحملة التي ادعت أنها لإثارة موضوع سحب الأطفال من أجل إرجاعهم، عملت بشكل عكسي، بل دفعت جزءاً آخر من العائلات التي ليس لديها مشكلة مع أطفالها إلى أن تترك البلد، هرباً من “بعبع السوسيال” نتيجة تأثرها بالحملة التي باتت تنشر معلومات ومواد إعلامية رخيصة تفتقد الموضوعية والمصداقية.

تجاهل البرنامج أيضاً كيف استغل اليمين المتطرف هذه الحملة في الترويج لأفكار عنصرية تدعي أن كل المسلمين والعرب والشرق أوسطيين يحملون ثقافة لا تصلح لأن تندمج وتكون جزءاً من المجتمع السويدي، هذا اليمين المتطرف أخذ الحملة كذريعة لزيادة الكراهية ضد الأجانب وخصوصاً المسلمين منهم، فيما أثر بشكل مباشر على الحكومة لزيادة التشديد على سياسات اللجوء والهجرة وكل ما يتعلق بالاندماج، هذه الحملة كانت سبباً مباشراً في تشديد قوانين إرجاع الأطفال، وجعلت مؤسسات الرعاية الاجتماعية تأخذ موقفاً دفاعياً بدل أن تتفهم أكثر خصوصيات العائلات القادمة من ثقافات أخرى.

عندما يشاهد أب أو أم صور للشرطة السويدية وهي تسحب بالقوة طفلاً من أحضان أهله، ورغم قسوة هذا المشهد، فهو يحكم فقط على الجزء الذي يشاهده من الصورة، دون أن يعرف الصورة كاملة.

الصورة الكاملة التي حاولنا نحن في الكومبس تقديمها للناس كي لا يقعوا بالخطأ وكي لا يصبحوا ضحايا الجهل بقوانين وأعراف البلد الذي يعيشون فيه، هي بالضبط ما أزعج قادة حملة التضليل لأنهم يخافون من الحقيقة التي تكشف كذبهم واسترزاقهم من وراء معاناة الآخرين.

كم نعرف مثلاً عن حقيقة هذا الشخص الذي عرضت محطات وفضائيات وقنوات صوره وهو يتمرغ بالثلج حزناً على أولاده ولماذا سحب السوسيال أولاده، وكيف سحبهم؟
قد يقول قائل: مهما فعل هذا الأب وغيره ممن سحبت أطفالهم، فإنهم لا يستحقون مثل هذا الجزاء، مهما كان ذنبهم فهو لا يتناسب مع حجم العقاب بسحب أطفالهم وإيداعهم عند عوائل بديلة أو في مراكز الإيواء

نعم نقول لهؤلاء: هذا كلام سليم وصحيح، لكنه لا ينطبق على بلد مثل السويد، لأن السويد هنا لا تريد أو ترغب بمعاقبة أي أب أو أي أم، المسألة ليست بالعقاب، بل هي تريد إنقاذ الطفل.
الطفل هنا هو المهم، مستقبل الطفل وتأمين حياة آمنة ومستقرة له دون عنف أو إهانة أو نقص بمتطلباته كإنسان هو الذي يهم السويد.

نشرنا وعالجنا عدة قضايا كنا نجد أن الأم أو الأب كانوا فيها ضحايا خسروا أطفالهم فقط نتيجة أخطاء كان يمكن تلافيها

نحن ومرة أخرى لا نريد أن نظهر وكأننا ندافع عن هذه القوانين، لكن نحن نريد توضيحها للناس حتى لا يقعوا بأي خطأ وحتى لا يأتي مغرضون كي يستغلوا الصورة الناقصة لسحب الأطفال.

نحن هنا لا نتكلم عن الحكومة أو سلطاتها أو مؤسساتها، بل نتكلم عن السويد المجتمع والدولة التي من المفترض ويجب أن نكون جزءاً منها، لأننا نرفض أيضاً أن نتكلم بمبدأ هم ونحن، هم التي تمثل السويد ونحن التي تمثل ربما البعض من المسلمين أو العرب أو غيرهم ممن يرفضون الاندماج كمبدأ. هذه قوانين وضعها الشعب السويدي بطرق ديمقراطية ونتيجة تراكم نضال طويل وهم يعتزون بها، ويقفون بالمرصاد لمن يخترقها عن طريق الصحافة والمجتمع المدني وغيرها، لذلك ترحب أي وسيلة إعلامية بنشر وفضح أي تجاوز لموظف مهما كانت مرتبته، حتى لو كان رئيس وزراء.

نحن في الكومبس كنا نتتبع أي معلومة عن تجاوزات قام بها السوسيال، وكنا نمشي بعدة قضايا، إلى أن نكتشف أن صاحب هذه القضية لا يتكلم بصدق ويقول فقط ما يناسبه، ويخفي ما لا يناسبه، ومع ذلك نشرنا وعالجنا عدة قضايا كنا نجد أن الأم أو الأب كانوا فيها ضحايا خسروا أطفالهم فقط نتيجة أخطاء كان يمكن تلافيها والابتعاد عنها، وهدفنا هو أن يتعلم الآخرون من هذه الأخطاء. وأول الأمور أن يكون لديك قناعة بأن السويد لا تريد معاقبتك، بل فقط تريد حماية طفلك، في حال وجدت أنه مهدد بالضرب أو التعنيف أو التقصير بتلبية حاجاته الأساسية. وللحديث بقية.

محمود آغا

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.