“نعم” التركية لعضوية السويد في الناتو قد تكون “لا” أيضاً

: 7/14/23, 1:02 PM
Updated: 10/5/23, 2:04 PM
“نعم” التركية لعضوية السويد في الناتو قد تكون “لا” أيضاً

مند أن أقر البرلمان السويدي في تاريخ 22 مارس هذا العام، دخول السويد إلى حلف الناتو، تسلك السويد مساراً متعثراً نحو انعطافة تاريخية للبلاد بعد 200 عام من الحياد، قرار أطلقت العمل عليه الحكومة الاشتراكية السابقة وأكملته حكومة اليمين الحالية. وافق على القرار وقتها 269 عضواً، ورفضه 37 بينما تغيّب 43 عضواً عن جلسة البرلمان.

الأصوات المعارضة لدخول السويد للناتو بدت خافتة واقتصرت على حزبي اليسار والبيئة الرافضين للحلف، واللذين قادا نقاشات واسعة، ركزت على مخاطر الانضمام وإطلاق سباق تسلح جديد.

وصول السويد إلى الناتو، وبعد قرار البرلمان بدا وكأنه سهل وسالك، لكن الممانعة الهنغارية والتركية وفرض مطالب وشروط على السويد مباشرة وعلى الولايات المتحدة بطريقة غير مباشرة من قبل تركيا، حطمت الأحلام السويدية، وجعلت الحكومة السويدية تسلك طريقاً دبلوماسية هادئة لترويض ثورة الاعتراض التركية التي بدت وكأنها لعبة ابتزاز، لتحقيق مكاسب تسبق الموافقة على حل أبواب الناتو الموصدة بوجه السويد أولاً، بعد الموافقة على عضوية جارتها فنلندا.

كما اعتبر يوم إقرار البرلمان السويدي الدخول إلى الناتو حدثاً تاريخياً، وصف رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترشون يوم العاشر من يوليو 2023 حدثاً تاريخياً أيضاً، وهو اليوم الذي وافق فيه الرئيس التركي على عرض الطلب السويدي على برلمان بلاده للتصويت عليه، حين قال أمين عام حلف الناتو، ينس ستولنبيري، إن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وافق على إحالة ملف عضوية السويد في الحلف إلى البرلمان التركي، بعد اجتماع مطول في العاصمة الليتوانية ضم كل من الرئيس التركي ورئيس الوزراء السويدي، وأمين عام الحلف.

تقارير عدة تحدثت عن الثمن الذي حصل عليه أردوغان مقابل الإفراج عن “نعم” تسمح بإزالة أهم عقبة أمام عضوية السويد للناتو، لكن كما يبدو حصول أنقرة على “نعم” مقابلة لتمرير صفقة طيران F16 لتحديث سلاحها الجوي الذي أصبح بحاجة إلى تجديد، كان هو الثمن الأغلى، مع أن الضوء تركز أكثر على تعاون السويد مع تركيا لمكافحة “الإرهاب”، والمقصود هنا تحجيم نشاط حزب العمال الكردستاني على الأراضي السويدية، وتسليم بعض المطلوبين من هذا الحزب لأنقرة.

الآن وكأن السويد دخلت في دوامة جديدة، فهل ستحتاج ستوكهولم لتدوين أحداث أكثر تصفها بالتاريخية قبل أن تحصل أخيراً على العضوية رسمياً في حلف الناتو؟

قبل أيام قليلة أوقفت المحكمة العليا السويدية قرار ترحيل مطلوبَيْن لأنقرة، فيما أكد خبير سويدي بالشأن التركي، أن قرار المحكمة العليا السويدية الأخير بمنع ترحيل شخصين تطالب بهما أنقرة، قد يكون له عواقب على مسار السويد نحو حلف الناتو. وأضاف الخبير أن كل أمر خلافي يتعارض مع الاتفاق السويدي التركي يشكل أنباء سيئة بالنسبة لعملية المصادقة التركية على عضوية السويد، مشيراً إلى أن القرار قضائي وقانوني، وليس سياسياً، بسبب فصل السلطات القائم في السويد.

كل ذلك يتزامن مع إشارات سلبية تركية ومع حديث الرئيس التركي الأخير حول تأجيل المصادقة على الطلب السويدي حتى أكتوبر، وتصريح مماثل حول تأجيل المصادقة الهنغارية أيضاً.

قرار المحكمة العليا السويدية بوقف ترحيل مطلوبين إلى أنقرة، قد يؤثر أيضاً على رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، بوب مينانديز الذي يتمتع بنفوذ كبير على صفقة طائرات F16 التي تريدها تركيا، ويدفعه لمعارضتها.

أي أن “نعم” التركية لا تبدو صريحة بما يكفي، ولا تتناسب مع حجم الفرحة السويدية، أردوغان قال نعم، والتزم الصمت، بل أعطى برلمان بلاده، الذي من المفترض أن يصادق على عضوية السويد، إجازة مبكرة وطويلة تمتد حتى أكتوبر المقبل، فيما يبدو أن الرئيس التركي سيستمر بالاحتفاظ بورقة السويد إلى نهاية اللعبة، وسيلعب مع السويد والولايات المتحدة لعبة ورقة مقابل ورقة.

من جهتها ربطت السويد الالتزام بتلبية المطالب التركية، مع موافقة البرلمان التركي على عضوية السويد في الناتو، في لعبة تبدو وكأن كل طرف يقول للآخر “أعطني أنت الأول لكي أعطيك”.

يأتي كل ذلك مع تهديدات روسية مباشرة، باستهداف السويد كعضو جديد في الناتو، وربما تزايد نسبي في الأصوات الداخلية المعارضة لدخول السويد في هذا الحلف العسكري الذي سيلحق التزامات عسكرية واستراتيجية جديدة على السويد، ويفرض تساؤلات حول المظلة النووية الدفاعية التي يتضمنها حلف الناتو، وسط رفض السويد لنشر الأسلحة النووية على أراضيها، وإرسال الجنود السويديين إلى مناطق ملتهبة في العالم، إضافة إلى تغييرات ربما بشروط التجنيد الإجباري، وغيرها من المطبات والحفر التي تواجه السويد في طريقها نحو الانعطاف من حياد طويل عمره 200 عام إلى انحياز نحو الأحلاف العسكرية.

د. محمود آغا

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.