هل السويد بلد عنصري؟

: 5/12/23, 10:33 AM
Updated: 5/13/23, 11:40 PM
منظاهرة في ستوكهولم العام 2022 ضد ترحيل اللاجئين الأفغان إلى أفغانستان (أرشيفية)
Foto: Claudio Bresciani / TT
منظاهرة في ستوكهولم العام 2022 ضد ترحيل اللاجئين الأفغان إلى أفغانستان (أرشيفية) Foto: Claudio Bresciani / TT

يكثر الحديث عن العنصرية في السويد هذه الأيام. تصريحات سياسيي اليمين المتطرف تذكي النار. الحرب الثقافية، ومناهضة التنوع الثقافي، مصطلحات أثارت جدلاً واسعاً في الأسبوع الأخير.

تقرير أمين المظالم المعني بالتمييز حكى ما يشعر به كثيرون دون أن تكون لديهم المقدرة على صوغه في أرقام وجمل منسقة. نصف مليون بلاغ عن التمييز سنوياً، أصحاب الأسماء العربية والمسلمون بين الفئات التي تتعرض للتمييز ضدها في سوق العمل، والمحجبات يواجهن الرفض بسبب زيهن.

كل هذا حقائق، والأرقام قد تكون أكبر من ذلك، فكثيرون لا تصل شكاواهم إلى أمين المظالم أو غيره، ويواجهون وحدهم بصمت مثل هذه المواقف.

في المقابل، ومع كثرة الحديث عن التمييز زادت الحساسية منه، فصارت العنصرية شماعة كثيرين لتبرير الإخفاق، وصار كثير من المواقف الطبيعية يوصف بالعنصرية. مثل ما حصل مع ذاك الشاب الذي تقدم لمسابقة الغناء ونعت عضوة لجنة التحكيم بالعنصرية بعد فشله في التأهل لأن صوته كان سيئاً فعلاً، فردت عليه المحكّمة بأن والدها شرق أوسطي!

العنصرية ببساطة شعور فرد أو مجموعة بأنهم فوق مجموعات أخرى من البشر لأسباب لا يد لهم فيها أصلاً، كالعرق أو اللون أو اللغة أو الدين أو الجنس، وتصرفهم بناء على ذلك.

ورغم كل الحديث عن العنصرية في السويد، ورغم وصول اليمين المتطرف إلى المشاركة في الحكم، لم تصبح السويد بلداً عنصرياً، فذاك تعميم يهوّم في الفضاء، ويحلو لدهاقنة السوشال ميديا، بل ولبعض المفكرين العرب، الترويج له هذه الأيام.

العنصرية موجودة تقريباً في كل بقاع العالم، المتحضر منه والمتخلف. لم يتخلص البشر من عقدة السيد والعبد بعد، غير أن الفرق بين دولة وأخرى يكمن في مقدرة المجتمع على إنتاج ما يقاوم العنصرية أو يعاقب عليها بحيث لا تبقى عملاً متستراً عليه ولا تتحول إلى نهج.

المنظومة القانونية والسياسية والثقافية التي ما زالت تحكم السويد، كلها ضد التمييز. القانون يمنع العنصرية، النخب تواجه العنصرية، الإعلام يحرّم العنصرية، 7 أحزاب من ثمانية ضد العنصرية. اليمين المتطرف، بوجهه السياسي، وبكتائبه السوشيلية، يدرك ذلك، ويسعى لتغييره، إن بمحاولة SD تطبيع العنصرية قانونياً في البرلمان، أو بمحاولة كتائب الفيسبوك والفلاش باك تطبيع العنصرية ثقافياً.

ومع ارتفاع شعبية SD في الانتخابات المتوالية، ضعفت مقاومة هذا النهج من البقية، فالضجيج الذي كنا نسمعه إزاء أي تصريح عنصري يخفت أكثر فأكثر. والخوف الآن ربما ليس على المنظومة القانونية أو حتى السياسية، بل على تحول المزاج السويدي العام. الجار وصديق المدرسة وزميل العمل، أولئك من يشكلون الحياة في الواقع، لا النخب. كما أن تغيّر المزاج سيضطر لاحقاً النخب إلى مجاراته، خصوصاً في حسابات سوق الأصوات الانتخابية. والواقع أن للمهاجرين سهم في تغير المزاج السويدي نحو الأسوأ، مع أنهم الضحية، بسلبيتهم حيناً، وبترك أنفسهم فريسة سهلة للصورة التي يريد اليمين ترويجها حيناً آخر. غير أن هذا بحث آخر.

تعميم تهمة العنصرية على شعب كامل وبلد يحوي قوى متعددة، ويعيش صراعاً على قيمه بين التنوع والانغلاق، هو بالضبط ما يريده اليمين المتطرف. ليس ذلك محاكمة للنوايا أو استحضاراً للمؤامرة، بل هذا ما يعلنه سياسيوه بوضوح. والتعميم آفة ابتلي فيها كثير من المهاجرين على السوشيال ميديا. بل إن الأمر لم يقف عندهم، وتعداهم إلى أشخاص محسوبين على المفكرين يشجعون على التفكير بهذا الاتجاه.

إبان أزمة حرق المصحف، استحضر مفكرون عرب (أحدهم على شاشة الجزيرة) ما قالوا إنه المادة 25 من الدستور السويدي، باعتبارها “تمييزاً واضحاً” ضد الأجانب في السويد وحرمانهم من حقوقهم الأساسية. واستنتجوا من ذلك أن النظام القانوني السويدي عنصري بطبيعته، حسب الدستور. والحقيقة أن المادة التي يقصدونها هي بالفعل المادة 25 من القانون الأساسي المعني بـ”شكل الحكومة”، لكن المادة قُدمت منزوعة من سياقها. فهي تتحدث عن جواز فرض قيود على غير المواطنين السويديين فيما يخص الحقوق والحريات، وتفصّل ذلك، لكنها تقيده بالمادة 22 التي سبقتها والتي تجعل إجراءات تقييد الحريات مؤقتة وبموافقة من البرلمان حصراً. وتجاهل مقدمو هذا المنطق أن المادة 20 من القانون الأساسي نفسه تتحدث عن جواز فرض قيود تخص الحقوق والحريات للمواطنين السويديين. فالقانون الأساسي (الدستور) يضع في اعتباره الحالات الطارئة، كانتشار الأوبئة أو ما يهدد الأمن العام. وفي مثل هذه الحالات يجوز في كل الديمقراطيات تقييد الحريات لأسباب تتعلق بالأمن القومي أو الأمن العام.

من يرغبون بالترويج للسويد كبلد عنصري يتجاهلون أيضاً أن القانون الأساسي الذي يتحدثون عنه يحوي فصلاً خاصاً بالحماية من التمييز وينص على أنه “لا يجوز لقانون أو لائحة أن تضع شخصاً في وضع غير مناسب لأنه ينتمي إلى أقلية بسبب الأصل الإثني أو اللون أو ظروف أخرى مماثلة أو على أساس التوجه الجنسي”. كما يتجاهل هؤلاء أيضاً وجود وزراء من أصول أجنبية حتى في صفوف أحزاب اليمين.

العنصرية لا تُواجه بوضع المجتمع كله في سلة واحدة معادية، واستخدام ألفاظ من قبيل “هم يريدون” و”إنهم يسعون”، فـ”هم” هنا وهمية لا تعبر عن شيء في مجتمع متعدد القوى والرؤى ويتصارع الآن على قيمه. بل إن البعض يذهب إلى “هم” الغرب كله أو “هم” البيض كلهم، ويريدنا أن نواجههم دفعة واحدة.

لا وصفة جاهزة لدى أحد لمواجهة العنصرية، وهي مرض عضال فعلاً، لكن ذلك بالطبع يتطلب أولاً فهمها بحدودها الحقيقية، وفهم القوى التي تغذيها، وهذا يتطلب جهداً حقيقياً لا دعائياً، ويتطلب على الطريق أيضاً العمل على تخفيف النزعات العنصرية بين مجموعات المهاجرين أنفسهم، فهي تكاد تكون أكثر حدة ووقعاً وألماً.

مهند أبو زيتون

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.