هل تتهاوى السويد حقاً؟

: 3/2/23, 8:59 AM
Updated: 3/2/23, 8:59 AM
هل تتهاوى السويد حقاً؟

“ستسوء الأمور قبل أن تتحسن”، هكذا يقول وزير العدل غونار سترومر في توصيفه لموجة العنف التي تشهدها بعض الضواحي جراء الصراع القاتل بين عصابات المخدرات.

الرسالة نفسها قدمتها وزيرة المالية إليزابيت سفانتيسون حول الوضع الاقتصادي والضغوط التي تتعرض لها الطبقة الوسطى والطبقة الأقل حظاً. المؤتمر الصحفي الذي عقدته الوزيرة يوم الأربعاء الماضي لم يقل جديداً، فالحكومة تستمر في التركيز على خفض التضخم ولا يمكنها تعويض كل شيء لمن يعانون.

هي مرحلة مؤقتة إذاً من عنف العصابات وسوء الأوضاع الاقتصادية، كما تراها الحكومة، في حين يراها كثيرون من أبناء الطبقة الوسطى الذين يعانون الآن، سواء في الضواحي التي لم تعد آمنة أو في الاقتصاد الذي لم يعد مستقراً، دلالة على أن السويد تتهاوى.

في مقال كتبه الصحفي المستقل أندريف فالدن في داغينز نيهيتر 19 فبراير تحدث عن عائلته التي تنتمي إلى الطبقة الوسطى، وكيف عاشت طيلة العقد الماضي حياة الطبقة العليا، تسافر إلى المالديف وتأكل المحار، لكن بالقروض. وقتها كانت نسبة الفائدة تحت الصفر. ومع ارتفاع أسعار الفائدة الآن تبخر الحلم وأصبحت العائلة أقرب إلى الطبقة الدنيا تحت وطأة الديون المتراكمة.

في ذلك العقد وبينما كانت الطبقة الوسطى السويدية تجد عبر القروض إطلالة ولو مؤقتة على حياة الطبقة العليا، كانت تلك الحياة تبدو للمهاجرين من سكان الضواحي حلماً بعيد المنال، لظروف كثيرة منها فشل إدماجهم الحقيقي في المجتمع. لم يجد شباب في تلك الضواحي وسيلة للبس الساعات الفاخرة وقيادة السيارات الفارهة والتباهي بها سوى وسائل الإثراء السريع عبر بيع المخدرات، مستفيدين من حالة التراخي القانونية التي أتاحت لهم الإفلات من العقاب أو الخروج بأقل الخسائر، باعتبار معظمهم تحت السن القانونية، فتحولوا ترساً في آلة كبيرة يُحكم عليه بالدمار عندما تتضارب المسننات مع بعضها.

والآن ترى الحكومة اليمينية في تشديد القوانين حلاً سيزيد الطين بلة في البداية قبل أن يجف البلل فتتحسن الأمور، غير أن منطق الأشياء يقول إن الطين حين يجف مع الماء قد يتحول إلى صخر يصعب كسره.

الحكومة نفسها تتبنى خطاباً عامّاً يزيد المهاجرين عزلة ويدفع من بقي منهم خارج المجتمعات الموازية إلى اللجوء إليها باعتبارها وسيلة الحماية والحياة الأخيرة.

لا تقيم الحكومة وزناً للعوامل الاقتصادية الاجتماعية التي أدت إلى نشوء تلك المجتمعات وازدهار العنف فيها، بل إن خطابها يعمّق تلك العوامل، وسياستها الاقتصادية تزيد في الفروق الطبقية التي ساهمت في نشوء ظاهرة كظاهرة العصابات المرعبة.

لا يبدو وعد الحكومة بتحسن الأوضاع واقعياً، إذ لا تقدم حلولها سوى مزيداً من التغذية لجذور المشكلة في الضواحي.

أما على صعيد الاقتصاد، فلا تطرح الحكومة حتى الآن حلولاً، بل إنها تكاد لا تحرك ساكناً أمام ركود بدأ يضرب بعض القطاعات.

في بداية جائحة كورونا، عقدت الحكومة السابقة المؤتمرات الصحفية وضخت الأموال وقدمت الحزمة تلو الحزمة. وأياً يكن التقييم النهائي لتعاطي الحكومة مع الأزمة، فإن هناك عملاً يمكن تقييمه سلباً وإيجاباً. خرجت السويد من الأزمة بأقل الخسائر، اقتصادياً على الأقل، فتعافى اقتصادها وانتعش الناس بسرعة.

ومع بداية الأزمة الاقتصادية الراهنة، تبدو الحكومة الحالية ساكنة بلا حراك، سوى في دعم الكهرباء الذي تخبطت في مداه ومواعيده، وسوى “فضيحة” تفويت المليارات بعد تلكؤها في فرض سقف أعلى لإيرادات شركات الكهرباء تبعاً لقرار الاتحاد الأوروبي.

أربع سنوات من عمر الحكومة ما زالت في بداياتها، والأمل الآن أن تصمد عوامل القوة الذاتية للمجتمع لئلا تتهاوى السويد حقاً.

مهند أبو زيتون

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.