يكتفي غالبية الناطقين بالعربية في السويد بالتذمر. الشكوى على وسائل التواصل، على أهميتها، لا تحدث فارقاً وحدها. ويغيب عن المشهد، أو يكاد، أي دور فاعل حقيقي، بدءاً من أبسط الأمور، التصويت في الانتخابات، وصولاً إلى دور جمعيات المجتمع المدني وقادة الرأي والسياسيين.
ما أظهره تقرير “أسبوع يارفا” من ضعف مشاركة المولودين خارج البلاد في الانتخابات الأوروبية مقارنة ببقية السويديين، ليس مفاجئاً. نحن ننتج الدوامة نفسها. نعتكف عن المشاركة في السياسة والمجتمع. نترك مكاننا فارغاً وتأثيرنا ليملؤه من شاء ممن يهاجموننا ثم نبكي على اللبن المسكوب ونلعن السويد وأوروبا بمن فيها.
نسبة التصويت في الانتخابات الماضية 2019 بلغت 57 بالمئة بين عموم السويديين. في حين كانت نسبة المشاركة من المولودين في سوريا على سبيل المثال 22 بالمئة، والمولودين في العراق 20 بالمئة. الأرقام تشرح دورنا وتأثيرنا.
يكتسح اليمين الشعبوي أكثر من برلمان في أوروبا. مقاعده تزداد في البرلمان الأوروبي الذي باتت قراراته تمس حياة الناس في أبسط تفاصيلها اليومية. لا يخفي الشعبويون عداءهم للمهاجرين فخطابهم في ذلك واضح وإن تستر أحياناً بسياسيين أو إعلاميين من المهاجرين أنفسهم.
يعبئ حزب SD، على سبيل المثال، جمهوره قبيل الانتخابات بمزيد من الرسائل التي تستهدف المهاجرين، المسلمين منهم على وجه الخصوص. في التخويف من “الثقافات الغريبة” ما يزيد شعبية الحزب بين جمهور اليمين، لكن ماذا عن حساباته الخاصة بأصوات المهاجرين أنفسهم.
يعرف SD ربما أن تأثير أصوات هؤلاء محدودة رغم كثرتها (تتجاوز 10 بالمئة من مجموع الأصوات) فهم لا يصوتون غالباً، وإن صوتوا فتبعاً لعقدهم الدينية أحياناً، وثاراتهم أحياناً أخرى، فتتشتت أصواتهم ولا يمثلون كتلة ضاغطة.
في سلوك الأحزاب الشعبوية قبيل الانتخابات ما يزدري بشكل واضح أصوات المهاجرين وتأثيرهم، رغم أنهم كثرة، لكنهم أضعف من غثاء السيل. تأمَن هذه الأحزاب عقوبة الناخب المهاجر، فتبني حملتها الانتخابية على مهاجمته.
أحزاب السويد متنوعة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لا يمكن للمرء أن يتفق مع حزب واحد منها في كل شيء، لكن العملية الانتخابية هي في جوهرها عملية مفاضلة بين الحسن والأحسن والسيئ والأسوأ. الفكرة التي يحاول كثيرون ترويجها بأن “جميع الأحزاب في سلة واحدة” وكلها “تقف ضدنا” فكرة سطحية لا تنتج إلا السلبية والعدمية، ومزيد من عزلة المهاجرين.
التصويت في الانتخابات ليس عصى سحرية بالطبع، فلن تصبح السويد بعده جنة اللاجئين، لكنه الطريقة الأبسط ليقول المهاجرون إنهم موجودون وإن أصواتهم يجب أن يحسب لها حساب.
في انتخابات السويد 2022 بكى كثيرون على اللبن المسكوب بعد أن تمكن SD من الوصول إلى الحكم وإن بشكل غير مباشر، فهل سيبكون الآن أيضاً؟
مهند أبو زيتون