10 أسئلة على المسلمين أن يطرحوها بعد حرق المصحف

: 7/7/23, 11:11 AM
Updated: 7/7/23, 11:11 AM
خلال مظاهرة في العراق احتجاجاً على حرق المصحف في السويد
 (AP Photo/Hadi Mizban)  TT
خلال مظاهرة في العراق احتجاجاً على حرق المصحف في السويد (AP Photo/Hadi Mizban) TT

بعد كل ما تسبب به حرق نسخ المصاحف يخوض السويديون نقاشهم الداخلي تحت ضغط خارجي. انفتح الجدل على مصراعيه عن الموازنة بين حرية التعبير وحرية الاعتقاد وسط سؤال يلح على النخبة: لماذا تدفع السويد كل هذا الثمن الباهظ ليقول “حمقى” آراؤهم؟ نقاش ليس سهلاً في مجتمع كالسويد. يطال ذلك الدستور والقانون وفلسفة الحرية نفسها، وتأثير التقييد على حقوق الأقليات نفسها. حرية التعبير إنما تخدم أولاً الأقليات والأفراد في مواجهة سلطة الأغلبية والدولة والسلطة. السلطة القوية للدولة تعني الحد من حرية الأقلية في ممارسة اعتقادها المخالف لدين الأغلبية أو إلحادها.

ليس حرق المصحف تعبيراً عن رأي أو فكر، إنه مجرد استفزاز تختلف أهدافه باختلاف الفاعل، مرة دخول عالم السياسة من باب التطرف الشعبوي، وأخرى لأهداف آنية كالحصول على الإقامة الدائمة مثلاً، وما أكثر المستعدين لفعل أي شيء من أجل الحصول على مكاسب كهذه! صحيح أن حرية التعبير غير معنية بالنوايا والأهداف، غير أن للتعبير عن الرأي والفكر مجالاته التي ليس منها حرق الكتب أو إهانتها. يستطيع أياً كان أن يكتب مقالاً أو يعقد محاضرة أو يؤلف كتاباً ينتقد فيه ما يشاء من الأديان وتعاليمها، فذلك رأي وله حريته. أما تدنيس رمز تعتبره مجموعة من البشر مقدساً وأمام أعينهم فذاك ليس رأياً حتى تكون له حريته.

لا يغضب المسلمون من حرق المصحف غضباً لدينهم غالباً، فحرق الأوراق لن يضير الدين في شيء، و”للبيت رب يحميه” كما نُقل عن جد الرسول الكريم. وقد تجد بين الغاضبين من اعتاد أن يشتم الدين عند أقل لحظة غضب. يشعر المسلمون بالإهانة لأنهم يعتبرون المقدّس جزءاً أساسياً من هويتهم وتعريفهم لأنفسهم. قد تسمع في شوارع المسلمين شتماً علنياً للدين دون أن ينتفض أحد. لكن أن تأتي الشتيمة من غير أتباع الدين وعلى مرأى منهم فتلك إهانة. وهذا ما لا يفهمه السويديون كثيراً. يزيد في الإحساس بالإهانة الأجواء المتصاعدة للإسلاموفوبيا في البلاد والعالم. “تجرؤوا الآن على كتابنا وغداً يتجرؤون علينا”. جملة قالها أحدهم وتلخص الكثير.

جيد أن يخوض السويديون نقاشهم السياسي والقانوني والدستوري إزاء حرق المصحف، وما جرّه على البلاد من أضرار، ومن الجيد أن يكون للمهاجرين صوت في هذا النقاش فهم المعنيون به أولاً، لكن من الجيد أيضاً أن يخوض المسلمون على اختلاف ظروف وجودهم في البلدان المختلفة نقاشاً مماثلاً. لماذا ينجح أي أحمق في استفزازهم وتحقيق مراده؟ ولماذا يغضبون غضبة جماعية إزاء حرق المصحف ولا يغضبون مثل هذه الغضبة لقتل أطفالهم وتشريد الملايين منهم، لماذا لا يغضبون للظروف التي تجعل البشر يركبون قوارب الموت للنجاة من أوطانهم، ولماذا لا يغصبون لتفجير المساجد بأصحابها وكتبها؟

إن “أمة” تغضب لحرق أوراق ولا تغضب لمقتل طفل أو ظلم ضعيف، هي أمة “ميتة” تبحث في المقدسات عن “عزة” لم تعد تمتلكها. غضبتها أشبه بغضبة عشائرية حين تُسب العشيرة أو تهان ولذلك سرعان ما تهدأ غالباً دون أي تأثير.

على المسلمين والمهاجرين في السويد أيضاً أن يخوضوا نقاشهم، أي نوع من القيم يريدون، هل هم مع قيم الحرية والانفتاح التي جعلت هذه المجتمعات تستقبلهم وتتيح لهم حرية الاعتقاد وممارسة شعائرهم، وهي القيم نفسها التي تحمي حق الفرد في الإلحاد والمثلية وغيرها؟ أم أنهم مع قيم البلدان التي هربوا منها؟ أم تراهم ينحازون لقيم القومية والانغلاق والشعبوية التي يروج لها اليمين المتطرف ويريد من خلال توجيهها ضد المسلمين الانقلاب على كل الأشياء الجميلة في البلاد؟ أليس غريباً أن تحظى هذه القيم بتأييد قسم لا بأس به من المهاجرين؟!

وعلى المسلمين في الدول الـ57 التي أدانت حرق المصحف بشكل جماعي أن يخوضوا نقاشهم أيضاً. أي قيم تحكم بلادهم، وهل لهذه الشعوب حرية الاعتقاد التي يطالبون بها للمسلمين في الغرب؟ هل يعون فعلاً آية “لا إكراه في الدين”؟ و”لا” هنا نافية للجنس وليست ناهية، أي أنها تنفي جنس الإكراه عن الدين، فلا يصح أن يجتمع الاثنان منطقياً. هل حقاً الصراع في العالم هو صراع بين كفر وإيمان؟ ولماذا يلجأ ديكتاتور مثل بوتين لاحتضان المصحف مزاوداً بذلك على الغرب وهو يعرف أن ذلك يؤتي ثماره لدى المسلمين؟ ولماذا تقدس شعوب كاملة الديكتاتوريين أصلاً، وتجذبها شخصية “الزعيم” القوي، خصوصاً إن حفظ آيات من القرآن؟

هي أسئلة تتجاوز حدود حادثة مستنكرة كحرق نسخة من المصحف، غير أنه لا بد من خوضها جميعاً وأكثر منها إن كان المسلمون يريدون أن يتجاوزوا حالة “غثاء كغثاء السيل” التي يقبعون فيها منذ عقود طويلة.

مهند أبو زيتون

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.