أكرم مزبان: "السوسيال أخذ ثلاثة أطفال مني ودمر عائلتي"
الكومبس – خاص: القوانين السُويدية، تُتيح للدولة، مصادرة حق رعاية الأطفال، وأخذهم من والديهم، إذا ثبت انهم غير مؤهلين لرعاية أطفالهم، أو عند تعرض الأطفال إلى عنف منزلي. ولا يتعلق الأمر فقط بالمهاجرين، وإنما حتى أبناء البلد الأصليين معرضين لمثل هذه الاجراءات.
لكن عندما يتعلق الأمر بالعديد من المهاجرين، يشكل الأمر لهم، صدمة قوية جداً، إما لعدم المعرفة الكافية بالقانون أو لسوء الفهم وصعوبة التواصل، أو حتى لعدم الخبرة بالمجتمع السويدي وكيفية التعامل مع الأطفال.
أكرم مزبان (39 عاماً) قدم من العراق للسويد قبل ثلاث سنوات ونصف، أخذت السلطات الاجتماعية (السوسيال) ثلاثة أطفال منه، بانتظار أن يكبر الرابع ليلتحق باخوته.
يقول أكرم للكومبس: "كنا عائلة فرحة مجتمعة، ولدينا أربعة أطفال بأعمار 7 و 5 و 2 وثمانية أشهر أخذوا ثلاثة منهم وتركوا الرضيع مع أمه التي فصلوها عني وتعيش في مكان آخر، ريثما يكبر قليلاً ليأخذوه منا أيضاً".
يضيف أكرم: "وجدت ابني بتاريخ 2 تموز (يوليو) 2014 بعد المدرسة متعرضاً للضرب وكنزته متشققة وعليها آثار دماء، ، كان يتعارك مع أحد الأطفال، بحسب المشرفين في الروضة، فطلبت أن أغيّر المدرسة، وحاولت المشرفة معرفة سبب النقل ورؤية الورقة التي تقدمت بها، فقلت لها خوفاً من المشاكل إنها أقرب إلى مكان مدرستي".
وفي اليوم التالي قدم ثلاثة رجال شرطة وثلاثة أشخاص من السلطة الاجتماعية ليأخذوا الأطفال، ويتابع أكرم حديثه: "صدمنا أنا وزوجتي منهم ومن طريقة تصرفهم، وقالوا لدينا شكوى وسنأخذ الأطفال".
"لم أضرب أطفالي أبداً"
ويتابع أكرم: "تطورت القصة وتم تضخيم الأمر، وفصلي عن زوجتي، ودخلت إلى الإسعاف جراء الحزن واليأس والصدمة، كما أصابتني قرحة في المعدة، وعانت زوجتي من تضخم في المرارة والبنكرياس، بالإضافة إلى أن المدعية العامة سجنتني لمدة 35 يوماً منذ تاريخ 9 تموز (يوليو) وحتى 12 آب (أغسطس)، بحجة أني سأعطّل من سير التحقيق وسأصل إلى الأطفال وأخذهم".
يتابع أكرم: "اتهموني في السوسيال أني أضرب أطفالي بعصى الستائر، وهذا الكلام كله مختلق ولا يوجد أدلة، وأجبرونا على الاعتراف كي لا يأخذون الأطفال، فاعترفنا كذباً كي لا نضخّم الموضوع، لكن فوجئنا بقدومهم وأخذهم الأطفال منا، وتلقينهم الكلام عمداً بأننا نضربهم رغم نفي أطفالي وزوجتي".
وعند فشل إثباتهم لعملية الضرب، قالوا بأني أذيت أطفالي نفسياً، هل هذا كلام معقول؟
وتابع أكرم: "في المحكمة أسمعوني تسجيلات للأطفال، يبدو فيها تلقينهم الكلام بشكل واضح وصريح، لكن لم يأخذه القاضي بعين الاعتبار، أشعر بالظلم كثيراً، فهم دمروا عائلتي، بعد أن كان أملي بالمحكمة، لكننا طعنا بالقرار بمساعدة محامي".
وقال أكرم: "أنا أعاني من مرض في الظهر ومشاكل في القلب، وانتظر موعداً من طبيب لأجل عملية، كما انخفض وزني من 76 كيلو إلى الستينات، وكل صحتي لا تهمني مقابل أطفالي، وأن أضمن مستقبلهم وأحميهم".
أما زوجتي التي تبلغ من العمر 35 عاماً، نفت نفياً قاطعاً تعرضها للضرب، وحوكمت بتهمة سوء معاملة الأطفال بـ 200 ساعة عمل وفي حال الرفض، تسجن لمدة تسعة أشهر، حتى الطبيب اشتكى عليّ".
"ابتزاز"
من جهتها قالت السكرتيرة الاجتماعية إيلاف عاتي، والتي تملك شركة خاصة لمساعدة العائلات والتواصل بينهم وبين السلطات، إنها حاولت التوّسط في الموضوع ومساعدة عائلة أكرم، لكن تم رفض طلبها لأن مجال عملها ينحصر في بلدية أخرى.
وبيّنت للكومبس: "ان السوسيال كان قاس جداً على أكرم وعائلته، ويوجد مواضيع قانونية غير مثبتة، وهناك ثغرات في طريقة تحضير الملف للقضاء، وما فعلوه كان ابتزازاً للعائلة، حيث طلبوا منهم اعتراف بالضرب كي يعاد الأطفال مجدداً للعائلة ولا يتم تضخيم الموضوع، فاعترفوا تحت الابتزاز، ليجري أخذ الأطفال منهم بهذه الحجة على أساس أنها دليل، أعتقد أنه أمر غير أخلاقي نهائياً"، مضيفة: "لو لم تعترف العائلة، كان سيعتبر الأمر عدم تعاون مع السوسيال، وبالتالي احتفاظ بالأطفال".
وتتابع عاتي: "كما أنهم لم يأخذوا بعين الاعتبار حصول العائلة على مساعدة لوحدها دون السوسيال، ولا وضعهم الضريبي الجيد، ولم يتعاملوا معهم بمهنية مطلقاً".
وأشارت: "المحكمة لم تصدر قراراً نهائياً بعد، لكن أمر أن العائلة حصلت على مساعدة لوحدها، دون السوسيال، يمكن أن يثقل وتستعيد العائلة أطفالها".
"مسؤول السوسيال رفض التعاون معي أيضاً"
وحول إن كانت رأت معاملة فجّة لأكرم وزوجته مع الأطفال، تقول عاتي: "لم أر شيئاً، لذلك لا استطيع الكلام، لكن ما وجدته من طريقة تعامل الأم مع رضيعها، كان عكس ما كتبته السلطات الاجتماعية تماماً، لم يدل أي شيء على أنهم كانوا عدوانيين تجاههم، وهناك عيوب كثيرة في كيفية تعاملهم مع العائلة، وطريقة الضغط وحشرهم في الزاوية".
وتضيف عاتي: "رفضت السلطات الاجتماعية رفضاً قاطعاً تقديمي الدعم لعائلة أكرم رغم انني أملك وكالة رسمية منهم، حتى عندما تحدثت مع مديرهم ووصفت موظفيه بأنهم يتصرفون كالشرطة، لم يتعاون معي نهائياً".
السوسيال يرفض الحديث حول الموضوع
من ناحية أخرى، حاول موقع الكومبس الاتصال بالموظفتين الاجتماعيتين المسؤولتين عن أطفال أكرم، وهما يوسفين جنابي ونورا مساري، لكنهما رفضتا الحديث مطلقاً حول الموضوع وقالتها إن التفاصيل سريّة ولا يخوضون فيها نهائياً.
متى تأخذ الدولة الأطفال؟
في حديث سابق خاص لـ "الكومبس"، قالت آن غارديستروم من الوحدة الإستراتيجية للقضايا الاجتماعية في العاصمة ستوكهولم، ان قانون الخدمات الاجتماعية، يركز أولاً وأخيراً على رعاية الأطفال وحمايتهم ومساعدة الأهل، موضحة إن التفكير بأخذ طفل من والديه، اخر شيء يمكن ان تقدم عليه الخدمات الاجتماعية (السوسيال) وان هذا الأمر، يحدث فقط عند عدم التوصل الى اتفاق مع العائلة وعندما تكون الأوضاع سيئة بشكل حقيقي على الأطفال.
وتشرح غارديستروم، ان السوسيال، مسؤول عن بدء التحقيق في مثل هذه القضايا عندما يتقدم شخصاً ما لطلب الدعم، سواءَ أكان أحد الوالدين او كلاهما او شخص ثالث، يشك بوجود خطورة على الطفل، وذلك وفقاً للفصل 14 من قانون الرعاية الإجتماعية (14 kap 1 § Socialtjänstlagen)، وان ما يفعله السوسيال هو تطبيق القانون.
ووفقاً لـ غارديستروم، فإن مهمة أخذ الأطفال من عوائلهم، تمر بمراحل عدة، يجري خلالها لقاء أصحاب الشأن جميعهم، الأبناء والوالدين والمقربين إليهم والتأكد بشكل دقيق من الأوضاع التي يعيشها الطفل في كنف والديه، لافتة الى أن الأمر لا يحدث بين ليلة وضحاها، وان التشريع القانوني وضع ليحمي الاطفال ويقدم الدعم للوالدين أيضاً.
تقول غارديستروم، ان جميع العاملين في مجالات تتيح لهم الإحتكاك مع الأطفال، كالمدارس والمستشفيات تقع عليهم مسؤولية الإبلاغ اذا ما وجدوا أن طفلاً ما يتعرض للأذى او هناك مخاطر من تعرضه لذلك، وفي حال حدوث ذلك، يُفتح تحقيقاً بالأمر، يمكنه له أن يستغرق أربعة أشهر أو أكثر في حال وجود أسباب قوية لذلك.
وتبين غارديستروم، إنه وخلال مدة التحقيق، يلتقي السوسيال بجميع الأشخاص المهمين من المحيطين بالطفل، كالوالدين والاقارب، لأخذ فكرة حول إحتياجات الطفل والظروف البيئة والأسرية التي يعيشها ونوعية الدعم الذي يحتاجه وقدرة الوالدين على تربيته، بعدها تُقدم الخدمات الاجتماعية مقترحاتها في شكل المساعدة التي يمكن تقديمها، ويتم الحديث حول ذلك مع الوالدين والأبناء (الأطفال والمراهقين دون سن الثامنة عشر) حول المقترح الذي يرونه مناسباً، لأخذ القرار.
ماذا لو رفضت العائلة؟
تجيب غارديستروم، إنه في حال رفض الوالدين او الأطفال الذين تزيد أعمارهم عن 15 عاماً، المقترح الذي تقدم به السوسيال، يُنهي السوسيال اتصاله بهم، لكن فقط في حال لم يكن هناك مخاطر كبيرة على الأطفال من بقاءهم على حالهم، حينها يكون من الضروري اتخاذ إجراء ما، حيث تتقدم الخدمات الاجتماعية بطلب الى المحكمة بخصوص رعاية الأطفال، وفق قانون رعاية الأحداث LVU، وللمحكمة القرار في ذلك.
وتوضح غارديستروم ما يحدث في المحكمة بعد ذلك وكيف يكون لكل طرف، الأطفال والوالدين والسوسيال، ممثلاً قانونياً مخول بالحديث عنهم، اذ يتحدث كل طرف بما لديه، فيما تبرز السوسيال الخدمات الاجتماعية، تحقيقاتها، مبينة الأسباب التي تُرجىء إليها الحاجة لرعاية الطفل/ الأطفال، رغم عدم اعتقادهم ووالديهم بذلك، بعد ذلك تصدر المحكمة حكماً، قابلاً للاستئناف.
وتلفت غارديستورم الى إنه يمكن في بعض المرات ان يجري تطبيق قرار المحكمة بشكل فوري، فيما اذا كان هناك خطر حقيقي على الفرد، كأن يكون معرضاً للعنف او الاعتداء الجنسي او الجرائم الجنائية او الإدمان. ما يعني ان اللجنة الاجتماعية او سياسيي اللجنة او رئيسها، يمكنهم أخذ قرار فيما اذا هناك حاجة فورية للمساعدة، وحينها يتطلب تطبيق القرار أربعة أسابيع، لحين قيام الخدمات الاجتماعية بتحقيقاتها والتوصل الى مقترح بهذا الخصوص.
وسحب حضانة الأطفال من والديهم في السويد، أمرٌ ليس موجهاً ضد اللاجئين فقط، بل ينطبق على الجميع. اذ ما ثبت ان هناك قصوراً بشأن تربية الأطفال ورعايتهم بما يضمن لهم حقوقهم الإنسانية، لكن بفارق اختلاف الأسباب، ففيما ترتكز الأسباب لدى غالبية السويديين المنحدرين من إصول شرقية وشرق أوسطية بالضغط على الأبناء في التزام العادات والتقاليد، تتمثل لدى السويديين المنحدرين من أصول سويدية بالإدمان والمخدرات وأمور على هذه الشاكلة.
وتؤكد غارديستروم على أن غالبية الأطفال والمراهقين الذين لديهم اتصال مع الخدمات الاجتماعية (السوسيال)، لا يُوضعون خارج منازلهم، بل يتلقون المساعدة أثناء عيشهم في المنزل مع ولي أو أولياء امورهم.
هل يمكن استرجاع الأطفال؟
تجيب، غارديستروم "نعم". وتوضح قائلة: " التشريع القانوني يهدف الى إعادة الأطفال الى منازلهم اذا كان ذلك ممكناً وبأسرع وقت ممكن. حيث إن الخدمات الاجتماعية مسؤولة عن تقديم المساعدة للأطفال وأولياء الأمور، لخلق أفضل وضعية مناسبة للأطفال في المنزل وعلى الوالدين والأبناء أن يعبروا عن ما يرونه مناسباً لهم، لكن ما يحصل أحياناً ان الأطفال لا يملكون رغبة العودة الى منازلهم من جديد".
وتعتقد بعض العائلات أن سحب الطفل/ الأطفال من حضانة الوالدين هو تدخل سافر في حياة الفرد العائلية والشخصية، وان على أولياء الأمور ان يربوا أبناءهم بالطريقة التي يجدونها مناسبة.
وحول ذلك، تجيب غارديستروم، قائلة: ان العاملين في السوسيال كأفراد ليسوا من أوجدوا ذلك. بل الجهة المنفذة للقانون.
وتعتقد غارديستروم، ان الأمر ليس سهلاً. حيث من المهم احترام حقيقة ان الناس قد يشعرون بالإهانة اذا ما تدخل احد ما في محيطهم الخاص، لذا يجب الاستماع بتواضع الى كيف تشعر تلك العوائل وإعطاءهم الفرصة للتوضيح وشرح نظرتهم حول تنشئة الطفل.
لكنها ومقابل ذلك، تؤكد مجدداً أن الأمر لا يجري بهذه السهولة، وهناك دائما حق استنئاف القرار، لكن من الضروري ان نتذكر دائماً ان للأطفال حقوقاً وعلى المجتمع التزاماً بحمايتهم.
نادر عازر nader@alkompis.com
لينا سياوش