“الأب: ” السوسيال انتزع اطفالي الأربعة أثناء وجودي بالمشفى في حالة اسعاف
الكومبس – تحقيقات: “ها هو ذا ولدي الحبيب يلعب بعيداً أراه ولكن لا يمكنني أن أقترب منه … أضمه و أقبّله ” يقولها الأب بصوتٍ متهدج و أنفاسٍ أنهكها الحزن … هربنا من ويلات الحرب في العراق لننجو بأبنائنا وها نحن نفقدهم بطريقة أخرى … يروي لنا الأب قصته مع الشؤون الاجتماعية ”السوسيال” في بلدة موليكا –هريدي القريبة من مدينة يوتوبوري :والتي أدت إلى انتزاع أطفاله الأربعة، أكبرهم عمره 12 عاما وأصغرهم 3 سنوات، في قصة جديدة من قصص انتزاع الأطفال من ذويهم، بسبب الخطر الذي تراه سلطة الشؤون الاجتماعية على الأطفال ومستقبلهم في حال بقائهم عند عوائلهم.
يتابع الأب:
منذ حوالي سنة اتصلت بالإسعاف مساء بعد أن شعرت بألم شديد لكي يسعفونني. وعندما جاء طاقم الإسعاف وقرروا أن يأخذوني معهم إلى المشفى، سألوا من الذي سيبقى إلى جانب أولادي الأربعة، ريثما أعود، فقال لهم ابني يمكن لجارتنا أن تعتني بِنَا. وجارتنا أم سويدية أطفالها يلعبون مع أطفالي ويزورهم كل يوم تقريباً، وعندما سألها المسعف إن كان بإمكانها العناية بأولادي إلى حين عودتي، وافقت الجارة حتى أنها عرضت أن تلبسهم وترسلهم بنفسها إلى المدرسة مع أولادها إذا لم أعد في الصباح الباكر. وفي الساعة الثالثة صباحاً اتصلت بي الشرطة وقالت أولادك عند” السوسيال” حالياً، عندما تعود اتصل بهم لتتمكن من استعادتهم وهذا ما فعلته … ذهبت مع صديقي لدائرة” السوسيال” صباحاً وقالوا لي: عد في المساء، وعندما عدت كانت المفاجئة، حيث قالوا لي للأسف سنحتفظ بهم حالياً.
أخذوا أولادي عنوة، كانوا يصرخون رافضين الذهاب معهم … ابنتي الصغرى كانت نائمة، حملها أحدهم على ظهره وعندما صرخ ولدي في وجهه قائلاً اترك أختي، دفعه بيده.
– هل كانت هناك خلافات أو شجار عنيف مع الزوجة أمام أبناءك ؟
– نحن مطلقان .. بعد مجيئنا للسويد برزت خلافات عديدة بيننا لكنها خلافات عادية تحصل بين كل زوجين … فيما يتعلق بالمصروف مثلاً، لكن لم يكن هناك ضرب ولا صراخ عنيف لكن أؤكد لك أن ”السوسيال” لعب دورا سلبيا جدا، بيني وبين زوجتي … فهم بدل أن يحاولوا إصلاح الأمور، كانوا يحرضون زوجتي و يقولون لها: اتركيه واطلبي الطلاق واشتكي للشرطة … نحن قادمون جدد، لا نفهم القوانين بشكل جيد وانا واثق ان زوجتي لم يكن يخطر ببالها أن شكواها المتواصلة لـ ” ”السوسيال” ” ستكون سبباً في فقدان أبنائنا يوما ًما.
وهكذا حصلت زوجتي على الطلاق رغماً عني .. كانت الحضانة مشتركة بيننا لكن الأولاد يبيتون مع أمهم وقد استطعت الحصول على منزل قريب من منزل عائلتي، وأولادي يأتون للمبيت عندي في نهاية الأسبوع، لكني خلال أيام الأسبوع كلها كنت أتسوق من أجلهم وأوصلهم هنا وهناك للمباريات .. أعياد الميلاد .. للمطاعم … أولادي أغلى ما لدي في الحياة .. لقد سلبوا مني حياتي
– وماذا حدث بعد أن أخذهم ”السوسيال” ؟ هل حاولت استعادتهم؟
-طبعاً لكن المسؤولة قالت عندما تعود أمهم المسافرة أولاً .. في المقابلة الأولى شتم ولدي المسؤولة وهو يوجه إصبعه إليها قائلاً : أنت السبب . أنت خدعتينا .. هذا ما قالته لي المترجمة التي كانت حاضرة في الجلسة .. هذه المسؤولة هي نفسها التي كانت تحرض زوجتي علي…. بدل أن يسعدوا أولادي ظلموهم ودمروهم .. منذ يومين اتصلوا بي وقالوا أنهم سيعرضون أولادي على أطباء نفسيين .. لماذا !!؟ لقد كان أولادي متفوقين في المدرسة ولم يبدي أي مدرّس أي ملاحظة سلبية عندما كان الأولاد تحت كنفي .. ولم يقل لي أحد أنهم بحاجة لطبيب نفسي .. أولادي بحاجة أبيهم وأمهم .. هذا ما يحتاجونه .. ابنتي الصغرى كانت تنام في حضن أمها أو في حضني … و الآن تنام في غرفة لوحدها وتخاف .. لقد قالت لي مرة في مقابلة بابا خذني معك …. لن أنسى كيف حدّقت المسؤولة عينيها بابنتي .. التي نظرت الى الأرض بعدها .
– هل قابلتهم طيلة تلك الفترة .. وماذا عن والدتهم ؟
– سمحوا لي بمقابلتهم كل ثلاثة شهور ! ولكن في المقابلة الأخيرة لم ألتقي ولدي الكبير و ابنتي الصغرى .. قالوا لي أنهما لا يرغبان برؤيتي !! وأمهم تقابلهم أيضاً … لكنهم لم يحضروا ابنتي الصغرى بحجة أنها مريضة .. وانا كذلك لم يحضروها لي في المقابلتين الأخيرتين .. لنفس الحجة .. و أتساءل حتى لو كانت مريضة ألا يحق لي رؤيتها والاطمئنان عنها … حتى الآن مضت ستة شهور لم أراها … لا أدري إن كانت حية أم ميتة .
– ألم تتطلب المساعدة من أحد ؟؟؟ ألم تستشر محامي ؟؟
– ذهبت لـ”السوسيال” مراراً .. جلست مع موظفتين واشتكيت لهما وقد اغرورقت عيناهما بالدموع من أجلي ووعدتاني احداهما أن ترفع القضية للمسؤول الكبير وأن هذا الأمر لا يجوز . وكلت أيضاً محامية وقالت لهم ” على أي أساس تأخذوا الأطفال وتمنعوا الأب من رؤية أبناءه متى يشاء .. لماذا تمنعوه حتى من رؤية ابنه في الملعب .. كلما رأى الولد أبيه يصرخ به خائفاً من بعيد: بابا اذهب من هنا ابتعد. أليس القانون السويدي يمنع إخافة الأولاد أو تهديدهم .. ألم تأخذوا الأولاد لتسعدوهم .. لماذا يحتاجون لطبيب نفسي الآن ؟ “.
الأب يناشد المساعدة
يتابع الأب حديثه و قد أعياه حتى التقاط أنفاسه: ” إحدى بناتي كانت تصلي و تتكلم العربية بطلاقة، الآن أحتاج لمترجم للتحدث معها .. يطعمونهم لحم الخنزير أيضاً ..و المشكلة الكبرى أنهم فصلوا الأولاد عن بعضهم . ابني البكر وابنتي الكبرى يعيشون مع عائلة … و ابنتاي الصغيرتان مع عائلة مختلفة .. وكلهم لا يتحدثون العربية الآن . “
أناشد المسؤولين من خلالكم أن تساعدوني بإيصال صوتي إلى جهة عادلة وغير عنصرية للنظر بأمر قضيتي .. لقد أعياني الهم .. و مؤخراً أصبحت أشعر برغبة في الانتحار .. ما نفع حياتي بدون أولادي.
محاولات الاتصال مع أم الأطفال
انتهى حديثنا المليء بالشجون مع الأب “الضحية” و”المذنب” بنفس الوقت، الضحية لأنه مفجوع بفقدان أولاده الأربعة عن طريق مصادرتهم من قبل” السوسيال” لكنه “مذنب” بالتقصير بتربيتهم حسب السلطات الاجتماعية أو غير مؤهل لتوفير بيئة مناسبة لهم، على الأقل، ما استطعنا معرفته من خلال هذه القصة عن السبب الحقيقي الذي دعا إلى انتزاع أولاده، هو الشجار الدائم مع والدة أطفاله حتى بعد انفصالهما، خاصة أن الجيران لاحظوا هذا الشجار المتكرر.
لقد كان واضحاً من خلال الحديث مع الأب البساطة وقلة الحيلة التي يملكها، أب قادم من وسط اجتماعي وتعليمي متواضع في التعامل مع دائرة حكومية أقوى منه ذات صلاحيات واسعة.
حاولنا ولآخر لحظة معرفة المزيد من أطراف أخرى عن هذه القصة، وحصلنا على رقم هاتف للوالدة من الأب نفسه، ولكن وللأسف لم يرد أحد على محاولاتنا المتكررة للاتصال بهذا الرقم.
رأي المحامية ناديا حاتم
الكومبس عرض هذه المشكلة على المحامية السويدية من أصل عراقي ناديا حاتم لأخذ رأيها القانوني، والتي أفادت، أنه من الصعب إعطاء رأي قانوني قاطع دون معرفة التفاصيل، ولكن وكما يبدو من هذه القصة، أن قرار انتزاع الأطفال في هذه الحالة جاء مشابها لما يصدر عن قرارات في حالات مشابه على خلفية: سوء تعامل الأهل مع الأطفال وحاجتهم للحماية، لذلك وفي حالات عديدة تلعب المدرسة أو الحضانة دور المراقب لحالات الطفل النفسية والجسدية، وفي حالة الشك بتعرض الطفل لنوع ما من الخطر ضمن عائلته، يتم التبليغ عن ذلك للشرطة، الشرطة في العادة تأخذ هذا الأمر على محمل الجد، وأول ما تقوم به هو حجز الأطفال بعد التأكد من صحة البلاغ. في حالات معينة يتم ارجاع الأطفال إلى ذويهم عند التأكد أن الأمور يمكن تسويتها وتصحيحها، وتكتفي بتنبيه الأهل.
وتأكد المحامية ناديا حاتم على أن القرار النهائي بانتزاع الأطفال يتم عبر عدة مراحل وإجراءات، وفي عدة حالات يكون الأهل هم ضحية قلة المعلومات عن القوانين والتعليمات الاجتماعية، وتضيف أن القانون يمكن أن يلعب دورا في إعادة الأطفال حتى بعد قرار فصلهم عن عوائلهم.
أسئلة عديدة يمكن أن تثار دائما عند تناول موضوع يخص انتزاع الأطفال من أهاليهم، ليس فقط من النواحي القانونية ولكن من النواحي الاجتماعية والتربوية وحتى فيما يخص التعاملات المؤسساتية، فهل هناك على سبيل المثال، نظرة نمطية مسبقة من قبل العاملين في سلطات الشؤون الاجتماعية نحو القادمين من الشرق؟ أم أن الإحصاءات تبين أن قرارات سحب الأطفال يطال جميع الفئات الاجتماعية؟ وإلى أي حد يمكن للأهل أن يكونوا قلقين على فقدان أطفالهم جراء القوانين السويدية؟ وهل المجتمع السويدي يقلل من أهمية ودور وشأن الأهل في تربية أطفالهم، أم أنه على العكس تماما؟ هذه أسالة نتمنى دائما أن نبحث لها عن أجوبة مقنعة من خلال تناولنا الصحفي لقضايا سحب الأطفال من ذويهم.
لينا أبو أسعد