السوداني “الكفيف” جامع نالوته: المجتمع السويدي أشعرني بأنني إنسان طبيعي بعيداً عن نظرات الشفقة والإحسان
الكومبس – تحقيق: من على مكتبة عمله الجديد في ستوكهولم، يستذكر لنا القادم الجديد جامع نالوته، جانباً من حياته الذي دفعه ليتخذ قرار اللجوء، وترك دارفور في السودان مسقط رأسه
جامع الذي تحدى حالة فقدان البصر لديه، وصمم على إثبات أن الأعمى هو أعمى البصيرة على الأغلب وليس البصر، يعتبر أن أول ما لمسه لدى قدومه السويد قبل ثمانية أشهر، هو أن المجتمع السويدي لا ينظر للكفيف على أنه معاق، بل أنه شخص عادي مثله مثل غيره، فلا يحتاج إلى نظرات الشفقة والعطف من هذا وذاك
يعتبر جامع أن مثل هذه النظرات والمشاعر خلال فترة حياته في بلده وحتى انتقاله إلى مصر لاحقا قد زادته تصميماً وعزماً على إثبات أنه قادر على فعل شيء ما، معتبراً أن العلم هو مفتاح كل شيء فقرر دخوله بأوسع أبوابه، ليحصل على شهادة دبلوم في علم الاجتماع وشهادة جامعية أخرى في العلوم السياسية من جامعة النيلين في الخرطوم
يقول لنا، إن هناك العديد من الأسباب التي دفعته لترك بلده، أولها الأوضاع السياسية والأمنية في درافور ذاك الاقليم الملتهب بنيران الصراعات والمهمش من نواح عدة، تهميش دفعه ليكون عنصرا فعالاً في بعض النشاطات الطلابية التي تسلط الضوء على الوضع الانساني والمعاشي في دارفور، الأمر الذي جعله عرضة للاعتقال السياسي أكثر من مرة، كما يقول.
قرر جامع الهرب إلى مصر لوحده، بالرغم من حالته الصحية قائلاً: إن البحث عن الآمان هو من كان ينير لي طريق سفري، ليبدأ مرحلة جديدة من حياته وهناك لجأ إلى مفوضية الأمم المتحدة، طالباً اللجوء السياسي
يقول لنا إنه من الطبيعي لكي تعيش عليك أن تعمل، لذلك قررت أن أترك شهادتي الجامعتين قليلاً وأعمل بأي شيء لكسب المال ولقمة العيش الحلال، حيث عمل بائعاً في مترو أنفاق القاهرة كان يقطع خلاله مسافات طويلة بين محطة وأخرى
يتابع هنا، أن هذه المرحلة كانت فترة مهمة في حياته، علمته التعامل مع الناس بمختلف أعمارهم وأجناسهم وتصرفاتهم، حتى وإن كانت نظراتهم إليه نظرات شفقة على أنه شخص كفيف
خلال تواجده في مصر، تابع جامع نشاطاته التي تسلط الضوء على ما يحدث في دارفور، وقدعين ممثلا عن اللاجئين السودانيين المكفوفين في مصر
نشاطاته هذه كما يقول لم تلق قبولاً لدى الجهات الأمنية السودانية التي وحسب وصفه استمرت في مضايقته هو وناشطين آخرين، حتى جاء يوم كاد أن يكون فيها ضحية لمحاولة اغتيال له ولإحدى الناشطات التطوعيات والتي تعمل مع اللاجئين السودانيين في مصر وذلك خلال مؤتمر حول دارفور
صفحة جديدة في حياتي
يتابع جامع في هذا الإطار، أنه بعد ما سماه العناء الطويل والإرهاب الفكري والجسدي والنظرة القاتلة للمعاقين والاعاقة، قرر الرحيل بعد أن حصل على حق اللجوء السياسي في السويد من خلال مفوضية الأمم المتحدة في مصر
ليعتبر أن صفحة جديدة في حياته قد فتحت، وهنا يقول أخيرا أنا في السويد بلد الإنسانية والأمان وهذه حقيقة لا ينكرها أحد
ويضيف، أنه يوجد في السويد، اهتمام كبير بالمعاقين والمكفوفين، فلا توجد اعاقة في السويد وهذا ما اتضح لي خلال الفترة القصيرة من إقامتي هنا، فالمجتمع السويدي ينظر “للمكفوفين ” على أنهم ناس عاديون، لديهم مقدرات كبيرة، يعملون على تأهيلها بما يخدمهم ويخدم المجتمع ككل
مع قدومه إلى السويد وبالتحديد العاصمة ستوكهولم، تم توفير كل المستلزمات المطلوبة لجامع كي يستطيع العيش كغيره من الأشخاص العاديين، مثل جهاز لغة (البرايل) الذي يساعده على القراءة والكتابة، وكذلك الكمبيوتر الناطق، وأجهزة أخرى تدلله على طريق سيره في شوارع المدينة
شعور جامع بأنه لا فرق بينه وبين أي شخص مبصر، أعطاه المزيد من العزيمة ليكون جزءا فعالاً في هذا المجتمع وليس عالة عليه، فقرر البدء بتعلم اللغة السويدية، باعتبارها كما يقول أنها حجر الأساس للاندماج ضمن المجتمع، حيث استطاع في أشهر قليلة تعلم اللغة السويدية بشكل جيد، دون أن يكتفي بذلك، بل تقدم إلى مكتب العمل بحثاً عن وظيفة، وها هو الآن بدء أولى خطواته العملية في مجتمعه الجديد ،وتمكن من الحصول على منحة تدريبة مع شبكة الكومبس الإعلامية ،يأتي كل صباح إلى مكتبه مفعماً بالحيوية والأمل، ويفتح جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به مباشراً عمله مثل بقية الموظفين الآخرين الذين أنعم الله عليهم بنعمة البصر