الكومبس – تحقيقات: فيما يتباكى العالم على آلاف الضحايا الذين يقضون غرقا في أعالي البحار، وأخرها المركب الذي غرق في المتوسط قبل أيام، وقضى فيه حولي 600 مهاجر قبالة السواحل الليبية، يحجم هذا العالم عن مد يد العون ومعالجة الأسباب، التي تدفع الناس نحو خيار الموت المحتمل في البحار بدلا من الموت البطيء في أماكن اللجوء المجاورة لسوريا، حيث أصبح حوالي 45 آلف لاجئ فلسطيني من الذين هجروا من سوريا إلى لبنان في وضع مأساوي بعد إيقاف مساعدات الأونروا على اختلافها، وانعدام أسباب العيش الكريم.
تشير الإحصائيات الرسمية إلى انتقال 15500 لاجئ فلسطيني من سوريا إلى الأردن، و600 آلاف لاجئ إلى مصر، 45 آلف لاجئ إلى لبنان، فيما يقدر عدد الفلسطينيين السوريين الذين وصلوا إلى أوروبا بحوالي 36 آلف لاجئ.
بدأ تدفق اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان منذ أواسط العام 2011، فيما كانت الموجة الأكبر أواخر العام 2012 بعدما شهد مخيم اليرموك هجرة جماعية وصفت بالنكبة الثانية على اعتبار المخيم أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سوريا، فقد ةكان يقطنه أكثر من 350 ألف لاجئ فلسطيني، فيما يعاني من تبق داخل المخيم من حصار نجم بموجبه ما عرف بشهداء الجوع، فيما تنذر التقارير الواردة من المخيم اليوم بعودة شبح الموت جوعا إلى المخيم.
تبدأ مأساة اللاجئ الفلسطيني القادم من سوريا إلى لبنان مع وصوله إلى الحدود اللبنانية، حيث يعامل معاملة السائح الأمريكي لا معاملة اللاجئ، إذ تفرض عليه القوانين أن يدفع فيزا بقيمة 25 آلف ليرة لبنانية ما يعادل 20 دولار للفرد ويشمل ذلك الأطفال، ولم يتغير هذا القانون حتى اللحظة، فيما تخول هذه الفيزا صاحبها بالمكوث في لبنان مدة أسبوعين فقط يدفع بعدها كل من يخالف غرامة قيمتها 50 آلف ليرة لبنانية عند عودته، وبعد التواصل بين الأونروا ومنظمة التحرير من جهة والجهات اللبنانية المختصة من جهة أخرى مددت الفترة لثلاثة أشهر، ومن ثم لسنة أسوة بالسوريين، على أن يدفع كل من يتجاوز السنة قيمة 200 دولار للفرد الواحد بما فيه الأطفال، أي حوالي آلف دولار للعائلة المكونة من خمسة أفراد وهذا المبلغ يساوي حجم المبلغ الذي تتلقاه هذه العائلة كمساعدة من الأونروا خلال العام.
أي أن مبلغ المساعدة سيعود للبنان أو يكون الشخص مهدد بالترحيل إلى سوريا، وتفيد التقارير الواردة من لبنان أنه طلب مؤخرا مبلغ 400 دولار من الفرد الذي تجاوز السنتين و600 لمن تجاوز ثلاث سنوات، وجاء ذلك مع الضائقة التي تسبب بها قرار الأونروا بوقف بدل الإيواء وقيمته 100 دولار شهريا للأسرة.
ولا يتوقف الأمر عند التعقيدات القانونية والفيزا والغرامات المالية، فهو أقل ضررا مقارنة بمشكلة السكن والإقامة، حيث لم تتوفر في لبنان أماكن إيواء وما كان منها كان مؤقت لمدة أسبوع أو أسبوعين إلى حين الحصول على شقة للإيجار، فيما يتراوح إيجار الشقق من 250دولار داخل المخيمات الفلسطينية ليصل إلى 500 خارج المخيمات، وإذا وجد السكن سيكون من الأكثر صعوبة إيجاد العمل للإيفاء بالتزامات العيش حيث يعاني لبنان من غلاء معيشة يعادل مثيله في بعض الدول الأوروبية.
استنفذ وجود الفلسطينيين السوريين في لبنان كل جهود منظمات الإغاثة الفلسطينية وغيرها من المؤسسات اللبنانية الخيرة نظرا لطول الإقامة وغلاء المعيشة، فيما بدأت الأونروا بتقديم مساعدات منذ مطلع العام 2013 عرف باسم ( prs ) ويشمل تقديم خدمات صحية وتعليمية وإغاثة واستشارة قانونية، حددت المساعدة المالية بقيمة 45 آلف ليرة كبدل غذاء للفرد الواحد كل ثلاثة أشهر، وبدل إيواء بقيمة 100 دولار للأسرة شهريا، شمل هذا البرنامج 12720 عائلة، فيما لا تقدم المفوضية العليا للاجئين في لبنان أي نوع من المساعدة للفلسطينيين السوريين على اعتبار أن ذلك من اختصاص الأونروا، وهي الهيئة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الذين شرودا من فلسطين عام 1948، وبدأت هذه الهيئة تشكو من عدم إيفاء الدول المانحة لالتزاماتها، فيما يرى بعض المراقبون أن هناك مؤامرة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين لارتباطها بحق عودتهم إلى فلسطين.
بدأت الأونروا تعلن تدريجيا عن أزمات مالية وبدأت بالوقف التدريجي لهذه الخدمات ففي شهر أكتوبر 2014 اتخذت الأونروا قرارا بوقف المساعدات لحوالي 1100 عائلة فلسطينية مهجرة من سوريا إلى لبنان، بحجة عدم انطباق المعايير التي وضعتها لتوزيع تلك المساعدات، وفي شهر نيسان 2015 قامت بتخفيض بدل الغذاء من 45 ألف لبناني إلى 40 آلف” 27 دولار”، وفي شهر أيار مايو 2015 أعلن المفوض العام للأونروا السيد بيير كريبنول عن انتهاء الكثير من الخدمات في الأقطار العربية الخمسة التي تغطيها، بحجة وجود نقص بموزنة الهيئة بقيمة 100 مليون دولار، وبأن هذا التخفيض سوف يشمل وقف بدل الإيواء المقدم للاجئين الفلسطينيين المهجرين من سوريا إلى لبنان وهو بقيمة 100 دولار للعائلة، مع التهديد بوقف بدل الغذاء لاحقا، وأن الأونروا سوف تعيد هيكلة المدارس هناك لتبقي في الصف الواحد على 50 طالبا فقط، وإنهاء خدمات الموظفين الذين تم تعينهم في الصحة والنظافة في إطار برنامج إغاثة اللاجئين القادمين من سوريا إلى لبنان.
في 20 أيار مايو 2015 أعلن المفوض العام للأونروا وقف بدل الإيواء نهائيا، وتفاقمت الأزمة مع إصرار الجهات اللبنانية المختصة على ضرورة تسوية أوضاع اللاجئين المخالفين عن طريق دفع الغرامات التي أتينا على ذكرها، ومنذ ذلك الحين تشهد المخيمات الفلسطينية في لبنان موجة غضب عارمة، وسلسلة يومية من الاعتصامات والاحتجاجات دون جدوى، ويشعر الفلسطينيون هناك بخيبة الأمل لتخلي جميع المؤسسات الدولية عنهم، ولعجز منظمة التحرير الفلسطينية التي تمثلهم عن أي تحرك سياسي في المحافل الدولية لحمل الأونروا على التراجع عن قراراتها الجائرة. وعلى أثر ذلك تعيش المخيمات الفلسطينية المكتظة حالة احتقان وغضب غير معهودة، خاصة أنها تعاني بالأصل من انعدام الخدمات، وزدت موجة الحر الأخير من حالة اليأس والإحباط مع انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، ومع النقص الشديد في المياه الصالحة للشرب. إن هذه الملف اليوم برسم الضمير العالمي، ولا بد من دق ناقوس الخطر قبل وقوع الكارثة إذ أصبح الناس هناك لقمة سائغة في فم اليأس والحرمان، ما يهدد بكارثة اجتماعية من المحتمل أن يتردد صداها في أرجاء العالم.
بقلم مصطفى قاعود
باحث فلسطيني – السويد