الكومبس تزور كامب للاجئين الجدد في ألمانيا: “خليط غير متجانس من بشر يجمعهم الأمل بحياة أفضل “
الكومبس – خاص: المهاجرون في ألمانيا، قصص وحكايات وواقع لا يطاق، رجال ونساء وأطفال، مثقفون وسياسيون وعقلاء، صبية ومراهقون وجهلاء، خليط غير متجانس من البشر، تلاحظه بوضوح في معسكر اللاجئين HATTERSHEIM، الذي هو عبارة عن صالة رياضية في مقاطعة فرانكفورت بألمانيا.
هذا المعسكر هو واحد من معسكرات، أو مخيمات اللاجئين الجدد المنتشرة في ألمانيا، استطعنا الدخول إليه كضيوف مؤخراً، لأن السلطات المعنية في تلك المعسكرات، لا تسمح للصحفيين بالدخول إليه والتصوير فيه، إلا بتصريح من الجهات العليا المختصة بهذا الشأن، كما أخبرنا بعض المهاجرين المطلعين على هذا الأمر، هذا الحال بالنسبة إلى وسائل الإعلام الألمانية، فكيف سيكون الأمر مع وسيلة إعلام أجنبية؟
وبما أننا لا نملك الوقت الكافي للدخول في دوامة الروتين القاتل، ولسنا واثقين من الحصول على ذلك التصريح المزعوم، وليس لدينا خيارات متاحة أخرى، فقد تمكنا رغم ذلك من التحدث مع البعض من المهاجرين الجدد، والتقاط القليل من الصور للمكان ولهم خلسة، خارج أسوار معسكر (هاترس هايم) الحديدية، وليس بعيداً عن عيون الحراس (العسس)، وقد استمعنا إلى قصص وحكايات، (تقشعر من سماعها الأبدان، وتشيب من هولها الولدان)، كما يقال وسنحاول نشرها تباعاً لاحقاً.
“المعسكر جحيم لا يطاق ومستقبل مجهول”
تقع ضاحية (هاترس هايم) إلى الجنوب الغربي من مدينة (فرانكفورت)، وتبعد عن مركز المدينة حوالي (10) كيلومترات، ووسيلة النقل العامة الوحيدة، التي تربطها بالمدينة، هي القطار السريع الذي يمر بها، على بعد ست محطات عن المحطة المركزية في (فرانكفورت)، يوجد في هذه الضاحية، إضافة إلى الصالة الرياضية (المعسكر)، فندق ومطعم ومبنى للبلدية ودوائر رسمية محلية أخرى، وبعض المحال التجارية والمطاعم الصغيرة، وحديقة عامة كبيرة نسبياً، هذ الوصف قد يعطي للقارئ انطباعاً جيداً، عن جمال هذه الضاحية والهدوء الذي تنعم به، وهذا – على ما نعتقد – هو الحال بالفعل بالنسبة إلى سكانها، لكن بالنسبة إلى اللاجئين في المعسكر، البالغ عددهم حوالي (400) لاجئاً، هو جحيم لا يطاق للكثيرين منهم، صعوبة في التعايش وخوف من المجهول وانتظار ممل وقاتل، أعداد من الرجال والنساء والأطفال: (سوريون، عراقيون، أفارقة، إيرانيون، هنود وأفغان). لا يجمعهم جامع سوى هجرة أوطانهم لأسباب مختلفة، والبحث عن أوطان أخرى تأويهم وتمنحهم حياة كريمة.
هموم ومشاكل وأحلام كبيرة، عادات وتقاليد وثقافات مختلفة، لغات ولهجات ولكنات ورطنات، خلافات وصراعات واشتباكات بالإيدي، في كل الأوقات وعلى أتفه الأسباب، خصوصاً عند الإنتظار والوقوف (بالدور)، أثناء توزيع وجبات الطعام، وغالباً ما يحاول العقلاء والخيرون منهم وهم كثر، والحراس وموظفو الصليب الأحمر، المشرفون على هذا المعسكر، فض تلك النزاعات الصبيانية المتكررة، التي تحرج العقلاء دائماً بالإعتذار، فمنهم من يصرح ومنهم من يلمح ومنهم من يكتفي بالنظر إلينا خجلاً، هذه الإشكالات والخلافات والإنفعالات، وما ينتج عنها من متاعب ومعاناة طوال اليوم، أرحم بكثير من معاناة العوائل – على وجه الخصوص – أثناء النوم، قاعاتان إثنتان كبيرتان مخصصتان للألعاب الرياضية داخل الصالات، هي غرف النوم لجميع اللاجئين في المعسكر، القاعة الأولى المخصصة لمجموعة من العوائل، ينام فيها أكثر من (85) شخصاً، أما القاعة الثانية وهي الأكبر، ينام فيها أكثر من (300) شخصاً، عدد من العوائل وأفراد من النساء والرجال، رصفت لهم الأسرة في هاتين القاعتين رصفاً، تبدأ من أول عائلة حيث ينام الأب في السرير الأول فالصبية والبنات والأم، ثم العائلة الثانية تبدأ من الأم والبنات والصبية فالأب، ثم العائلة الثالثة والرابعة وهكذا، حتى يأتي دور الأفراد من النساء والرجال، فيتوزعون على طرفي القاعة، النساء على جهة والرجال على جهة أخرى، ناهيك عن معاناة الذهاب إلى الحمامات، وخصوصاً النساء وفق هذا الوضع المزري.
“البعض يفكر بالعودة الى بلده”
هذا الوصف الدقيق لقاعات النوم أي (غرف النوم)، نقله لنا بعض النزلاء الذين تعرفنا عليهم في المعسكر، لأنه من غير المسموح للضيوف الدخول إلى قاعات النوم، وكذلك من غير اللائق الطلب من الأصدقاء الدخول إلى أماكن نومهم، فأكتفينا بما قدموه لنا من وصف مؤلم، وما تحدثوا به عن معاناة وأوضاع مزرية، وبما أن جميع اللاجئين هم من بلدان آسيوية وأفريقية، أي من مجتمعات محافظة تقريباً، فإن معاناة العوائل والنساء – على وجه التحديد – تكاد لا توصف، إضافة إلى ما يتعرض له الأطفال من مشاكل صحية متعددة، نتيجة لإستنشاقهم الهواء غير الصحي، في داخل تلك القاعات أثناء النوم، ناهيك عن بعض التصرفات غير اللائقة من بعض الصبية والمراهقين، الأمر الذي دفع بالبعض إلى الإفصاح عن رغبتهم بالعودة إلى أوطانهم، رغم كل المصاعب التي تحملوها، وكل التضحيات التي قدموها، ولم يتوانوا بإلقاء اللوم على المتسببين في مأساتهم، وتحميل كامل المسؤولية السياسية والإنسانية والأخلاقية، على كل الحكام والمسؤولين والسياسيين في بلدانهم، عما جرى ويجري لهم ولأسرهم، ويلعنون الزمن الجائر الذي أوصلهم إلى هذا الحال، والحظ العاثر الذي أوقعهم بين هؤلاء الصبية الجهلاء.
هذه المعاناة الحقيقية التي يعيشها اللاجئون كل يوم في هذا المعسكر، لا تلغي الخدمات الأخرى التي يقدمها المسؤولون عن هذا المكان، مثل: انتظام أوقات وجبات الطعام والشراب، تقديم الرعاية الصحية للجميع، توفير الإحتياجات الضرورية للنساء والأطفال، الحماية والحراسة المشددة لحفظ الأمن، وخدمات الترجمة الممكنة في بعض الحالات، هذا ما تحدث عنه بإمتنان أحد النزلاء في هذا المعسكر، لكنه أردف قائلاً: “هل هذا ما جئنا من أجله؟ هربنا من الظلم والجور والقتل، تركنا وراءنا أوطاناً يتلفحها السواد، قطعنا آلاف الكيلومترات براً وبحراً، تحملنا المتاعب والمصاعب في رحلة العذاب والموت، وفقدنا بعض أكبادنا في الجبال وفي البحار، من أجل وعود بدأت تتلاشى مع الوقت، وصبر لم يعد جميلاً وقد قارب على النفاذ، فليحسموا أمرهم إن كانوا صادقين، هل ما زالوا عند وعودهم أم لا؟، فإذا كانت الإجابة بـ (نعم) فلينتشلونا من هذا الواقع المر، وإذا كانت الإجابة بـ (لا) فليتركوننا وشأننا كي نتدبر أمرنا”، لم يترك لنا هذا الرجل ما نقوله، ولم يعد بعد هذا الكلام كلام، والذي يدور في رؤس العقلاء، قد أصاب كبد الحقيقة، لقد هجر هؤلاء اللاجئون أوطانهم وأصبحوا غرباء، فهل بمقدور من وعدهم بحياة أفضل، أو من تسبب في غربتهم ومعاناتهم، أن يمنحهم وطناً؟
محمد المنصور
الصورة من الإرشيف: إدارة الكامب منعت التصوير