محمد التكريتي، ممرض سويدي من أصل عراقي، يعمل في قسم الطوارئ بمستشفى لوند، يساهم بدوره ضمن كادر الرعاية الصحية المختص هناك في مواجهة جائحة كورونا.
التكريتي تحدث لـ “الكومبس” في اللقاء التالي عن تفاصيل المعركة اليومية الدائرة مع المرض داخل أروقة مراكز الرعاية الصحية السويدية وأراءه حول إجراءات الوقاية المتبعة في ظل الأزمة:
ما أهم المشاكل التي تواجه عملكم كطواقم طبية؟
من أصعب المشاكل التي تواجهنا يومياً داخل المستشفى، اضطرارنا إلى التعامل مع مرضى مصابين بالفايروس دون علمهم، لأنهم غالباً ما يكونون قد جلسوا قبلها في حجرة الانتظار وقتاً طويلاً وتسببوا بنقل العدوى لأشخاص أخرين، محولين المستشفى ذاته إلى بؤرة مرض بدلاً من مكان للتعافي. نحن نعي خطورة هذا الأمر جيداً ونتعامل معه في منتهى الحذر، لأن ارتكاب غلطة واحدة يمكن أن يودي بحياة كادر طبي بأسره.
هل لديكم من المعدات ما يكفي لمواجهة مرض كوفيد 19؟
لدينا حالياً ما يكفي من المعدات، لكنها لا تتوافر بصورة دائمة مع الأسف، الأمر الذي يدفعنا إلى استخدامها أكثر من مرة لادخار الباقي إلى حين التعامل مع الحالات الطبية الأشد حرجاً. على سبيل المثال، كنا فيما سبق نستبدل الكمامة الموجودة على وجوهنا بأخرى جديدة فور الفروغ من متابعة أي مريض، أما اليوم، فإننا نضطر إلى تطهيرها بالمعقمات وتجفيفها، ثم إعادة استعمالها مرة ثانية، جراء عدم امتلاكنا ما يكفي من الكمامات. لكن الوضع بشكل عام، لا يزال تحت السيطرة من حيث وفرة الموارد.
هل ترى أن الخطة التي تتبعها هيئة الصحة العامة لمواجهة الوباء تحقق نتائجها المرجوة على أرض الواقع؟
لا، فمن المفترض وضع حد لأعداد التجمعات البشرية في الأماكن العامة كالمنتزهات والمطاعم وغيرها، لأن الناس، على ما يبدو، لا يملكون فكرة واضحة عن مدى خطورة هذا المرض.
إن الفايروس سريع الانتشار وقادر على التواجد فوق الأسطح وفي الهواء مدة زمنية طويلة. لا أقصد بكلامي هنا الدعوة إلى غلق المحال التجارية والمطاعم، لكن ينبغي على الدولة التصرف بشكل أكثر صرامة إزاء الأشخاص المستهترين بخطورة المرض، إلى أن تعود الأوضاع للاستقرار. أما إذا استمر الحال على ما هو عليه، أخشى أن يتفاقم لدينا الوباء كما جرى في إيطاليا أو أمريكا لا قدر الله.
كيف ترى التزام المواطنين بتنفيذ تعليمات هيئة الصحة العامة؟
كما أشرت سابقاً، إن البعض من المواطنين غير مكترثين بحجم الكارثة الفعلية الدائرة من حولهم. يجب عليهم معرفة أن المرض يؤثر على البشر من مختلف الأعمار بما فيهم الأصحاء الذين لم يسبق إصابتهم بأية أمراض مزمنة.
ما حجم فعالية أفراد الطواقم الطبية من ذوي الأصول المهاجرة في مواجهة الجائحة؟
إنهم كفؤين جداً بكل تأكيد ويؤدون دوراً مهما حيوياً في خدمة المجتمع، ذلك أن أكثر العاملين في مجالات الرعاية الصحية المختلفة بالسويد اليوم من ذوي الأصول مهاجرة.
هل تعتقد أن السويد أحسنت التخطيط لمواجهة المرض؟
أعتقد أن خطة السويد في مواجهة المرض ناجحة. فهي تقوم على اكتساب المناعة مع تلافي إصابة عدد كبير من الناس بالمرض في نفس الوقت. لكني لا زلت أؤكد، أن على المطاعم والحانات والمؤسسات الترفيهية اتباع القواعد وإجراءات السلامة المحددة بشكل أفضل. إننا نبذل قصارى جهدنا لمنع انتشار الفايروس. لكننا بحاجة ماسة إلى تعاون كل المواطنين معنا ليتسنى النجاح في تحقيق ذلك، من خلال بقائهم بمنازلهم وعدم مغادرتها إلا للضرورة وتقليل التجمعات البشرية قدر الإمكان.
نعم، كانت السويد ذكية عندما لم تفرض حضر التجوال على غرار غيرها من الدول، لأن المسؤولين أرادوا أن يكتسب الناس مناعة قوية، حتى لا يؤثر المرض عليهم بشدة إذا ما عاد وأنتشر مرة أخرى في المستقبل.
كيف تقارن التجربة السويدية مع غيرها من تجارب الدول الأخرى؟
لقد أحسنت السويد صنعاً في عدم قيامها بحضر التجول أو إغلاق المدارس والمحلات التجارية، حيث كانت ستخسر جراء ذلك كثيراً من الناحية الاقتصادية وتضيع وقتها فيما لا طائل يرجى من ورائه. لأن الوباء طويل الأمد ولا يستطيع أحد تخمين وقت انتهاءه، ما يعني أن حالة الحظر قد تستمر لشهور طويلة وتؤدي إلى توقف الحياة وانهيار الدولة تماماً.
يتهم البعض أفراد الطواقم الطبية بالتقصير في رعاية المسنين والمرضي ذوي الأصول المهاجرة.. ما ردك؟
هذا الكلام غير صحيح بالمرة ولا يمت إلى الواقع بأية صلة. ليس لدينا أي شكل من أشكال التقصير، بل العكس، فإن الجميع باتوا يعملون بجهد مضاعف عما سبق وتولوا فوق مهامهم مهاماً جديدة، على الرغم من كل مشاعر الضغط النفسي والخوف والقلق التي تعصف بهم. إلى جانب أن أغلب أفراد طواقم الرعاية الصحية ينتمون لفئة ذوي الأصول المهاجرة كما أسلفت، لذا فإنه من غير المعقول، اتهامهم بممارسة التمييز ضد مواطنيهم. الانتقاد أمر طبيعي موجود في أي عمل ومن حق كل شخص التعبير عن وجهة نظرة وفق ما يرى، لكن الحقائق تؤكد أن 90٪ من المواطنين راضين عن أدائنا ويساندوننا.
كلمة أخيرة إلى قراء “الكومبس”.
أنصح إخواني من المهاجرين، تجنب عزائم الإفطار خلال شهر رمضان المبارك، تلافياً للتجمعات البشرية التي تعد بيئة مناسبة لانتشار المرض. أما العائلات الكبيرة التي اضطرتها الظروف إلى الإقامة معاً داخل بيوت صغيرة نسبياً، فأنصحهم دائماً اتباع إجراءات الوقاية بحذافيرها قدر المستطاع حرصاً على سلامة أحبائهم من المرضى وكبار السن. إنني أدعوكم للعمل سوياً على استغلال ظروف الوباء لنغدو مثالاً يحتذى لغيرنا في النظافة والوعي ونشر المسؤولية المجتمعية.
حاوره: عمر سويدان