الكومبس – صحافة سويدية: برنامج التحقيقات الشهير uppdrag granskning في التلفزيون السويدي SVT، يكشف في الحلقة التي بثت الأربعاء الماضي، عن ضعف وتخاذل سياسيين وصحف كبيرة، بقضية اتهام بـ “معاداة السامية” ألصقت بأحد كبار الأطباء ويدعى “إنتي بيريدو” يعمل في مشفى كارولينسكا المعروف عالمياً.
على مدار عام كامل تناولت كبريات الصحف السويدية والعالمية اسم وصورة الطبيب وكأنه اقترف فعلا جريمته ولم يبق سوى المتابعة وإغناء الموضوع بالتحليلات والنقاشات، دون أن تكلف نفسها، هذه الصحف، عناء القيام بوجباتها الصحفية التي تحتم على وسائل الاعلام التحقق من صحة الادعاءات والتأكد من المصادر.
لا أحد من صحفي هذه المؤسسات الإعلامية العريقة مثل أفتونبلادت أو داغنز نيهتر أو سفنسكا داغبلادت، فكر بمقابلة الجاني المفترض، لمنحه فرصة الدفاع عن نفسه، وإبراز الرأي الآخر. الأدهى من ذلك لم يقرأ أحد نتائج تحقيق أجرته المشفى وكلفها أكثر من مليون و 300 الف كرون، لأن التقرير وبعد بحثه وتحليله برأ المتهم وأبعد عنه الشبهات.
بعد هذا التحقيق كانت المفاجئة التي لا تتوافق مع الأمل الذي انتاب شعور الطبيب بقرب إنصافه وإرجاعه لعمله. فقد أصرت إدارة المشفى على الاستمرار بمعاقبته … والسبب هو الضغط ولهجة التهديد التي مورست من قبل منظمة أمريكية على إدارة المشفى وعلى سياسيين معنيين بالقضية.
الحادثة والتي تشبه الإشاعة غير الصحيحة لم تسيئ فقط إلى “إنتي بيريدو” الطبيب المسؤول السابق في قسم الأعصاب في كارولينسكا ، بل أساءت إلى سمعة المشفى السويدي الشهير نفسه، بعد أن تناقلت وسائل الإعلام العالمية، خبر وضع المشفى من قبل منظمة حقوقية أمريكية ضمن قائمة أسوء عشرة أماكن لحوادث معادية للسامية وقعت العام الماضي.
كما أساءت هذه الشائعة أيضا إلى اليهود أنفسهم، حسب الصحفي السويدي من أصول يهودية يوراغن روسينبوري، الذي اعتبر أن الاستخدام الجائر لمصطلح “معاداة السامية” واستخدامه في خدمة السياسة الإسرائيلية يفرغ هذا التعبير من محتواها، ويقلل من الخطر الحقيقي لنزعات خطيرة جدا موجودة فعلا في أوروبا والعالم، لا تزال تنادي بمعاداة اليهود وحتى ابادتهم.
ولكن كيف عالج البرنامج هذه المزاعم الموجهة للطبيب؟
قابل البرنامج أطباء من أصول يهودية ممن وقفوا خلف توجيه التهمة لكبير الأطباء “إنتي بيريدو” بعد أن نشر الطبيب صور كاريكاتورية عن الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة العام 2014.
الأطباء أصحاب الدعوة اعتبروا أن هذه الصور بمثابة فعل عدائي يطالهم، وينشر العداء ضدهم، كما أنها صور تسيء لقيم المشفى على أساس أن صاحبها وهو في موقع مسؤول، غير مؤهل لمعاملة الناس بشكل متساو.
البرنامج استقصى أراء 15 من الموظفين المقربين للطبيب “إنتي بيريدو” ، وجميعهم نفوا ان يكون هذا الطبيب يحمل أفكارا عنصرية أو أنه معادي للسامية. بل على العكس كان هو من الأطباء الوحيدين الذين يجرؤون على مواجهة النزعات العنصرية في مكان العمل.
بعدها قابل البرنامج الطبيب نفسه “إنتي بيريدو” الذي عبر عن دهشته واستيائه، من هذه التهم، التي وصفها بالتهم السخيفة ومؤكدا أنه كان صديقا للطبيب الذي رفع الدعوة ضده، وهما يعملان معا منذ 15 عاما، وهو بطبيعة الحال كان يعرف بانه من أصول يهودية.
“إنتي بيريدو” يعتقد أن العلاقة مع هذا الطبيب الصديق قد تغيرت نحو الأسوأ، عندما حصل “إنتي بيريدو” على ترقية وأصبح في منصب رئيس الأطباء.
الطبيب “إنتي بيريدو” يقول صراحة، أنه شعر بالغضب بعد ان شاهد مناظر أشلاء أطفال مدرسة في غزة على التلفزيون، عندما تعرضت لغارة إسرائيلية، وهذا ما جعله ينشر رسوم كاريكاتورية مناهضة لإسرائيل، كنوع من الاحتجاج.
الصحفي السويدي يوران روسنبوري التي نجت عائلته من المحرقة بعد اعتقالها بأحد معسكرات النازية، أفاد بشاهدته حول الصور، جازما على أنها لا تشير إطلاقا لمعاداة اليهود، مؤكدا بكل وضوح على أن هذه الصور تنتقد إسرائيل والأمم المتحدة وجهات أخرى لصمتهم على قصف غزة.
الصحفي روسنبوري أبدى استغرابه وسخطه على ما كتبته الصحافة السويدية والأجنبية من ادعاءات دون دليل يذكر قائلا: “هذا أمر غير معقول، لا يوجد أي منطق بين روايات الصحف وبين الواقع”. معتبرا أن استخدام إسرائيل لفزاعة “معادات السامية” للتغطية على ممارساتها، يقلل من قيمة الخطر الحقيقي لهذه الظاهرة التي للأسف لا تزال موجودة.
البرنامج كشف أيضا عن تورط سياسيين في ابتلاع طعم الاتهام والتعامل مع التهمة كحقيقة واقعة دون أي دليل. مجريا مقابلة صادمة مع إيرين سفونيو العضوة في مجلس محافظة ستوكهولم عن حزب المحافظين، وهي تراسل منظمة أمريكية تعتذر فيها من وجود طبيب يمارس معاداة السامية بمشفى كارولينسكا. هذه السياسية اعترفت أمام الكاميرا أن الرسائل التي وجهت لها تحمل لهجة التهديد.
عدة صحف سويدية كبيرة عندما واجهها البرنامج بأنها نقلت معلومات وأخبار ملفقة، عن الطبيب، تلعثم ممثلوها أمام الكاميرا وقامت هذه الصحف بحذف وإعادة صياغة مقالاتها السابقة ذات الصلة.
البرنامج واجه السياسية من حزب المحافظين “الموديرات” وإدارة المشفى وحتى رئيس المركز رابين ابراهم نفسه، بأنهم لم يؤخذوا بكل الحقائق التي وضعت أمامهم.
البرنامج تضمن مشادة كلامية بين صحفية من التلفزيون السويدي ورئيسة الموارد البشرية في المشفى، والتي أصيبت بالذهول من جرأة ووضوح الصحفية، التي حاصرتها بالأسئلة والاستفسارات.
لا أحد استطاع أن يثبت بأن “أنتي بيريدو” الطبيب السويدي من أصول كوبية، لديه أي نزعات معادية للسامية، إلا أن هذا الطبيب الذي يملك خبرات تمتد لـ 35 عاما في مجال الأعصاب وجراحتها مبعد حاليا عن ممارسة اختصاصه، وإصرار إدارة المشفى على إدانته، أضر أكثر بسمعتها، فيما يتخوف العديد من يهود السويد وأوروبا، من أن يضر هذا الظلم الذي وقع على الطبيب بجوهر وأهمية مكافحة “أعداء السامية” ويضر أيضا بمكافحة كل أنواع الكراهية والتطرف خاصة في السويد وأوروبا.
الصحفي السويدي يوران روسنبوري وهو من أصول يهودية كتب على صفحته الخاصة في الفيسبوك: إنه أمر مرعب وصادم، إنها فضيحة تطال خاصة رئيس مشفى كارولينسكا (بيورن زويغا)، وهي فضيحة تطال الصحافة وسياسيين رضخوا لابتزاز خارجي هذه فضيحة حقيقة يجب مراجعتها ويجب ان يكون لها عواقب.
قسم التحقيقات