الكومبس – خاص: لم يكن مهند عامر يتوقع أن حبه لتعلم اللغة السويدية وسعيه لإقامة علاقات اجتماعية مع السويديين والتواصل معهم بهدف تعلم اللغة، سيفتح المجال أمامه لدخول سوق العمل والحصول على وظيفة في مجال تخصصه في هندسة الاتصالات، رغم عدم مضي فترة طويلة على وجوده في البلد.
استطاع باجتهاده الشخصي الحصول على عمل واجتياز العديد من مراحل اللغة والاندماج في المجتمع السويدي منذ وصوله إلى السويد في شهر تموز/ يوليو عام 2014، وحصوله على تصريح الإقامة في شهر كانون الثاني/ يناير عام 2015، وبمبادرة شخصية بدأ بتعلم اللغة السويدية وهو لا يزال في مسكن اللاجئين “الكامب”، حيث اعتمد على نفسه واستعار كتب تعليم اللغة من المكتبة وشارك في النشاطات التعليمية التي كانت تتم عن طريق الصليب الأحمر والكنيسة السويدية.
مهند عامر سوري الأصل درس هندسة الاتصالات في ليبيا ثم عمل هناك في شركة أجنبية متخصصة بمجال تكنولوجيا المعلومات IT ، وبالتزامن مع العمل بدأ بدراسة الماجستير.
“المتابعة اليومية شرط لتعلم اللغة”
يقول عامر إن أكثر شيء ساعده في تعلم اللغة السويدية هو الحرص والاهتمام والاعتماد على الذات أكثر من المدرسة، مشيراً إلى أن أهم شرط للتعلم هو المتابعة اليومية.
ويضيف أن “المسؤولين في منظمة الصليب الأحمر لاحظوا رغبتي بالتعلم، فطلبوا مني حضور الاجتماع السنوي للمنظمة والتعريف عن نفسي والتحدث باللغة السويدية عن تجربة قدومي للسويد عن طريق البحر الأبيض المتوسط من ليبيا”.
“صداقتي مع إحدى العائلات السويدية فتحت لي باب الحصول على عمل”
وحول كيفية حصوله على العمل يشرح عامر أنه تعرف على عائلة سويدية عن طريق الصليب الأحمر، وسكن عندهم لفترة من الوقت، وبالصدفة التقيت بأحد أقاربهم وهو صاحب شركة تعمل في مجال خدمات الاتصال الخاصة بسفن الملاحة وبواخر نقل النفط في يوتوبوري، ومن خلال تبادل الحديث مع بعضنا طلب مني مالك الشركة إرسال سيرتي الذاتية إليه للتعرف أكثر على شهادتي وخبرتي العملية، وبالفعل اطلع صاحب العمل على المعلومات ووافق بعدها على توظيفي مباشرة وبدون تلقي أي تدريب، وبالتالي تمكنت من الحصول على فرصة عمل ضمن مجال تخصصي في هندسة الاتصالات.
ما هو سبب اهتمامك الكبير لتعلم اللغة السويدية؟
في الحقيقة كتبت موضوع وهو عبارة عن مقال صغير بعنوان “Varför svenska” أوضحت فيه دوافعي لتعلم اللغة، بالإضافة إلى دافع العمل والذي يعتبر أساسياً للعديد من الناس، هناك دافع آخر وهو أهمية اللغة السويدية في الويكيبيديا أي عدد المقالات والأبحاث العلمية الموجودة بالسويدية، فعلى سبيل المثال هناك حوالي 1 مليار نسمة يتحدثون اللغة الصينية، مقابل 10 مليون شخص يتحدث السويدية، أي أن متحدثي اللغة الصينية أكثر من السويدية بحوالي 100 ضعف.
ومن خلال إحصائية صغيرة تبين أن عدد المقالات والأبحاث المنشورة باللغة السويدية في موسوعة ويكيبيديا الحرة تعادل نسبة المقالات باللغة الصينية، وهذا يعني أن تعلم السويدية يساعد المرء على التعرف على معلومات أكثر وكسب ثقافة أوسع غير موجودة في لغات مكتوبة بلغات أخرى.
وعلى مستوى أوروبا فإن المقالات المنشورة بالسويدية في موسوعة الويكيبيديا ترتيبها الثاني بعد الإنكليزية أي أن السويد تتفوق على ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها على الرغم من قلة عدد سكان السويد مقارنةً مع هذه الدول، وبمعنى آخر تؤكد هذه الأرقام أهمية اللغة السويدية وضرورتها ومكانتها العلمية وتميزها بضمان المستوى المعرفي للذين يرغبون بتعلم السويدية، وخاصةً الأشخاص الذين يسعون لمتابعة دراساتهم العليا مثل الماجستير والدكتوراه.
أما الدافع الثالث لاتقان اللغة فهو الاندماج بالمجتمع وتكوين العلاقات العامة، وخلق شبكة من الأصدقاء والمعارف السويديين، مما يساعد في فهم طريقة تفكير المجتمع والتعرف على عاداته وتقاليده وإزالة العوائق والقيود التي تحول دون التواصل مع السويديين.
ومن وجهة نظري فإن أهم شرط لنجاح اندماج القادمين الجدد والأجانب في المجتمع هو تعلم اللغة السويدية ومحاولة التحدث بها، وهناك مقولة لنيلسون مانديلا تؤكد هذا الرأي، حيث يقول” إذا تكلمت مع شخص لغة يفهمها فإنك تستطيع أن تصل إلى عقله، أما إذا تكلمت معه بلغته الأصلية فإنك ستصل إلى قلبه”.
“اللغة ليست عائقا”
لا يعتقد عامر بوجود عوائق تحول دون تعلم اللغة، مشيراً إلى تجارب بعض الأشخاص الذين تعرف عليهم خلال فترة تواجده في الكامب، حيث استطاعوا التعلم ونجحوا في الوصول إلى مستويات جيدة، بالرغم من أنهم لا يملكون شهادات جامعية، وحتى أن بعضهم لم يحصل على شهادة الصف التاسع في بلده الأصلي، إلا أنهم يملكون إرادة قوية لتطوير مستوى لغتهم.
وبالرغم من حصوله على وظيفة، إلا أن عامر يؤكد أن دراسة اللغة السويدية وتحقيق حلمه في دراسة الماجستير ضمن اختصاصه هي من أهم الأولويات بالنسبة له.
ما هو أهم ما يميز العمل في السويد؟
بالتأكيد هناك عدة مميزات للعمل في السويد، منها تنظيم العمل وطريقة الإدارة، والخبرة العملية الجيدة التي يكتسبها المرء نتيجة آفاق ومجالات العمل الواسعة، وخاصةً في مجال هندسة الاتصالات، لأن السويد من الدول المتقدمة جداً في علم الاتصالات الذي يعتمد أساساً على كل ما هو حديث، بالإضافة إلى ميزة الالتزام بالوقت سواء كان ذلك في العمل أو في باقي مجالات الحياة.
ويعتقد عامر اعتماداً على تجربته أن التمتع بالخبرة مهم جداً للعمل في السويد، لكن في الوقت ذاته يؤكد أنه شعر باستعداد جميع العاملين في الشركة لمساعدته وتقديم النصائح إليه حول طريقة العمل.
“الصعوبات يمكن تجاوزها عندما يحاول القادم الجديدة فهم المجتمع السويدي”
وكحال الكثير من الوافدين الجدد، فقد واجه عامر صعوبات معينة في بداية قدومه للسويد، إلا أنه أكد أن هذه الصعوبات يمكن تجاوزها عندما يحاول القادم الجديد الانفتاح على المجتمع السويدي وفهمه بشكل أكبر، لاسيما وأن السويديين لديهم طابع خاص بهم يميزهم حتى عن باقي المجتمعات الأوروبية.
يصر عامر على التأكيد على أهمية الاستفادة من فترة الانتظار التي يقضيها طالب اللجوء في الكامب ريثما يحصل على تصريح الإقامة، على اعتبار أن هذه المرحلة هي فترة فارقة يمكن استغلالها جيداً في تعلم اللغة السويدية.
نهيل كورية