رمضان بعيون سويدية
ستوكهولم: بات شهر رمضان المبارك معروفاً لدى العديد من السويديين، لاسيما في السنوات الأخيرة، التي شهدت قدوم الكثير من الوافدين الجدد، هم في معظمهم أتوا من دول عربية واسلامية مختلفة، ولم تمنعهم ظروف اللجوء الصعبة ومعاناة البعد عن الأهل والوطن من التزام الكثيرين منهم بطقوس هذا الشهر الفضيل، ناهيك عن وجود أجيال عدة من العرب والمسلمين الذين اتخذوا منذ عقود طويلة السويد بلدا لهم.
خلال لقاءنا مع بعض السويديين في العاصمة ستوكهولم وجدنا لدى البعض منهم انطباعات مختلفة عن الشهر الفضيل، وإن كان آخرون على غير دراية بما يعني شهر رمضان.
يوليا فالستروم: أنا متفاجئة من قدرة الناس عن الامتناع عن تناول الطعام كل هذا الوقت
تقول يوليا فالستروم، التي تعمل في إحدى مقاهي العاصمة، إنها تعرفت على العديد من المسلمين التي اعتادت أن تراهم في المقهى، حتى أنها كونت مع البعض صداقات جيدة، وتعتبر أنها حسب ما كونته من أفكار عن رمضان، أنه شهر للصيام عن الأكل والشرب لساعات طويلة، وأنه شهر تكون فيه أفراد العائلة أكتر قربا من بعضهم البعض.
وتضيف مستغربة، أنها تتفاجئ من قدرة بعض الناس عن الامتناع عن تناول الطعام حتى غروب الشمس، سيما أن هذا العام والعام الذي سبقه يأتي موعد الغروب في ستوكهولم متأخرا.
وتقول، احترم هذا الموضوع ولكن ” لا أعرف المغزى من انني امتنع عن الطعام لكل هذه الساعات” وتقول وهي تضحك ” إن لم اتناول فطوري كل يوم لا أستطيع متابعة بقية يومي”.
العمل والصوم لساعات طويلة
لم يأخذ شارلي وقتا طويلاً في التفكير عندما سألته عن معنى شهر رمضان بالنسبة له، بحكم عمله كموظف في مكتب العمل، حيث يقول لنا، إنه يلتقي الكثيرين من العرب من سوريا والعراق والصومال، الذين يقدمون للبحث عن وظائف، اذ أنه بات على دراية أكثر به.
في إحدى المرات طلب منه أحد العراقيين الذي كان مسؤول عن ملفه في مكتب العمل، بتأخير موعد بدء عمله الجديد العام الماضي إلى ما بعد شهر رمضان، لأنه سيكون من الصعب عليه ممارسة عمله، باعتبار أن العمل يتطلب بعض الجهد البدني، وعند سؤاله له عن السبب فعلم منه أنه عليه الصيام لساعات طويلة، وهذه أول سنة يأتي رمضان وهو على رأس عمله، حيث أنه من القادمين الجدد.
ويقول تفهمت موقفه هذا لاحقا ، بعد أن أخبره زميل له ايراني الأصل عن شهر رمضان وما يعنيه بالنسبة للكثير من المسلمين.
شهر التحدي
خلال زيارتي لأحد المقاهي وسط العاصمة ستوكهولم بحثاً عن سويديين يتحدثون لي عن ما يعرفونه عن الشهر الكريم وإنجاز هذا التحقيق، صادفت شابين اثنين يدخنان النرجيلة، وعندما سألتهما عن رمضان أجابني أحدهما أنه لم يسمع أبداً بذلك، في حين كان الشخص الآخر ويدعى ماتس يوهانس، الذي يدرس في معهد كارولينسكيا على بعض المعرفة عن معاني هذا الشهر.
ويقول إنه شهر للتحدي حسب وصفه مضيفاً ” من المثير أن تتحدى ظروف الطقس والعمل وتتوقف عن الأكل والشرب لثلاثين يوما فإن ذلك يتطلب الكثير من الجهد”.
ويتابع إن زميلا له من البوسنة لم يستطع الالتزام بذلك العام الماضي لأن ظروف الدراسة حالت دون قدرته على فعل ذلك، وإنه علم منه أن ذلك مخالف للدين وأنه لابد من الالتزام بهذا الشهر.
وحين سؤالي له عما يعرفه عن رمضان غير الامتناع عن تناول الطعام والشراب حتى موعد الغروب، أجاب بالنفي، وعندها هنا حاولت تقديم بعض المعلومات له عن الشهر الفضيل وما يعنيه بالنسبة للمسلمين، خاصة من ناحية الشعور بحاجات الآخرين لاسيما الفقراء والمحتاجين، الذين لا تسعفهم ظروف الحياة لتناول ما يشتهون من طعام، وأنه ليس فقط شهر للامتناع عن الأكل بل أيضا عن ارتكاب الأخطاء والذنوب.
من ناحيتها تؤكد لنا ساره، التي تعمل في مطعم داخل شيستا غالريا في منطقة شيستا، أنها لا تلحظ هذا الفرق في حجم الإقبال على مطعمها خلال فترة شهر رمضان وغيره من أوقات السنة، سيما أنه يتواجد في تلك المنطقة العديد من أصول عربية واسلامية، وإن رأت أن بعض الوجوه تلحظ غيابها خلال هذا الشهر، كانت اعتادت على رؤيتها في أوقات استراحة الغذاء، لكنها باتت على علم بالشهر من خلال بعض الطلبة، الذين يدرسون في مركز لتعلم اللغة السويدية داخل الغالريا بأنه شهر مهم بالنسبة للمسلمين، وأنه لابد من التقيد بتعاليمه.
وتضيف في هذا الإطار، أنها تحترم هذه الطقوس وتشعر أنه من الضروري بالنسبة لها أن تجرب أن تقضي نهاراً كاملاً بلا تناول الطعام.
رمضان والعائلة
وخلال بحثي عن أشخاص يتحدثون لي عن هذا الموضوع للصحيفة سألت سيدة مسنة تجلس إلى جانبي في عربة المترو، عما إذا كان لديها أي خلفية مسبقة عن شهر رمضان؟
ولما أجابتني بلا، حاولت أن أشرح لها بعض من معاني هذا الشهر الفضيل، خاصة من ناحية اجتماع أفراد العائلة والأقارب على مائدة واحدة بعد ساعات طويلة من الصيام، ولعل أبرز ما جاء في ردة فعلها على ذلك هو قولها، إن الملفت للنظر هو أنه شهر للعائلة فمن الجميل أن نرى أفراد الأسرة مجتمعين مع بعضهم كل يوم على مدى شهر، وهنا التفت إلي وهي تقول “هذا نادر الحدوث بين أفراد العائلة السويدية”.
من خلال لقائي الذي قصدت به بعض السويديين، لاحظت أن الذين يعرفون شهر رمضان يعرفون عنه أنه شهر للصيام عن الأكل والشرب فقط، وليس الغايات والمعاني الحقيقية له، ولكن في مجتمع يوصف بأنه غير متدين وجدت أنهم يقدرون، أن يكون هناك شهر تتلاقى فيه أفراد الأسرة باعتبار أن ذلك أمر في غاية الأهمية.
هاني نصر