سلوى.. تسعى للإقامة في السويد وتقاوم إقامة السرطان في جسدها

: 3/4/17, 6:05 PM
Updated: 3/4/17, 6:05 PM
سلوى مع زوجها وطفلهما
سلوى مع زوجها وطفلهما

الكومبس – تحقيقات: بعد تسع سنوات على حلمها البهي الاول في تغيير مسار حياتها، بالحصول على الاقامة في السويد، تحقق الأمر للبنانية سلوى عبد اللطيف النمر، ولكن بمفارقة مأساوية، إذ خانها الجسد وسمح للسرطان بالإقامة المزمنة بجسدها.

امتلكت سلوى حق الحلم مثل أي إنسان طبيعي وعززته بشجاعة التجريب وهو ما قادها إلى السويد بحثا عن حياة لائقة.

لم تتصور يوما أن كلمات مثل “الإقامة” أو “الجنسية” ستلامس حدود المستحيل، بل لم يخطر على بالها ان المستحيل مفهوم قابل للتجسد أمامها في كل لحظة وكأنه كائن من لحم ودم يقاسمها هواء الغرفة والأنفاس وكريات الدم.

تخطت سلوى اليوم حدود الندم وهي تروي فصولا من مأساتها، كفت الآن عن مراجعة خطوتها وقرارها، فالعمر على حد وصفها الحزين لم يبق منه الكثير لهدر الثواني في محاكمة الذات أو مناقشة ما حدث عبر كل تلك السنين.

يعذبها اليوم- من جملة أشياء كثيرة- عدم الفهم الجارح: لماذا لم تستقبلن هذه الأرض كما أحب؟ لماذا لم يصدقني أحد بان مكاني الأول لا يُطاق؟ هل وجود قتل ودمار وتنكيل في مكان ما شرط وحيد لازم لمشروعية الرحيل! أليس تغيير المكان والهوية والإقامة والحياة الجديدة حق أساسي لكل البشر؟

جاءت ابنة لبنان الى السويد للتخفيف من أعباء كثيرة لازمتها سنوات طويلة، لكنها اليوم تحمل وحدها كل الأعباء: آلام المرض والموت الداهم، الأم البعيدة في الوطن، الأحبة يرحلون من دون وداع، والاهم من كل ذلك طفل وحيد ينتمي بكل ما للكلمة من معنى إلى اللامكان.

تبدلت أولويات أحلامها، لا تريد اقامة او جنسية للتمتع بسنوات إضافية، تبدل كل شيء وهي تواجه مرضا لا يرحم ولا ينتظر، ويبدو أن تقبلها لانهيار الجسد لا ينسحب على مصير ومستقبل ابنها الوحيد.

هل سيتحقق حلمها بمنح طفلها حق الانتماء؟

ما زالت حتى هذه اللحظة تصرخ، تأمل، تستغيث لتحظى بإقامة تمكنها من السفر لوداع الام الحزينة في لبنان، ومنح طفلها حق الانتماء إلى مكان حقيقي اسمه السويد، مكان اتقن لغته وبدا فيه خطواته الأولى في الحياة.

لا تمانع سلوى من حيث المبدأ في العودة إلى لبنان رغم الخطر الذي يتهددها هناك، ولكن شروط العودة كلها مفقودة، وأهمها اليوم انتشار مرض السرطان في جسدها وعدم قدرتها المادية على تحمل تكاليف العلاج الباهظة في لبنان، وغياب المؤسسة التي تعتني بها كما يجري معها في السويد.

قصتها مع السرطان تشبه كثيرا وقائع رحلتها الماراثونية الى السويد. بدا الأمر في اشتباه بوجود السرطان ثم أكده التشخيص، انتشر في الصدر سريعا وتم استئصال أحد الثديين، ظنت أن الأمر انتهى هنا، لكن المرض الفتاك عاود الظهور في الغدد اللمفاوية، واستجاب مرحليا للعلاج، لم تكف المفاجآت عن التوالد اذ وصل المرض الخبيث إلى الكبد.

رحلة سلوى الأوروبية تخلو تماما من الطرافة، ولا علاقة لها بأدب الرحلات او قصص سندباد على الرغم من الغنى الظاهري في تفاصيل السفر.

حطت سلوى رحالها في السويد في العام 2007 قادمة من اسبانيا بصفتها محطة بين لبنان والبلد المقصود، تقدمت بطلب لجوء والنتيجة: مرفوض.

واجهت سلوى قرار السلطات السويدية بترحيلها الى اسبانيا برباطة جأش والعزم على تكرار المحاولة، وهو ما تحقق بعد إنجابها طفلها الوحيد في إسبانيا، لكن مصير طلب اللجوء هذه المرة لم يختلف عن سابقه: مرفوض. وكان الترحيل الى لبنان رعبها الأكبر وهو ما حصل.

لم تستسلم سلوى لكل ذلك وعادت إلى السويد في العام 2012 بعد سنة مُرّة قضتها في لبنان أما طلب اللجوء الثالث فكان أيضا جوابه: مرفوض.

تدنو سلوى- كما يعتقد الأطباء – سريعا من الموت، لكنها وهي ابنة الأمل ترفض الاستسلام لفكرة الرحيل، وتنتظر بلهفة الأم الاطمئنان على مصير ابنها وزوجها، ما زالت تحلم بالحصول على إقامة والسفر باختيارها الى لبنان لوداع الأم هناك… ما زالت تحلم بفرصة حياة كريمة لابنها تمر عبر اعتراف السويد بانتمائه لها.

اللجوء لوحة هائلة لم تكتمل فصولها بعد

حكايات اللاجئين تتشابه في الحلم الاول ومآلات الرحلة وتتباين في التفاصيل، اللجوء حالة غير طبيعية في حياة البشر ولن تتحول أبدا إلى قدر أو ما يشبه المهنة.

بعد سنوات طويلة سيتذكر اللاجئون في أوطانهم الجديدة الدروب الشاقة والأمواج التي ركبوها للوصول إلى القارة العجوز. تحلم سلوى أن يكون لابنها في يوم قصته الخاصة … وقد أصبح سويديا.

ختام سليم

الكومبس © 2023. All rights reserved