على ضوء تصاعد التصريحات العنصرية: ماذا لو قرر الأجانب في السويد عدم الذهاب للعمل ليوم واحد

: 9/10/15, 3:33 PM
Updated: 7/10/23, 11:57 PM
Alkompis - الكومبس

الكومبس – متابعات: ماذا سيحدثُ في السُويد، إذا قرر الأجانب الإضراب عن العمل، ليوم واحد؟

قد يقول قائل إن السؤال يعكس فكرا خياليا أو ينطلق من قاعدة افتراضية مما يجعل الجواب أيضا افتراضيا، وقد يعتبره آخر دعوة لإشاعة الفوضى في “البلد الذي احتضننا”، ويختلف آخرون فيما سينجم عن ذلك، لو تحقق فعلاً.

لكن، إذا فكرنا في هذا السؤال مليّاً، دون أفكار مسبقة، وانطلقنا من أرض الواقع، لما سيحدث في حال قرر الأجانب عدم الذهاب إلى أعمالهم ولو ليوم واحد، هل سيكون من المبالغة بشيء، إذا قلنا إن خسائر فادحة ستحل باقتصاد السويد، وسوف يحدث شلل لمؤسساتها، وسيدب الإرباك والفوضى في كل مرفق من مرافق البلاد؟

هل يمكن تخيّل ما سيحدث في معامل شركات فولفو وسكانيا وكبريات المصانع التي يشغل الأجانب نسبة لا بأس بها، وكيف سيتوقف الإنتاج إذا غاب العمال الأجانب بدون سابق إنذار؟!

كذا الحال، ماذا سيحدث في شوارع المدن، من فوضى في النقل إذا تخلى سائقي الباصات والقطارات وسيارات الأجرة وسائقي الشركات عن العمل؟

ماذا سيكون شعور المواطن السويدي عندما لا يجد مطعما للبيتزا مفتوحا، ولا تجد المدارس الطلاب الأجانب والمعلمين في أماكنهم؟!

كيف يمكن تخيل ما سيحدث للشعب السويدي إذا صادف ذلك اليوم الذي نتحدث عنه مثلا، مع مباراة للمنتخب الوطني بكرة القدم، يتغيب فيها زلاتان وغيره من اللاعبين ذوي الأصول الأجنبية!

هذه أسئلة افتراضية كما قلنا، لا معنى لها إذا لم تكن قد تحولت الى فعل على الأرض، لكن كل منصف للحقائق مُلِم بطبيعة واقتصاد السويد، يعرف ما سيحدث لو تحققت في الواقع.

فالأجانب الذين أصبحوا سبب كل بلاء ومشكلة وجريمة تقع في البلاد بحسب سفاريا ديموكراتنا والمرتمين بأحضانه من حملة الأفكار النازية والعنصرية، وايضا من المنجرين وراء الاستقطاب العرقي والاثني الذي يجتاح العالم اليوم، هم في الحقيقة عامل إيجابي وقوة كبيرة وهامة في تحريك عجلة الحياة والاقتصاد السويدي، ليس بحسب تصورات معينة، وإنما بحسب أرقام ومعطيات وإحصاءات تقدمها المؤسسات السويدية، وبحسب قادة أحزاب اليمين والوسط واليسار، الذين يتفقون على أنهم عامل قوة للبلد، وليس كما يُظهرهم الحزب المذكور.

شركات الأجانب لديها مبيعات تصل الى 130 مليار كرون

يوجد اليوم نحو 95000 مؤسسة أعمال صغيرة في السويد مملوكة وتدار من قبل اشخاص من ذوي خلفيات أجنبية. يعمل فيها حوالي 350000 مستخدم. وفي السنوات الأخيرة، تمكنت هذه الشركات من خلق أربعة من أصل خمسة فرص عمل، وتظهر الى الوجود سنويا حوالي 10000 شركة جديدة من هذا النوع.

اليوم تشير التقديرات إلى أن رجال الأعمال من ذوي الخلفيات الأجنبية لديهم مبيعات ما يقرب من 130 مليار كرون سويدي سنويا، وأرباح سنوية تقدر بحوالي 11 مليار. وبات دور اصحاب الشركات من الأجانب في الحياة التجارية السويدية ودخولها في أسواق جديدة، بات يلقى اهتماما متزايدا في السنوات الأخيرة.

فكيف لهم والحال هذه أن يكونوا عبئا على الاقتصاد السويدي، كما يروج المعادين للهجرة؟

مركز مكافحة الجريمة الوطني: السويد أكثر أمانا الآن

رغم أن عدد الأجانب في السويد ازداد كثيراً، وازداد معه حجم العمل الذي تقوم به الجماعات العنصرية واليمينية، لتشويه سمعتهم، وإلقاء اللوم عليهم في كل شيء، قال تقرير نشرته صحيفة “Dagens nyheter” السويدية، إن السويد هي أكثر أماناً الآن من عقد التسعينات من القرن المنصرم، رغم الأخبار شبه اليومية، عن وقوع جرائم في مختلف أنحاء البلاد، كان آخرها جريمة Ikea التي هّزت المجتمع والرأي العام.

واستندت الصحيفة في التقرير الذي كتبه Stefan Lisinski على أرقام وإحصاءات رسمية، صادرة من مركز مكافحة الجريمة الوطني، الذي أكد أن معدلات العنف القاتل في السويد تراجعت منذ فترة طويلة.

وقالت الصحيفة إنه رغم أن العديد من القراء يجدون صعوبة في تصديق ذلك، لكن هذا أمر واقع، وان أرقام المركز تؤكد بشكل واضح لا لبس فيه، تراجع معدلات الجريمة، وأن الجريمة البشعة التي وقعت في إيكيا بفيستروس في 10 آب/ أغسطس، ليست سوى استثناء.

وذكرت الصحيفة، أنها تنشر مثل هذا النوع من التقارير مرة واحدة في العام، وأن بعض القراء يشعرون بالاستياء من ذلك، ويعبرون عن عدم ثقتهم بهذه الأرقام. لكن التقرير علل سبب عدم تصديق معظم الناس هذه التقارير، الى ان الصحافة السويدية أصبحت في السنوات الأخيرة فعالة ونشطة جدا في نقل الاخبار، خصوصا كونها مرآة تعكس ما يحصل في المجتمع دون حواجز تمنعها عن ذلك.

وفي الآونة الأخيرة، تصدرت أخبار الجريمة المنظمة والانفجارات وحوادث إطلاق النار صدر الصفحات الأولى من الجرائد، ونشرات الأخبار.

وبحسب التقرير، كانت الصحافة السويدية خلال صيف هذا العام، قد تابعت وقائع اختفاء الشابة ليزا هولم، 17 عاماً حتى العثور على جثتها، كما تابعت أيضاً جريمة القتل التي تعرضت لها شابة أخرى، 21 عاماً أثناء ممارستها الرياضة في مضمار للجري في منطقة Upplands Väsby، لكن الجريمة الأخيرة التي وقعت في إيكيا فيستروس هزّت الرأي العام في السويد.

ورغم أن الأرقام تختلف من عام الى آخر، الا أن تراجع جرائم القتل، كان واضحا ضمن هذه التغييرات. فخلال أعوام التسعينيات، بلغ معدل الإبلاغ عن حالات العنف القاتل نحو مائة حالة في العام الواحد، وانخفض الرقم بعد ذلك الى 87 حالة سنوياً، بحسب الارقام الصادرة عن المجلس الوطني لمكافحة الجريمة.

إحصائيات مركز مكافحة الجريمة الوطني في السويد حول الجريمة للعام 2014

– بلغت جرائم القتل الناجمة عن العنف في السويد خلال العام 2014 نحو 87 حالة. وهو نفس العدد المسجل في العام 2013، وخلال الأعوام العشرة الماضية، تراوحت حالات جرائم العنف المؤدي الى القتل بين 68-111 حالة، سنوياً، وهذا يعني أن هناك تراجعاً في تطور العنف القاتل، وفقاً للمنظور بعيد المدى.

– بلغت نسبة الرجال ضحايا جرائم العنف المميت 71 بالمائة في العام 2014، فيما شكلت نسبة النساء في العام نفسه 29 بالمائة. الفرق بين ضحايا العنف المميت بين الرجال والنساء كان مشابهاً تقريباً منذ تسعينيات القرن المنصرم.

– استخدمت الأسلحة النارية في 32 بالمائة من حالات العنف المؤدي الى القتل والتي ارتكبت في العام 2014، أي ما يزيد عن ثلث إجمالي الحالات، وهي نسبة أعلى قليلاً مما كان عليه الوضع في العام 2013، الذي بلغت به نسبة جرائم القتل المرتكبة بالأسلحة النارية 30 بالمائة.

– يشير التوزيع الإقليمي، أن معظم حالات العنف الدامية التي وقعت في العام 2014، ارتكبت في المقاطعات الحضرية، مثل ستوكهولم وغرب غوتلاند وسكونه، حيث شكلت نسبة ما ارتكب من جرائم قتل بسبب العنف في تلك المناطق 63 بالمائة من مجموع جرائم القتل الإجرامية التي وقعت في البلاد، ما يعني تراجعاً بنسبة ثلاثة بالمائة، مقارنة مع العام 2013.

ويبدو تراجع جرائم العنف القاتل في السويد أكثر وضوحاً إذ ما أخذنا في نظر الاعتبار أن عدد السكان في السويد ارتفع بنحو يزيد عن المليون شخص منذ تسعينيات القرن الماضي.

وقد يكون الخبر الأكثر أهمية، انخفاض جرائم العنف القاتل ضد الأطفال الى النصف.

لكن كيف تتوافق ما تتحدث به الإحصائيات مع التقارير التي تنشر حول حوادث إطلاق النار بين أفراد العصابات في الضواحي وخاصة، يوتوبوري ومالمو وستوكهولم.

تجيب “داغنس نيهتر” حول ذلك، قائلة، إن هذا النوع من العنف، أي العنف الدائر بين أفراد العصابات الإجرامية زاد حقاً، موضحة، أن الضحايا هم عادة أعضاء في العصابات الإجرامية، لكن ولكون معظم حالات إطلاق النار بين أفراد هذه العصابات تحدث في الأماكن العامة، يصاب أشخاص آخرون بها، ومثال على ذلك عندما أطلق النار على شخصين في حانة بمنطقة هيسنيغن في يوتوبوري في شهر آذار/ مارس الماضي، ما أدى الى إصابة ثمانية أشخاص آخرين.

وترجح الصحيفة تراجع العنف القاتل الى تراجع حاد في جرائم القتل التي يطلق عليها الباحثون تسمية ” شجار ونزاعات عفوية”، والتي توصف في التقارير الإخبارية بـ “حفلات الكحول”، حيث يكون الإفراط في تعاطي الكحول وما يخلفه ذلك من نتائج، سبباً رئيسياً لأعمال العنف القاتلة.

وعادة ما يستخدم السكين أو القناني المكسورة في مثل هذا النوع من حوادث العنف.

أما الجرائم على شاكلة ما وقع في متجر إيكيا بمدينة فيستروس، حيث ليس هناك من علاقة تربط الجاني بالضحية، بحسب ما تحدثت به الشرطة، فأنها نادرة الحصول جداً، ولا توجد أية مؤشرات على أن هذا النوع من العنف أصبح شائعاً.

لكن رغم ذلك، هل الأجانب أنفسهم لا يتحملون جزءا من المسؤولية عن هذا الواقع؟ ألا يساهمون بأنفسهم أحيانا في حرمان القوى المعتدلة في المجتمع، والأحزاب التي تعادي العنصرية، من أصواتهم الانتخابية، عندما يجلسون في بيوتهم ويتفرجون على الناس وهي تذهب الى مراكز الاقتراع، كأن الانتخابات لا تعنيهم!

ألا يساهم العديد من الناس، في تشويه صورة الأجانب أمام الرأي العام، من خلال عدم الالتزام بقوانين البلد، والتحايل عليه، ورفض قيم المجتمع الجديد في الديمقراطية وحرية الإنسان في التفكير والتعبير عن نفسه، وممارسه حقوقه التي نص عليها الدستور؟

نعم صحيح أن ارتكاب الجرائم والتحايل على القوانين هي صفة بشرية يمارسها الجميع، بغض النظر إن كانوا أجانب أم لا، لكن من البديهي القول إن المهاجرين يتحملون مسؤولية كبيرة في عدم السماح للأحزاب العنصرية استخدامهم كفزاعة لترهيب وتخويف المجتمع، بالاستناد الى تلك الممارسات المذكورة.

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2023.