عماد منصور يجسد مأساة اللاجئين في عمل فني
الكومبس – ثقافة: عماد منصور فنان تشكيلي من مواليد بغداد، درس في معهد الفنون التشكيلية، ويعيش اليوم في فرنسا، اختار موضوع المهاجرين ومعاناتهم لأنه يعتقد انه موضوع معاصر وانه قد آن الأوان ان يقوم بأعمال تعبر عن الإنسان في بحثه عن الحرية خصوصا وانه خرج من بلده مشياً على الأقدام لذلك قرر توظيف تلك الفكرة في عدة أعمال منها قارب الموت الذي يحتوي على اقدام تصطف على شكل قارب ليتعمد جلب تلك الاجزاء الباقية من أجسام الذين ماتوا خلال رحلة اللجوء هرباً من الخطر ويوصلهم الى بلاد الأمان لتحتضن أعماله عدة بلدان سنتعرف عليها من خلال الحوار التالي الذي يبدأه عماد قائلا :
“رحلتي كانت من العراق إلى إيران ثم تركيا، فاليونان. وكان جزء كبير منها مشياً على الأقدام. لكن، مع فارق أنه لم تكن ثمة هواتف ذكية لكي أصور تلك المشاهد.
لذلك، قمت بهذا العمل الذي يرمز للأقدام العراقية أو الأفريقية أو غيرها، لكل مهاجري آسيا وأفريقيا الذين يتعذبون من أجل عبور البحر. ذلك البحر نفسه الذي يعبره أوربيون إنما على متن بواخر فارهة أو طائرات، قاصدين الجهة التي هرب منها اللاجئون بغية شراء منزل، يطلّ على البحر نفسه الذي تغرق فيه الجموع وتموت.
تنطوي الحياة حقاً على مفارقات غريبة. فمثلاً، يستحسن فرنسيون كثيرون الذهاب إلى المغرب متمنين العيش فيها لدفء الجو. في المقابل، يسعى مغاربة كثيرون إلى سلوك الطريق المضاد، والعبور نحو فرنسا هرباً من المغرب.
يعتقد عماد أن أحلام العبور، سواءٌ أكان عبور البحر أو الحدود أو الجدران، تراود الإنسان منذ الأزل، وأنهم كثرٌ ممن من يدفعون حياتهم ثمناً للعبور.
يضيف: قررت الاستلهام من ذلك الموضوع قبل سنوات. وعملي “قارب الموت” شكل باكورة سلسة أعمالي عن الهجرة.
يوضح أيضاً: لدي عمل آخر، يدعى “ثقب الباب” لأنني أتصور أن أي إنسان تمتلكه تلك الرغبة المبهمة في المغادرة نحو مكان آخر، وكأن مكانه الحالي دوماً غير مناسب. حتى عن الحياة، خلق البشر فكرة الدين والجنة والنار أملاً في مكان آخر. ذلك يعني أن الكرة الأرضية نفسها، يتمنى البشر في قرارة أنفسهم مغادرتها بعد الموت إلى مكان أجمل: الجنة. إن هاجس الذهاب إلى مكان آخر، أفضل، قائم منذ آلاف السنين. كتب عنه الفلاسفة. لكنني عشته شخصياً عندما عبرت الحدود وذهبت الى بلاد الحريات والديمقراطية. كلنا لدينا تلك الرغبة في بلوغ مدينة أخرى أو منطقة أخرى. حتى في إطار البيت، قد نشعر أن منزل الجار أفضل، وأن لدى الغير أشياء أفضل.
عن تلك الفكرة، أنجزت عملاً يجسد عين الباب، عبارة عن عين سحرية في الباب لمشاهدة الطارق عليها. قدمتُها بسبع بوابات، كل بوابة تمثل موضوعاً. وهي 7 أفلام، بضمنها فيلم قصير يشاهده زوار المعرض عبر العين السحرية. يتطرق الفيلم إلى أجواء مواضيع مختلفة، فيصبح الزائر شاهد عيان على معاناة العالم الآخر. تم عرض الفيلم في بلدان عدة.
كما أنجزت عملاً آخر، في عام 2006، انصب على بناء جدران وهمية وأبواب مكسرة، مهشمة وقديمة، يأكلها الصدأ، تمثل قصف بغداد.
إذا كانت سيرتك حديث فنانين اثنين، كيف تعتقد أنهما سيصفانك؟
سيقولون إن جميع أعمالي تتحدث عن حضور الغائب، الممكن أن يكون في عداد الأموات أو المفقودين أو السجناء أو الأسرى، أو مرمياً في غرفة في نيويورك أو باريس أو السويد. إنه غير موجود. وجوده وعدمه الشيء نفسه. جسدياً، هو موجود. لكنه مفقود في الحياة، لا ينتج ولا يمتلك أي طموح أو أحلام، ولا عائلة. أعمالي تلك تشكل إحضاراً لذلك الغائب الذي لا أعرفه شخصياً، إنما يهمني أمره.
“قارب الموت” بمثابة خلاصة لتلك الأحداث، إذ يرمز إلى بشر ماتوا ولم يبقَ منهم سوى الأقدام. لذلك، رسمت القارب على شكل أقدام لأشخاص غير موجودين. وجاءت الفكرة من خلال الحروب التي مررنا بها، نحن كعراقيين. فصحيح أنني خرجتُ من العراق، لكن العراق لم يخرج مني.
أين عُرضت تلك الاعمال؟
لدي مرسم في المغرب ومشغل في فرنسا. عرضتُ أعمالي في كندا وبرلين وباريس والدوحة ودبي وليتوانيا وموسكو واسطنبول وأذربيجان. أقيم سنوياً 4 أو5 معارض. و”معرض الفن الحديث” في ليتوانيا عمد إلى اقتناء “قارب الموت”، الذي سأعيد إنجازه بالإسمنت. فالإسمنت مادة قاسية ووحشية، وفي الوقت ذاته هي ماده البناء بجدارة. وعندما نرى أبنية مهدمة، نرى الإسمنت. هكذا، أجد فيه مادة مناسبة للنحت.
هل تتعمد اختيار مواد معينة دون غيرها؟
أبتعد عن المواد النبيلة، كالبرونز والسيراميك، المعروفة بالأناقة والجمال. لان مادتي حربية، لذا أنطلق من المواد الموجودة في الحروب، كالحديد والإسمنت. في روما، لدي عمل كامل طُلب مني أن أنفذه بالبرونز. فرفضتُ لأن البرونز سيعطيه الأناقة. نفذته بالإسمنت فأعطاه القوة. وكان عبارة عن جثث متراكمة، أرمزت إليها قمصان فقط، جبل كامل من القمصان. أنجزت عملاً من مدخنة تمتد من الأرض نحو السماء، أو الى السقف، كأنها محرقه للبشر كلها من القمصان.
“قارب الموت” عمل محزن، يترك شعوراً بالأسى لمن يراه. ما تعليقك حول ذلك؟
لم اقصد هذا، أو أن يكون درامياً. أرغب في أن يشعر المشاهد بالارتياح عند تمعن العمل، وليس منظر الدم والجراح. لا أريد تعذيب الزائر، إنما جعله يحس بمعاناة الآخرين، دون قسوة. هناك فنانون ينطلقون من المدرسة الوحشية، يعجبني عملهم لكنني لا أستطيع العمل على غرارهم. الكثير من الفنانين ينتقلون للغموض الشديد لدرجة أنه يصعب على الجمهور فهم أعمالهم، وبالتالي يرفض المعاصرة. أنا حتى الآن، لم يسألني شخص “ما هو غرضك من العمل؟” فأعمالي تقوم على المشاعر والانفعال.
هل يزعجك أن يطرح عليك السؤال “ما معنى هذا العمل؟”
لم يطرح علي السؤال إلا مرات نادرة جداً. عندما كنت أصغر سناً، كانت أعمالي تنطوي على قليل من الغموض. لكنني تخلصت منه. فمن يشاهد أعمالي هم الناس الاعتياديون، وليس الفنانين. عليّ إذن بالبساطة، وأن أنطلق من مبدأ “إذا لم تفهم فني أي أمّ بسيطة أمية، فأنا فنان فاشل”. الطفل يحب عملي، والأم، والأوروبي والعربي معاً. ذلك لأنني أنطلق من منطلقات بشرية.
زينب وتوت