عمو طلال: قصةُ نجاح تحولت إلى مرجع في قضايا الإندماج والتربية
Published: 1/15/13, 12:06 AM
Updated: 1/15/13, 12:06 AM
الكومبس – قصص وتجارب نجاح– تجربةُ الأستاذ طلال الإمام الطويلة والغنية في مجال العمل مع قضايا الاندماج، تجربة أصبحت مثالا يؤخذ به على مستوى السويد، وتذكر دائما في مراجع الأبحاث والدراسات والأعمال الهادفة إلى إنجاح سياسات الاندماج في المجتمع، خاصة أن هذا البلد يعد حديث العهد نسبيا في التعامل مع المهاجرين واللاجئين، وهو لا يزال يستقبل أعداداً كبيرة منهم سنويا.
الكومبس – قصص وتجارب نجاح– تجربةُ الأستاذ طلال الإمام الطويلة والغنية في مجال العمل مع قضايا الاندماج، تجربة أصبحت مثالا يؤخذ به على مستوى السويد، وتذكر دائما في مراجع الأبحاث والدراسات والأعمال الهادفة إلى إنجاح سياسات الاندماج في المجتمع، خاصة أن هذا البلد يعد حديث العهد نسبيا في التعامل مع المهاجرين واللاجئين، وهو لا يزال يستقبل أعداداً كبيرة منهم سنويا
قصةُ نجاح هذه الشخصية في وظيفة ومهمة قد تبدو غير تقليدية، هي قصة مستمرة لأنها غير مرتبطة بمشروع معين أو جدول زمني محدد، كما أن فوائدها وميزاتها المتراكمة، تترك آثار إيجابية بشكل دائم على جميع الأطراف المعنية بالاندماج، فالمسؤولية لا تقع فقط على الأجنبي القادم الجديد في إعادة تشكيل ذاته وفي التعرف على محيطه الجديد، بل هناك مسؤوليات أخرى يجب أن تقوم بها الدولة
المربي طلال الإمام: للمجتمع الجديد حقٌ عليك لكنه لايطلب منك الذوبان فيه وهناك من اختار الاندماج الظاهري فقط.
والمجتمع
في غرفة متواضعة بين غرف هيئة التدريس ضمن إحدى مدارس منطقة "سوديرهويدن" استقبلني الاستاذ طلال، وقدم لي في البداية شرحا موجزا عن عمله وطبيعة المهام التي يقوم بها، ليستمر الحديث المشوق معه، ويتشعب إلى عدة قضايا لا تقل الواحدة عن الأخرى أهمية. خاصة لأنه حديث يُعطيك عصارة وزبدة تجارب مهمة جدا تفيد العائلات القادمة إلى السويد، والباحثة عن مكان جديد للعيش الكريم لها ولأطفالها. لذلك اتفقنا أن نستفيد من حديثه، ونعمل من هذه المقابلة عدة مواد ننشرها في أجزاء من
" أرى دائما في عدد الأجانب وفي اختلاف خلفياتهم الثقافية ثروة حقيقية للسويد، ومخزن موارد مهم جدا للمجتمع، شرط أن تحسن الدولة والمجتمع استغلال وإدارة هذه الموارد بشكل إيجابي وصحيح خاصة من البداية".
موقع الكومبس، حسب نوع التناول الذي تطرحه.
منطقة "سوديرهويدن" التابعة لبلدية يارفالا شمال استوكهولم، حيث يعمل المربي طلال الإمام، مسؤلا عن قضايا الاندماج، منطقة قد تكون نموذجا مناسبا لتناول بعض القضايا التي تواجه وتهم الأجانب في المناطق التي يشكلون فيها أكثرية، مقارنة بعدد السويديين. فمجموع سكان هذه المنطقة يقارب 7 آلاف نسمة، الأجانب يشكلون بينهم نسبة أكثر من 80% . وهم ينتمون إلى أكثر من 25 مجموعة لغوية مختلفة.
يقول الأستاذ طلال: " أنا أرى دائما في عدد الأجانب وفي اختلاف خلفياتهم الثقافية ثروة حقيقية للسويد، ومخزن موارد مهم جدا للمجتمع، شرط أن تحسن الدولة والمجتمع استغلال وإدارة هذه الموارد بشكل إيجابي وصحيح خاصة من البداية.
أنا أتعامل مع جميع مدارس المنطقة الخمس، والتي تضم حوالي 600 تلميذ، أغلبهم ينتمون إلى عائلات مهاجرة، ومهمتي هي التواصل مع هذه العائلات بشكل يضمن تكامل دور المدرسة مع دور الأسرة من أجل خلق اندماج وبيئة تعاون تساعد الطفل أو المراهق على أن لا يجد تناقضات كبيرة بين مجتمعه الصغير في المنزل، وبين المجتمع الأكبر والتي تشكل المدرسة أحد أهم ركائزه.
توطيد العلاقة بين الأسرة والمدرسة، عامل أساسي في عدم انعزال الأسرة عن المجتمع، وهي عملية متبادلة، يمكن أن تعرف المدرسة على بعض خصوصيات الطفل الثقافية والتربية.
نحن نحاول أن نهتم كثيرا بأطفال القادمين الجدد وعائلاتهم، من أجل تقديم معلومات صحيحة بالوقت المناسب عن المجتمع الجديد.
جزء أساسي من عملي أيضا يتطلب تقديم المشورة والنصيحة للمدرسين وللهيئة الإدارية والتعليمية في المدارس، ومساعدتهم على فهم وتفسير مسائل ترتبط بثقافة وطرق معاملة التلاميذ وذويهم.
هل لك أن تعطينا مثالا عن نصيحة أو مشورة قدمتها لمدرس أثناء عملك؟
طبعا هناك العديد من الأمثلة، يمكن أن أذكر منها، عندما جاء مدرس سويدي إلى غرفتي ليشتكي لي من تصرف أحد التلاميذ العرب الجدد في المدرسة، المدرس قال بنوع من الانفعال: إن هذا التلميذ عندما أتحدث معه، ينظر إلى الأسفل، ولا يضع نظره في نظري. وهذه قد تعد إهانة في السويد وقلة احترام لمن يتحدث معك. أنا طبعا شرحت له أن العكس هو الصحيح تماما، لأن العديد من العائلات عندنا تعلم أطفالها عدم النظر في عيون الكبار، لأن هذه "وقاحة"
إضافة إلى المساعدة في إزالة بعض عوائق الاتصالات بين المدرسة والأهل، خاصة عندما يتعلق الأمر بضرورة استدعاء ولي الامر لمناقشة أمور هامة تتعلق بسلوك أو دراسة التلميذ، في البداية كانت المدرسة توجه الدعوات إلى 30 أو 35 أسرة يأتي منهم فقط عائلتين أو ثلاثة، والأمر يتعلق أحيانا بسوء تقييم الأهل لضرورة الحضور ومشاركة المدرسة بمهام تربية التلاميذ.
توطيد العلاقة بين الأسرة والمدرسة، عامل أساسي في عدم انعزال الأسرة عن المجتمع، وهي عملية متبادلة، يمكن أن تعرف المدرسة على بعض خصوصيات الطفل الثقافية والتربية.
في حالات عديدة نجد أن الأهل يلقون المسؤولية الكاملة على المدرسة في تولي شؤون التلميذ. العمل الأكثر مسؤوليه هو في تقديم دور المدرسة كدور مكمل لدور الأسرة وليس بديلا عنه، أو مناقضا له. لقد صادفنا حالات يخاف فيها الأهل من ممارسة دورهم في توجيه أطفالهم خوفا من اتهامهم بمعارضة تربية وتعليمات المدرسة، وهذا مثال سيئ جدا عن تغييب دور الأهل، بالمقابل نرى بعض العائلات التي تمارس تربية متشددة وصارمة، بدون دواعي. والخوف هنا أيضا من أن يكون دور المدرسة طاغيا وتكون هناك خشية على ثقافة التلميذ وتربيته. نحن نحاول دائما أن نكون جسر بين العائلة والمجتمع الجديد.
كيف تشعر بأنك تؤدي عملا مهما من خلال وظيفتك، وهل يوجد وظائف مثلها في مناطق مشابهة في السويد؟
يمكن أن يكون هناك وظائف قريبة منها ولكن بمسميات مختلفة، أنا في هذا المنصب منذ 13 عاما، عندما استلمت العمل لم يكن بحوزتي أي شيء من المواد أو البرامج، فقط كان عندي تصورات عامة، الآن أصبحت أملك مناهج وخطط ووثائق تستعين بها عدة جهات في البلدية وبلديات ومحافظات أخرى، كما تناولت عدة كتب وأبحاث تجربتي في هذه المنطقة، وكتبت عنها، خاصة أنني أعمل أيضا مع عدة لجان وهيئات مختصة بالإندماج وأتلقى دعوات دائمة من جهات ومؤسسات معنية بالتعامل مع عائلات وأطفال المهاجرين واللاجئين.
وأنا بالتأكيد أشعر بأنني قدمت مساهمات عديدة ليس فقط للعائلات المهاجرة وأطفالهم، بل أيضا للسويديين والمجتمع السويدي، الراغب دوما في استيعاب الكفاءات التي يتمتع بها هؤلاء القادمين الجدد، ومن أجل المساهمة في خلق مجتمع متعدد الثقافات.
العمل الأكثر مسؤوليه هو في تقديم دور المدرسة كدور مكمل لدور الأسرة وليس بديلا عنه، أو مناقضا له. لقد صادفنا حالات يخاف فيها الأهل من ممارسة دورهم في توجيه أطفالهم خوفا من اتهامهم بمعارضة تربية وتعليمات المدرسة
ولكن هناك أصوات سويدية ترفض فكرة المجتمع متعدد الثقافات، هم يعتبرون السويد مجتمع خاص بالسويديين ولا يريدون أن ينفتح للجميع؟
صحيح ولكن هذه أقلية، تماما كما يوجد بين الأجانب أيضا من ينادي ويسعى لعدم الاندماج والانعزال، ولا يفرق بين ضرورات الاندماج ومحاذير الذوبان، لا أحد يطلب منك الذوبان في المجتمع والانصهار به على حساب شخصيتك وهويتك ولغتك ومعتقداتك الخاصة، لكن للمجتمع حق عليك.
هناك أيضا نوع من الأشخاص والأسر المهاجرة تتظاهر بالاندماج، أي أنها ظاهريا تقوم بواجباتها وتحصل على حقوقها، لكنها تعيش في حالة عداء مع المجتمع الكبير وتنظر له نظرة سوداوية.
وهذه النظرة في الحقيقة مبنية على عدم معرفة صحيحة، وعلى عدم حصول القادم الجديد على معلومات صحيحة في الوقت المناسب.
ماذا تعني بالمعلومات الصحيحة في الوقت المناسب التي يجب أن يحصل عليها المهاجر الجديد لمساعدته على الإندماج؟
في كثير من الحالات يبني القادم الجديد إلى هنا تصوراته عن المجتمع السويدي من خلال ما يسمعه من أجانب مثله، تصورات عن الأخلاق السويدية والعادات والتقاليد وعن العلاقات الأسرية وعن المرأة وعن العلاقات الانسانية وغيرها ويعتمد تشكيل الرأي في هذه الحالة على ما يمكن أن نطلق عليه "الثقافة الشفهية" أي أننا نستمد معلوماتنا من "القيل والقال" سمعت جارنا يقول .. وأخبرني صديق وصل قبلي إلى السويد.. والاشاعات تتحدث عن..ألخ
وهذه الشفهية في الحصول على المعلومات تأتي خاصة في أول 3 سنوات من قدوم اللاجئ أو المهاجر إلى البلد، وتزداد عند عدم توفر مصدر صحيح وموثوق للمعلومات اللازمة للشخص.
إجمالا من المهم جدا أن يحصل القادم الجديد على ما يحتاجه من معلومات أساسية عن المجتمع الذي ينوي أن يأسس فيه حياته، وأن يتعرف على حقوقه وواجباته، وأن يطلع على القوانين والتعليمات التي تخصه، خاصة في مرحلة توطيده في المجتمع ليتمكن من السير والمتابعة من أجل أن يعيل نفسه بنفسه.
نحن نحاول هنا في المدرسة أن نكون أحد أهم مصادر المعلومات الصحيحة للأهل فيما يخص العلاقة مع الأطفال، لذلك نعمد إلى استقبال الأهل في المدارس وإلى تنظيم زيارات دورية لهم في منازلهم، لكسر حاجز البيروقراطية في التعامل، واستطعنا تنظيم نشاطات مشتركة لاقت استحسان الأهل وأعطت نتائج جيدة.
يعتمد تشكيل رأي عدد من القادمين الجدد على ما يسمعونه من أجانب مثلهم، فيما يمكن أن نطلق عليه "الثقافة الشفهية" أي أننا نستمد معلوماتنا من "القيل والقال وهذا ما يساهم في تكوين اندماج ناقص او ظاهري"
إلى أي حد ساهمت شخصيتك الخاصة وتعليمك وهويتك الثقافية في نجاح مهمتك وتطوير وظيفتك المهنية إلى مرجع ليستفيد منه الآخرين؟
لا أشك أن انتمائي الثقافي وكوني أيضا من أصول مهاجرة ومررت بمراحل يمر بها اللاجئون والمهاجرون هنا، سهلت لي فهم وتفهم الناس التي أتعامل معها، تخيل أن الجميع في المدارس من سويديين وعرب وأجانب آخرين ينادونني "عمو طلال" يقولونها بالعربية، بعد أن سمعوا التلاميذ العرب يقولون لي "عمو" سألوني ماذا تعني ..حتى المدرسون والمدير وغيرهم ينادونني بهذا اللقب.
هذا الجو الدافئ والإيجابي يخلق بيئة احترام متبادلة بين الجميع ويساعد على الاتصال الصحيح بين الأسرة والمدرسة، نحن نطمح دائما لأن تكون العائلة معنا وغير منعزلة عن ما يتلقاه الطفل من تربية وتعليم في المدارس، خاصة أن مدارس السويد ليست مكانا للتزود بالعلم فقط بل بالمعارف أيضا، وبكيفية أن تكون جزء من هذا المجتمع
وهكذا نجد أن "عمو طلال" كما يلقبونه في المدارس التي يعمل بها، لم يجعل من وظيفته مجرد مكان روتيني للدوام ولإدارة مشكلة تقع بين مدرس وتلميذ أو لفض اشتباك بين المدرسة وأهل التلميذ على سوء فهم وعدم تنسيق. لقد حول هذا المربي القادم من سوريا وظيفته إلى مكان لتقديم كل ما يلزم لتسهيل مهمة اندماج المهاجرين وعائلاتهم في المجتمع الجديد
في الحديث المقبل مع الاستاذ طلال سنتطرق إلى تناول المراحل التي يمر بها القادم الجديد وإلى بعض المشاكل الاجتماعية التي تواجه الأسرة الأجنبية وخاصة العربية والمشرقية، وإلى مواضيع أخرى هامة
يمكنكم توجيه أسئلة للاستفسار أو للنقاش حول هذه المواضيع للاستاذ طلال عبر الكومبس.
الحقوق محفوظة: عند النقل أو الاستخدام يرجى ذكر المصدر