في وصف السويد: الإبتعاد عن التعميم الاقتراب لفهم الواقع
منبر الكومبس: يتربص البعض في اقتناص الأخبار التي تروق له، لكي يثبت الصور التي تنطبع في مخيلته عن السويد، وليقنع نفسه والآخرين بصحة هذه الصور النمطية، والتي قد تكون قاتمة في تشأومها أو مفرطة في تفاؤلها، دون أن يبذلوا هؤلاء أي جهد لوضع هذه الأخبار في سياقها الطبيعي.
عندما نشرت الصحف السويدية ومنها " الكومبس"، خبر الكشف عن قيام إحدى مدارس مدينة يوتوبوري بوضع صورة واجب مدرسي، في كتاب مادة الأديان تحمل في طياتها دلالات عنصرية ضد العرب، اتخذت مجموعة من القراء هذا الخبر لكي تثبت أن مناهج التعليم في كل السويد عنصرية، وأن من وضع هذه المناهج، هي الماسونية العالمية، وذهب جزء من أصحاب هذه النظرة التعميمية إلى وصف السويد كلها بالعنصرية.
وفي العودة إلى هذا الخبر نجد أنه بالفعل خبر يتعلق باكتشاف توجهات عنصرية في كتاب مدرسي، حيث جاء في الواجب المذكور ضمن الكتاب السؤال التالي: "تخيل أنك تسأل يهوديّاً أو عربيّاً حول من يملك الحق في الأرض التي تسمى الآن اسرائيل. اكتب ما تعتقد أنهم سيجيبون عليه وكيف سيعللون رأيهم. لماذا تفكر الفتاة بتفجير نفسها، والآخرين في الهواء؟" وهذه العبارة اختزلت للتلاميذ قضية كبيرة، خاصة أنها عبارة أرفقت بصورة فتاة محجبة "إرهابية" .
لكن الخبر يذكر أيضا أنه جرى إكتشاف هذا الكلام العنصري من قبل شقيقة أحد الطلاب عندما كانت تقوم بتدريسه في البيت، وأن هذه المادة موجودة في الكتاب منذ عام 2004 ولولا قيام شقيقة الطالب بالتبليغ عن هذه الجملة العنصرية، لما وصلت للصحافة.
إذا المراقبة والاعتراض والاتصال بالصحافة هي الطرق الحضارية التي تعتمدها السويد وعدد من الدول الأخرى لرصد والتصدي لأي نفس عنصري، مهما كان مصدره، ومهما كانت الجهة المتضررة منه.
وهذه الأدوات متاحة للجميع، بل يشجع المجتمع على استخدامها والتعامل معها، وأن عدم الوعي باستخدامها هو المشكلة؟
ولكي نعرف أكثر أن السويد، ليست صورة نمطية واحدة، فهي لا تمثل شيطان العنصرية، ولا ملاك التسامح، نعرض رسالة وصلت للكومبس من القارئة ليلى، بعد أن شاهدت حجم الخلاف في الرأي بين المعلقين على خبر كتاب مدرسة يوتيبوري، بين أنصار صورة " شيطان السويد العنصري"، و"ملاكها المتسامح"، تقول ليلى:
"مساء الخير، حابة أحكي قصة صارت معي، وهي متل توضيح لصورة أخرى، عن صورة خبر الواجب في مدرسة يوتوبوري الذي نشر بالكومبس. أنا طالبة في كلية التعليم، اختصاص تدريس اللغة الانكليزية، وبقي لي عدة أشهر لكي أتخرج، وعندي دوام عملي حاليا بمدرسة تكوينها سويدي بامتياز لان ما في ولا طالب اجنبي ولا مدرس اجنبي.
قبل عدة أيام قررت أحضر مادة التاريخ فجأة، استأذنت من المدرسة التي قالت لي "أوكي" تفضلي. الدرس كان عن العصور الوسطى في أوربا والتي وصفتها المدرسة بالعصور المظلمة، مضيفة أن هذه العصور كانت تدعو للخجل ولا يوجد فيها ما يمكن الافتخار به.
في المقابل ذكرت المدرسة كيف كان ينعم الشرق بالتقدم والازدهار في فترات الإسلام المبكر، وتكلمت عن الرسول محمد (ص) بالحرف الواحد بأنه قائد عظيم استطاع نشر تعاليم الانسانية ويوحد العرب، وأنه أستخدم في بداية دعوته الحجة والمنطق والترغيب، دون العنف، كما انه استخدم المحبة، لذلك تبعه الناس لانه كان انسان عظيم .. ( وهي على فكرة لم تكن بتعرف بأنني مسلمة) تحدثت عن توحد العرب تحت رايته وتقدمهم.
لقد لمست الموضوعية والرقي بكلام وتعامل هذه المدرسة والقيم الإنسانية الرائعة التي تحملها.
أنا أسمع الكثير من الطلاب كيف يتحدثون عن سعيهم لمساعدة الأجانب واللاجئين، ولكن أتفاجئ وأشعر بالصدمة عندما أقرأ بعض التعليقات العنصرية من العرب ومن الأجانب إجمالا ضد بعضهم البعض من جهة وضد السويدين والاديان الأخرى. لا يمكنكم التصور كم أشعر بالخجل ولدرجة رهيبة عندما أتخيل أن هؤلاء السويديين الذين أعرفهم وأعرف مدى إنسانيتهم يمكن أن يعرفوا أن هناك كراهية بهذا الحجم بصدر من هم يمكن أن يكونوا ضحايا العنصرية.
أنا لا أقول أن كل السويديين ملائكة ولا يوجد بينهم عنصريون، ولكن يجب أن لا ننظر فقط إلى النصف الفارغ من الكأس، ياريت نرتقي كلنا ونتجاوز عصور الظلام التي نعيشها نحن حاليا، بالوقت غيرنا وصل للقمر، بل يحاولون أيضا العيش فيه.. وأسفة على الاطالة!"
انتهت رسالة ليلى، لكن قصة وصف السويد، بصور نمطية مسبقة، من قبل البعض، لم تنتهي بعد، لأن هؤلاء البعض يرفضون قبول السويد بكل صورها، وكما هي في الواقع، والأهم من ذلك يزيدون من الشكوى دون أن يكتشفوا مثل قصة عنصرية موجودة في كتاب مدرسي عنهم منذ عام 2004.
رئيس تحرير شبكة الكومبس