مراحلُ الاندماج في السويد: بين الانبهار وخيبات الأمل

: 4/15/13, 6:35 PM
Updated: 4/15/13, 6:35 PM
مراحلُ الاندماج في السويد: بين الانبهار وخيبات الأمل

منبر الكومبس : إلقاءُ نظرةٍ عامة على أهم المراحل التي يمر بها المُهاجر، منذُ وصوله إلى السويد، أو دول أخرى في اوروبا عموما، يُعطي صورة عامة عن كيفية تصرف القادم الجديد في بلد مثل السويد، قد تفصله عنه مسافات جغرافية طويلة وفروقات اجتماعية كبيرة، وهذا ما قد يسهل على المهاجر تلمس مستلزمات الحياة الجديدة، كما قد يساعد الآخرين على تفهم تصرفات المهاجرين واللاجئين الجدد بشكل عام.

منبر الكومبس: إلقاءُ نظرةٍ عامة على أهم المراحل التي يمر بها المُهاجر، منذُ وصوله إلى السويد، أو دول أخرى في اوروبا عموما، يُعطي صورة عامة عن كيفية تصرف القادم الجديد في بلد مثل السويد، قد تفصله عنه مسافات جغرافية طويلة وفروقات اجتماعية كبيرة، وهذا ما قد يسهل على المهاجر تلمس مستلزمات الحياة الجديدة، كما قد يساعد الآخرين على تفهم تصرفات المهاجرين واللاجئين الجدد بشكل عام.

من خلال متابعة ما يصلنا من رسائل وتعليقات على الأحداث والتطورات التي تحدث في السويد يوميا، يمكن تقسيم هذه التعليقات إلى ثلاثة مجموعات عامة، حسب تفسير كل شخص صاحب تعليق لهذه الأحداث والمنظور الذي يستخدمه لفهمها. هذه التقسيمات العامة كانت محور حديثنا مع المربي طلال الإمام، الذي يعمل في مجال الإندماج والتربية، ليعطي لنا رأيه بها. لكن قبل أن نطلع على رأية، دعونا نحدد هذه المجموعات الثلاثة:

المجموعة الأولى

تحتوي على تعليقات تعتبر السويد بلدا مثاليا بكل شيء، ولأنه بلدٌ حضاري واستقبل الأجانب ووّفر لهم مكانا في مجتمعه، فيجب علينا أن لا ننتقده إطلاقا. بالنسبة لهؤلاء قد يُشكل نشر خبر عن جريمة ما، خاصة إذا كان مرتكبها من أصل سويدي، مساساً بقدسية السويد، والمساس بالقدسية يحصل أيضا عند تناول حالة سلبية معينة في المجتمع السويدي: مثل رصد ظواهر عنصرية أو معالجة برودة العلاقات الإجتماعية أو إكتشاف حالة غش أو فساد ما.

المجموعة الثانية

تضم تعليقات على نقيض المجموعة الأولى، وتعبر عن حالات استياء وخيبة أمل من السويد والمجتمع السويدي، وتعطي تصورات عن استحالة الاندماج بهذا المجتمع الغريب والقاسي، حسب وصفهم. وبالنسبة لهذه التعليقات السويد بلد عنصري والسويديون شعب متعالي ومنعزل. وتفسر هذه التعليقات الأحداث والأخبار التي تنشر في وسائل الإعلام ومنها الكومبس، وفق رؤيتهم السوداوية المتشائمة عن البلد.

المجموعة الثالثة

يمكن تخصيصها للتعليقات الأكثر واقعية والتي ترى السويد كما يجب أن يكون، بلد يحتوي على فرص للحياة الكريمة، ويعطي مجالات واسعة للتطور، وفيه ظواهر إيجابية وسلبية. الأمور بالنسبة لهؤلاء ليست أبيض وأسود إنها خاضعة لعوامل واعتبارات عديدة، والنجاح بالنسبة لهم أيضا موضوع نسبي، في مجتمع لا يمكن التقليل من صعوبات الاندماج به. هؤلاء يفسرون الأحداث بطريقة واقعية، ويؤكدون رغبتهم بالتعرف على مايجري بالمجتمع ليكونوا جزءا منه.

bild.JPG

عمو طلال بعدسة الكومبس

محتوى هذا الإستنتاج العام عرضناه للمناقشة مع المربي طلال الإمام، الشخص الذي اكتسب خبرة واسعة بالتعامل مع التلاميذ والعائلات المهاجرة وواكب أجيالا منهم. ولكي لا ندخل في تفاصيل العلوم الاجتماعية ودقائق اختصاصاتها، وجد الأستاذ طلال أن الإجابة يمكن أن ترتبط بعاملين اثنين، العامل الأول: هو ذاتي ويتعلق بعمر وثقافة وتعليم المهاجر، عندما وصل إلى السويد، وقابليته التعامل مع المجتمع الجديد من خلال خصوصية هذا العامل، والعامل الثاني له علاقة بالمراحل التي يمر بها المهاجر منذ وصوله إلى السويد، يقول عمو طلال، كما يسمونه تلاميذه وحتى بعض زملاءه السويديين:


"يمر القادمون الجدد بثلاث مراحل . تختلف مدة كل مرحلة من شخص لآخر، حسب الخلفية التعليمية، وفيما إذا كان يعيش في بلاده في مدينة كبيرة او في الأرياف".

"يمر القادمون الجدد بثلاث مراحل . تختلف مدة كل مرحلة من شخص لآخر، حسب الخلفية التعليمية، وفيما إذا كان يعيش في بلاده في مدينة كبيرة او في الأرياف، وحسب العمل السابق الذي كان يمارسه قبل وصوله إلى السويد اضافة طبعا للخبرة الحياتية. كما يلعب السن دورا مفصليا في هذا المجال. فمن يأتي صغيرا وحتى سن العشرين تكون عملية اندماجه اسرع في المجتمع الجديد من ذلك الذي يأتي مثلا في سن الأربعين فما فوق.

المرحلة الاولى: مرحلة انتظار الإقامة – قلق وترقب

انتظار الموافقة على الاقامة الدائمة. وهي مرحلة تتميز عادة بالقلق، وطرح العديد من التساؤلات، والخضوع لتأثير الاشاعات أو المعلومات غير الدقيقة والمستلهمة من تجارب فاشلة لأشخاص أقدم في البلد ومن أفكار نمطية عن السويد يحملها مقربين تربطهم صداقات أو صلات قرابة مع أصحاب هذه المرحلة. كما تتميز مرحلة الانتظار بالفضول الزائد لمعرفة الكثير من التفاصيل عن البلد الجديد. هناك أشخاص يحاولون التعايش مع هذه الفترة والتخفيف من سلبياتها بالخروج من حاجز التفكير الدائم والقلق، وذلك بممارسة ما هو مفيد وصالح مثل تعلم اللغة أو البحث عن عمل أو مساعدة أحد يحتاج مساعدة أو بالرياضة وغيرها.

المرحلة الثانية: مرحلة الحصول على الاقامة الدائمة – الانبهار والمقارنة

تتميز هذه المرحلة بحالات الانبهار التي تطرأ على نفسية من حصل مجددا على الإقامة، الانبهار بمنجزات البلد الجديد ( في حالتنا السويد). الانبهار بمنجزات السويد الاجتماعية والاقتصادية والديموقراطية، قد تكون من خلال مشاهدات عامة عن نظافة الشوارع وعن الطبيعة والتنظيم ونظام المعونات الاجتماعية والرعاية الصحية ..الخ . وهذا الانبهار يبنى عادة على رؤية الجوانب الايجابية، ولكن بطريقة سطحية فقط، في المجتمع السويدي. ويصل الانبهار أحيانا إلى مستويات كبيرة، لأنه ناجم عن عدم الإطلاع الكامل على الصورة الكاملة عن السويد والمجتمع السويدي، بكل صعوباته وتناقضاته ومشاكله الخاصة به طبعا، حيث يشكل عدم الإلمام باللغة السويدية عائقا أساسيا في البداية للتعرف على هذه الصورة، إضافة إلى أن اللغة هي أحد مفاتيح الاندماج في أي مجتمع جديد ومعرفته بعمق.

كما تمتاز هذه المرحلة بالمقارنة، اي مقارنة المجتمع الجديد بالقديم . ويلاحظ المرىء كيف ان احاديث القادمين الجدد تتركز في هذه المرحلة على المقارنة المستمرة في التفاصيل الصغيرة والكبيرة على حد سواء. بكلمة ان هذه المرحلة تتميز بان القادم الجديد لايرى الا الايجابي والجميل وماهو على السطح كونه لم ينخرط بعد في المجتمع الجديد .


اللغة هي أحد مفاتيح الاندماج في أي مجتمع جديد ومعرفته بعمق

المرحلة الثالثة: استحقاقات الاندماج – مواجهة الواقع

في هذه المرحلة تبدأ فترة معرفة المجتمع الجديد بعمق، ومواجهة واقع البحث عن عمل أو دراسة، وبالتالي الصدام بالصعوبات والعوائق ومواجهة البيروقراطية وربما حالات معينة من التمييز.

وقد تبدأ الصعوبات من فترة البحث عن سكن ملائم في منطقة معينة، وتمتد عبر الدخول إلى المدرسة السويدية والتعرف على بعض القوانين وضرورات تأمين متطلبات الحياة اليومية بطريقة غير التي كانت أثناء فترة الانتظار وهي طريقة تتطلب معرفة المجتمع الجديد على حقيقته وعلى جوهره، وكما هو بالواقع وليس كما كان يتخيله القادم الجديد، سواء قبل قدومه إلى السويد أو خلال المرحلتين الأو

لى والثانية.

واقع جديد قد يتحول أيضا إلى صراعات داخل العائلة الواحدة

قد لا تقتصر مواجهات الواقع على جبهة المحيط الخارجي للعائلات والأسر أو الأشخاص، بل أيضا يمكن أن تحدث هذه المواجهات داخل الأسرة الواحدة أيضا، والسبب هو بدء الصراعات المباشرة وغير المباشرة والمخفية والظاهرة من خلال عدم التوافق بين قيم المجتمع الجديد والعادات والتقاليد التي تريد الأسرة الاحتفاظ بها، والطريقة التي تسلكها الأسر في إيجاد التوازن بين ما هو صالح وغير صالح من الجهتين، جهة العادات والتقاليد الخاصة بهم وجهة قيم المجتمع الجديد.

حيث تتحول أحيانا الخلافات على طرق التربية وعلى فرض التسلسل الهرمي في الاسرة (بين الرجل والمرأة) والصدام بين الاولاد والاباء وبين الزوج والزوجة إلى حالات طلاق وتفكك كثيرة للعائلات.

وهذا حديث قد يتشعب إلى مواضيع يمكن أن نخصص لها مساحات خاصة لتناولها بتفصيل اكثر. لكن الحجر الأساسي لعبور المرحلة الثالثة هي الإندماج الصحيح في المجتمع عبر بوابة اللغة والعمل والاستعداد النفسي للتخلي عن بعض الموروثات والعادات القديمة، دون أن نتخلى عن هويتنا الخاصة، وممارسة حرياتنا الدينية والفكرية، بما يكفله لنا القانون.

د. محمود الآغا

رئيس تحرير " الكومبس ".

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.
cookies icon