هشام الذهبي يتحدث لـ “الكومبس” من ستوكهولم: قصة رجل فتح بيت أسرته للأطفال واليتامى المشردين

: 10/9/16, 10:17 AM
Updated: 7/11/23, 12:00 AM
Alkompis - الكومبس

الكومبس – لقاءات: هشام الذهبي رجل من عامة الناس في العراق، اهتمت به وسائل الإعلام العالمية، ومنظمات حقوق الإنسان، وذلك من خلال فتح بيت اسرته المتواضع ببغداد للأطفال اليتامى والمشردين.

الذهبي نجح في انقاذ العديد من الأطفال، وقد حصدت أفلام وأعمال أطفاله أكثر من (25) جائزة عالمية قدمت للعراق.

“الكومبس” التقته في زيارة قام بها قبل أيام الى السويد، وأجرت معه الحوار التالي:

ما الهدف من زيارتك السويد؟

أقوم سنوياً بمثل هذه الرحلة إلى بعض البلدان، الغرض منها هو اظهار الجانب الإنساني للعراق، والتعرف على بعض البرامج التي تصب في مجال تخصصي، من خلال زيارتي لبعض المؤسسات التي تعنى بالطفل، واللقاءات التي أجريها مع الجالية العراقية في دول الاغتراب، وجميع هذه الجولات التي أقوم بها، هي لغرض الاستفادة من الخبرات المتراكمة لدى الجالية العراقية، وتلقي الدعم المعنوي وليس الدعم المادي، لأنه لا توجد في سياقات عملنا طلب المساعدات المادية من أية جهة كانت.

كيف انطلقت لديك فكرة انقاذ الأطفال المشردين في الشوارع؟

لفت انتباهي مجموعة من الأطفال المشردين في ساحة الفردوس ببغداد، لا تتجاوز أعمارهم (12) عاماً بملابس رثة ومتسخة وشعر أشعث وكثيف، وكل واحد منهم ماسكاً بيده كيساً ويستنشق فيه، (وقد عرفت لاحقاً أن هذا الكيس يحوي على مادة السنر أو مادة السكوتين اللاصق، وهذه المواد تؤثر على الإنسان وتجعله أشبه بمن أفرط في تناول الكحول)، من هنا جاءت الفكرة ومعها نقطة التحول في حياتي، فقررت أن أعمل مع هذه الشريحة من الأطفال المشردين في الشوارع.

وقد عملت ما بين أعوام (2003 – 2006) مع أطفال الشارع، دون أن أتلقى الدعم من أشخاص أو مؤسسات أو أي جهات أخرى، وعشت ثلاث سنوات مع الأطفال في الشارع، وقد استطعت أن أكون علاقة طيبة معهم.

في نهاية عام (2004) جاءت منظمة حماية أطفال كردستان، وقررت أن تفتح داراً لإيواء الأطفال المشردين في بغداد، فاستعانوا بمجموعة من الشباب كنت أنا من بينهم، وبما أننا حديثي العمل في هذا المجال، فقد بدأنا بطفل واحد واثنين وثلاثة وهكذا، إلى أن أصبح العدد (47) طفلاً، ومن الغريب أن أول طفل وصل إلى هذه الدار هو الوحيد الذي فشلنا معه، وعاد إلى الشارع ودخل السجن بتهمة سرقة (قناني الغاز)، مع العلم أنه كان أصغر طفل في الدار، وكان هادئاً ومجتهداً في الدراسة ويتحدث اللغة الإنكليزية بطلاقة، وفي المقابل نجحنا مع آخرين غارقين في المشاكل، يكبرونه سناً ويفوقونه إجراماً وإدماناً وعدوانية.

وأنا أفتخر بأنني أخذت أطفالاً مشردين من الشارع وأسكنهم في بيته، وكانت هذه العملية مجازفة خطرة جداً في نهاية عام (2004)، بسببها فقدت علاقتي مع أهلي وخصوصاً والدي، وأول يوم دخلوا الأطفال إلى بيتي كانوا بحالة مزرية، وكنا نسكن أنا وزوجتي وأطفالنا الأربعة، في شقة من ثلاثة غرف في عمارة من ثلاثة طوابق، وكل طابق من ستة شقق بمجمع في منطقة الحبيبة ببغداد، فعليكم أن تتخيلوا دهشة سكان هذه المنطقة والبناية بالذات، وهم يشاهدونني أصطحب أطفالاً مشردين من الشارع وأسكنهم في بيتي، أي بين هؤلاء الناس.

كيف كانت الأيام الأولى مع الأطفال المشردين في بيتكم؟

كان أول شيء فعلته للأطفال مساء اليوم الأول، هو قص شعرهم الطويل المتسخ الذي كان مسكناً للقمل ولحشرات أخرى، ثم أدخلتهم الحمام للاغتسال واحداً تلو الآخر، وكان الماء يسيل من أجسادهم زيتاً أسوداً، ولم أستطع النوم تلك الليلة حتى الفجر، ليس خوفاً من أن يسرقوا شيئاً من البيت، وإنما خوفاً من الفشل في هذا الاختبار الصعب، أمام أهلي وأقاربي الرافضين لهذه الفكرة، وكنت أتمنى حتى لو امتدت أياديهم على شيء ما في البيت، أن يبقون معنا ولا يغادرونا.

بعد إغفاءة بسيطة نهضت مرعوباً وقفزت إلى الباب، فرأيتهم جالسين بانتظار وجبة الإفطار التي تعدها زوجتي، وقد رتبوا أفرشتهم ووضعوها في إحدى زاويا غرفة الجلوس، فشعرت بالغبطة والفرح الشديد، وأنا أرى هؤلاء الأطفال المشردين بهذا السلوك المتحضر، الذي لم أراه يوماً من أطفالنا الذين يعيشون في كنفنا وتحت رعايتنا.

متى أصبحت مديراً لدار الأيتام؟

عندما بدأت الحرب الطائفية عام (2006)، قررت المنظمة إغلاق المشروع وتسليم الأطفال إلى الدولة، والدولة بدورها ترسلهم إلى محافظاتهم إن لم يكونوا من سكنة بغداد، ومن ليس لديهم أوراق ثبوتية ترسلهم إلى دار الأحداث، والأطفال دون السادسة من العمر فقط ترسلهم إلى دار الأيتام، فأنا رفضت هذا التصنيف وبحكم علاقتي القوية مع الأطفال، استأجرت لهم داراً في مدينة الثورة (الصدر) وأسكنتهم فيها، ومنذ نهاية

عام (2006) وإلى اليوم أنا مدير المشروع، وأول عمل قمت به لهؤلاء الأطفال المشردين هو استحصال (حجة وصايا) عليهم من الدولة.

بدأت من إيواء أربعة أطفال مشردين في بيتك ومن ثم افتحت داراً لهم فكم بلغ عدد الأطفال في تلك الدار؟

بلغ عدد الأطفال في الدار (47) طفلاً بأعمار متفاوتة وجميعهم من الذكور، وقد تم دمجهم جميعاً مع ذويهم ومع أسر بديلة، ما عدا طفلاً واحداً فقط من أقدم الأطفال في الدار، وهو الآن مهندس حاسبات (كمبيوتر) وسنزوجه قريباً، وجاءت بعد ذلك وجبات أخرى، حتى وصل عدد الأطفال المتخرجين من الدار، أكثر من (150) طفلاً، وحالياً يتواجد في الدار (37) طفلاً فقط.

من أين لك كل هذه الأموال للصرف على أسرتك ودراستك ودار الأيتام؟ هل الدولة والمؤسسات الحكومية تمولك؟

ليس لدينا في العراق هذه الثقافة المجتمعية التكافلية، وأغلب منظمات المجتمع المدني هي أصلاً بحاجة إلى الدعم، أما المنظمات الإنسانية العالمية التي تزور العراق، فهي تمتلك الأموال والإمكانيات الكثيرة، لكنها تتعاقد مع وكلاء لهم (سماسرة) في العراق، يسرقون نصف الأموال ويزورون في إيصالات الدفع ويشترون الذمم، وهؤلاء الوكلاء (السماسرة) كانوا وما زالوا يتجنبون التعامل معنا خوفاً من الفضيحة.

اخترنا موقعاً للدار في منطقة شعبية ومصروفنا كان قليلاً، وكنا نحضر الطعام للأطفال في بيتنا، وأصدقاء لنا في سوق (الشورجة) يوفرون المواد الغذائية التي نحتاجها، وكانت المدرسة قريبة جداً من الدار، وقد تكفل أصدقاء آخرون في السوق العربي وسوق الشورجة بملابس الأطفال، كل هذه الظروف والتسهيلات ساعدتنا على البقاء والاستمرار.

لم تقدم أية جهة الدعم لنا، وقد ذكرت في كتابي: “هؤلاء جعلوني إنساناً”، أسماء من دعمنا ومقدار ونوع الدعم.

IMG_1253

هشام الذهبي مع الزميل محمد المنصور

محمد المنصور

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2023.