الكومبس – ثقافة: مهما عبرنا من التجارب فنحن ابناء طفولتنا ومؤثراتها، ولسوف نظل نتذكر حكايا الطفولة وابطال قصصه او افلامها ومسرحياتها وموسيقاها وتأثيراتها فينا مهما كبرنا.
ان لكل منا ذخيرته الخاصة منذ الطفولة محفوظة في زاوية من زوايا الذاكرة، اشتقها واحدنا من كتاب قرأه في طفولته او من حكاية رويت له في احدى ليالي البرد او من فلم من افلام الكارتون التي شاهدها واطلقت شخصياته واحداثه افكارا نحو خيال بعيد.
وفي تراث منطقتنا القليل من القصص القديمة التي تم توثيقها للطفولة عدا ما تم سرده شفاهيا وتناقلته الألسن من الحكايا الشعبية والتاريخية على مر القرون.
ولكن الذاكرة ظلت تنقل فقط نصوصا شعرية كثيرة من ديوان العرب الشفاهي الذي ضم ” اغاني ترقيص الأطفال عند العرب” وهو النوع الأدبي الشهير الذي اسهمت في صياغته المرأة الأم اولا قبل ان يدخله الرجال ليقولوا قصائدهم واغانيهم في التفاخر “بالولد “او اعلاء صفاته البطولية.
وفي عصرنا الحديث بدأت تصلنا منذ القرن التاسع عشر وبداية عصر الترجمة الحديثة قصص كثيرة من مختلف جهات العالم مثل قصص الأمراء والأميرات والقلاع والحراس منذ اطلق حكاياته الخرافية الكاتب الدنماركي الشهير ” هانز كرستيان اندرسون” كحكاية الحورية الصغيرة، وعقلة الأصبع وجندي الصفيح وفرخ البط وغيرها.
ولكن من القصص التي جلبت اهتمامنا بقوة واثرت في خيالات طفولتنا قصة ” اليس في بلاد العجائب ” لمؤلفها البريطاني لويس كارول وما انطوت عليه من خيال وسفر ومغامرة.
وشغلتنا كثيرا قصة ” سنديريلا” بكل معاناتها وشجاعتها وحظها العاثر والقسوة التي واجهتها في حياتها.
كما اثرت في معظم طلاب المدارس العربية ترجمة حكاية ” ذات القبعة الحمراء” التي ترجمت الى العربية بعنوان “ليلى والذئب” لمؤلفهما الفرنسي شارل بيرو.. لما فيها من عبرة ودرس.
وتأتي حكايا”ببي لونغسترومب – Pipi Långsrump ” متأخرة قليلا وهي الشخصية التي ابتكرتها الكاتبة السويدية استريدلندغرين في اوائل الأربعينات من القرن الماضي لتصبح نموذجا لطفولة الكشف والتمرد والأختلاف والمغامرة لدى اطفال اوربا والعالم.
وقد دخلت ببي لونغسترمب الى منطقتنا مترجمة الى العربية بإسم ” جنان” الا ان حكاياها ومغامراتها وافلامها ساعدت كثيرا على اثراء مخيلة الطفولة.
لقد بلغت ” ببي” هذا العام2015 السبعين من العمر منذ خرجت من حكايا الأديبة السويدية استريد لندغرين عام 1941 حيث يبدو الأطفال الذين قرأوا حكاياتها منذ ذلك الوقت قد أصبحوا شيوخاً واجداداً يروون لأحفادهم مغامرات وقصص يحملونها من طفولاتهم الى احفادهم اليوم ليؤكدوا الحقيقة القائلة: اننا جميعا ابناء طفولاتنا.
والحق انني اتذكر خلال ايام حياتي هذه الجملة الحكيمة المترجمة: “الطفل ابو الإنسان” وذلك كلما رأيت انسانا من حولي يتصرف او يتكلم مع الآخرين والمحُ كيف ترُكت تربية الطفولة اثارها على سلوكه وحركته ولغته او افكاره.
والجملة هذه اصلا احدى اشهر مقولات مؤسس المدرسة الرومانتيكية الشاعر البريطاني “ووردزوورث – Wordsworth “والتي يمكن ترجمتها في صيغتين متقاربتين: الطفل ابو الإنسان- او الطفل ابو الرجل” حسب ما يرى المترجم في عبارة كاتبها” “The child is the father of the man “
فأن وجد المترجم ان يكتب حرف الميم حرفاكبيرا مثل “Man ” اصبح يمكن ترجمتها “انسان” وان اراد احدنا ان يترجمها “رجل” فهي ايضا موصلة للمعنى ، وفي كل حال فأن معناها يشير الى تأكيد دور الطفولة في تكوين ذواتنا وشخصياتنا وعواطفنا ومشاعرنا ولغتنا واحلامنا عندما نكبر.
وقد قيل في الأمثال : كيفما يكون الأدب .. يكون الولد.
بقلم: فاروق سلوم
farouq@alkompis.com