الكومبس – أخبار السويد: أظهرت تقديرات منظمة الصحة العالمية أن نحو 136 ألف شخص في السويد يعانون من اضطراب نفسي نادر يُعرف باسم الدرماتيلومانيا (Dermatillomani) أو اضطراب نكش الجلد.

يصنف المرض على أنه اضطراب قهري يدفع المصابين إلى خدش أو جرح بشرتهم باستمرار، ما يؤدي إلى جروح مزمنة ومعاناة نفسية كبيرة. ورغم انتشار الحالة، فإن الوعي بها لا يزال محدوداً جداً داخل النظام الصحي السويدي.

وكشفت دراسة سويدية جديدة من معهد كارولينسكا عن نتائج واعدة لعلاج هذا الاضطراب عبر أسلوب العلاج السلوكي الرقمي، مما يعطي الأمل لآلاف المصابين الذين يعيشون في صمت منذ سنوات. بحسب ما نقلت صحيفة SVD.

اهتمام بدأ من غرفة العلاج

قالت أخصائية علم النفس والباحثة في معهد كارولينسكا، ميا أسبلوند، إنها لاحظت خلال عملها في وحدة متخصصة باضطرابات الوسواس القهري عدداً متزايداً من المرضى الذين يقومون بنزع أو جرح الجلد بشكل قهري ومتكرر.

وأوضحت أن معظم الحالات تبدأ بلمس أو عصر بثور صغيرة أو قشور جلدية، لكنها تتحول تدريجياً إلى سلوك يصعب السيطرة عليه.

وأضافت أسبلوند “كثيرون يقومون بضغط البثور أو عضّ الأظافر من حين لآخر، لكن الفارق أن المصابين بالدرماتيلومانيا يُحدثون أذى حقيقياً لأنفسهم ويعانون من مشاعر خجل شديدة، وهذا ما يجعلها حالة مرضية تحتاج إلى علاج.”

وبيّنت أن المرض يُصنّف ضمن اضطرابات الوسواس القهري في الدليل التشخيصي، إلى جانب اضطرابات أخرى مثل نتف الشعر وجمع الأشياء القهري، مضيفة أن المرضى غالباً ما عانوا من جروح مفتوحة لفترات طويلة وأمضوا وقتاً كبيراً في محاولة إخفائها بالمكياج أو الملابس.

دراسة سويدية: علاج رقمي فعال

أجرت أسبلوند دراسة تجريبية على علاج رقمي سلوكي يُعرف باسم “تدريب عكس العادة”، يهدف إلى مساعدة المصابين على التعرف على سلوكهم القهري واستبداله بعادات بديلة أكثر أماناً. وشارك المرضى في جلسات أسبوعية عبر الإنترنت مع معالجين مختصين.

وأظهرت النتائج أن 40 في المئة من المشاركين تحسنت حالتهم بشكل واضح، بينما حوالي 30 في المئة منهم لم يعودوا يستوفون معايير التشخيص بعد انتهاء العلاج.

وقالت أسبلوند “ربما ليست النتائج مثالية، لكنها خطوة كبيرة إلى الأمام. هذا النوع من العلاج يمكن أن يخفف من مشكلة نقص الرعاية المتخصصة في البلاد، خصوصاً في المناطق الصغيرة.”

وأكدت أن العلاج الرقمي يمكن أن يكون وسيلة ناجحة للوصول إلى المرضى الذين يشعرون بالحرج من مراجعة العيادات أو الذين لا تتوفر لهم خيارات علاجية قريبة.

أسباب هرمونية وجينية محتملة

أشارت أسبلوند إلى أن النساء أكثر عرضة للإصابة، وغالباً ما يبدأ الاضطراب في سن البلوغ. وذكرت أن الهرمونات قد تلعب دوراً واضحاً في تطور الحالة، إذ أفادت كثير من النساء بأن الأعراض تزداد سوءاً أثناء الدورة الشهرية أو في سن اليأس.

كما أظهرت دراسات حديثة وجود عوامل وراثية مرتبطة بالاضطراب، إذ وُجد أن أكثر من فرد في العائلة الواحدة قد يعاني من حالات مشابهة.

و تعمل البروفسورة إميلي أولفسون في الولايات المتحدة، بجامعة ييل على بحث موسّع لتحليل الحمض النووي للمصابين وأفراد عائلاتهم لتحديد الجينات المسؤولة عن السلوك القهري.

وقالت أولفسون “ما زلنا في المراحل الأولى، لكننا نأمل أن تساعدنا الدراسات الجينية في فهم الأسباب البيولوجية وراء هذا الاضطراب، وهو ما قد يفتح الباب أمام علاجات دوائية فعالة خلال عامين.”

وأضافت أن العلاج السلوكي المعرفي هو حالياً الأسلوب الأكثر نجاحاً في الحد من الأعراض، بينما لا توجد حتى الآن أدوية مجرّبة بشكل معتمد، رغم أن بعض الدراسات أظهرت نتائج أولية واعدة باستخدام مادة “إن-أسيتيل سيستئين” (N-acetylcystein)، التي قد تساعد في تعديل نشاط الدماغ المرتبط بالسلوك القهري.

القبول النفسي جزء من الشفاء

اختتمت أسبلوند حديثها بالتأكيد على أهمية القبول النفسي كجزء أساسي من العلاج، وقالت “يحتاج المريض إلى أن يتعلم البقاء مع مشاعر القلق أو الانزعاج دون محاولة التخلص منها بسلوكيات ضارة. الحياة مليئة بعدم الكمال – تماماً مثل الجلد – والقبول هو خطوة ضرورية نحو الشفاء.”