أنان الفخ والحل

: 5/29/12, 3:37 PM
Updated: 5/29/12, 3:37 PM
أنان الفخ والحل

لم تعتد السلطة السورية استقبال مبعوثين دوليين يناقشونها في سلوكها على الأراضي السورية. لم تكن تقبل مثل هذا التدخل، سواء جاء حاملاً تحذيرات أم نصائح. كانت سورية تستقبل مبعوثين يطلبون مساعدتها لضبط حريق اقليمي تمتلك قدرة التأثير فيه او تحريك خيوطه. انتهت تلك المرحلة. تحولت سورية دولة مريضة. ملفها مفتوح في العواصم القريبة والبعيدة وكذلك في مجلس الامن.

لم تعتد السلطة السورية استقبال مبعوثين دوليين يناقشونها في سلوكها على الأراضي السورية. لم تكن تقبل مثل هذا التدخل، سواء جاء حاملاً تحذيرات أم نصائح. كانت سورية تستقبل مبعوثين يطلبون مساعدتها لضبط حريق اقليمي تمتلك قدرة التأثير فيه او تحريك خيوطه. انتهت تلك المرحلة. تحولت سورية دولة مريضة. ملفها مفتوح في العواصم القريبة والبعيدة وكذلك في مجلس الامن.

لا تستطيع السلطة السورية اليوم رفض استقبال انان. لا لأنها تعتبر ان الترياق موجود في حقيبته بل لأن استقباله يساعد روسيا والصين على الاستمرار في الوقوف الى جانبها. الرفض سيضاعف عزلتها على الصعيد الدولي. مقعدها في الجامعة العربية شاغر. المشاهد التي تنقلها الشاشات أَلَّبت ضدها الرأي العام العربي والاسلامي والدولي. كلما فُتح ملفها في مجلس الامن تحتاج الى العضلات الروسية لحمايتها من إدانات صريحة او صارمة.

ما كانت سورية لتستقبل انان لو نجحت في انهاء الاحتجاجات المفتوحة على اراضيها. وفر لها الموقف الروسي الكثير من الوقت ولم تتمكن. غاصت اكثر في نزاعها وتزايدت مشاهد القسوة المروعة والاستخدام المفرط للقوة. المشاهد الاخيرة شكلت عبئاً على حلفائها. ظهر ذلك جلياً في إدانة مجلس الامن مجزرةَ الحولة. استطاعت روسيا تخفيف الادانة ولم تتمكن من شطبها.

تستند مهمة انان الى عجزين أظهرتهما الفترة الماضية: عجز النظام عن وأد حركة الاحتجاجات، وعجز المعارضة عن اقتلاع النظام. تستند ايضا الى عجز الدول الغربية و «اصدقاء سورية» عن تكرار الحل الليبي، وثمة من يؤكد ان الرغبة غير موجودة لأسباب كثيرة. ولأن العالم لا يستطيع ان يبقى صامتاً او متفرجاً، بدت مهمة انان وكأنها فرصة لمن يريد الرهان عليها او الاختباء خلفها او ملء الوقت بها، بانتظار تطورات او مفاجآت او تبدلات. المعارضة أيضاً ما كانت لتقبل بأدوية أنان لو كانت تعتقد ان الحسم وشيك او قريب.

للوهلة الاولى يبدو انان ضعيفا. التطورات على الارض تنذر بنزاع دموي طويل يحمل نكهة الحرب الاهلية. الانقسام في مجلس الامن يحول دون توجيه رسالة قوية وموحدة. قسوة المشاهد السورية وطبيعتها يمكن ان تجتذب محاربين خارجيين الى الساحة السورية. الايام الاخيرة اكدت قدرة التوتر على العبور الى الدول المجاورة. في المقابل، يبدو انان قويا. إنه حاجة اميركية وروسية ودولية. قوي بسبب ضعف الفريقين المتحاربين وعجزهما عن الحسم. وقوي لأن لا احد غيره يملك حلاًّ او محاولة لإنجاز حل.

ترحب الاطراف بمهمة انان وتراودها شكوك عميقة فيها. تعرف سورية ان نقاطه الست هي بمثابة قرار دولي بإدخال تغييرات على النظام الذي كان قائماً عشية الاحتجاجات. تأكدت اليوم أنها وقعت في الفخ لدى اضطرارها الى استقبال المراقبين. شهادة رئيسهم بعد مجزرة الحولة بالغة الخطورة على رغم التحفظ الذي رافق صياغتها. تطبيق نقاط انان يضع النظام امام خيار وحيد هو الشراكة وتوزيع المواقع والصلاحيات وتقليم اظافر اجهزة الامن. تغييرات من هذا النوع تفضي عملياً الى قيام نظام آخر. هذا من دون ان ننسى ان بعض الدول الداعمة لمهمة انان تريد تطويرها باتجاه الحل اليمني. المعارضة ايضا رأت في مهمة انان فخاً يعطي مزيداً من الوقت للنظام ويطالبها بالحوار معه اذا طبق النقاط الاخرى. لكن المعارضة وفي غياب البدائل تتجرع مهمة انان وتنتظر.

تزداد سورية غرقاً في نزاعها الدامي. تعطي المجازر والتفجيرات انطباعاً بأن التراجع صار بالغ الصعوبة، كي لا نقول مستحيلاً. الخسائر التي لحقت بالنظام تغريه بالولوغ في نهجه الحالي المفتوح على كل الاخطار. الخسائر التي لحقت بالمعارضة تغريها بالبحث عن الانتصار الكامل مهما كان باهظاً. ومن بوابة الاخطار التي تهدد سورية والمنطقة بفعل نزاع بلا ضوابط، يحاول انان لجم الميول الانتحارية واستكمال مظلته الدولية والاقليمية، على رغم إدراكه ان سورية ليست ليبيا وليست اليمن ايضاً. والخيارات ضيقة: إما أنان وإما الحرب الاهلية. والتجارب تقول إن تناول الدواء المر أفضل بكثير من خيار القفز من النافذة.

غسان شربل

الحياة اللندنية

الثلاثاء ٢٩ مايو ٢٠١٢

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.