أنقرة – دمشق: أكثر من الكلام وأقل من الحرب

: 10/17/12, 9:16 PM
Updated: 10/17/12, 9:16 PM
أنقرة – دمشق: أكثر من الكلام وأقل من الحرب

مع أن الكثيرين يعتقدون أن العلاقات بين دمشق وأنقرة قد تأزمت خلال الأيام الماضية إلى درجة إعلان الحرب، إلا أن الحقيقة ليست كذلك، فالعلاقات المتأزمة بين البلدين الجارين لا تزال تراوح على حالها، ومن الصعب أن ينخرط الطرفان في صراع لا تبدو المنطقة، ولا المجتمع الدولي، جاهزةً لها.

مع أن الكثيرين يعتقدون أن العلاقات بين دمشق وأنقرة قد تأزمت خلال الأيام الماضية إلى درجة إعلان الحرب، إلا أن الحقيقة ليست كذلك، فالعلاقات المتأزمة بين البلدين الجارين لا تزال تراوح على حالها، ومن الصعب أن ينخرط الطرفان في صراع لا تبدو المنطقة، ولا المجتمع الدولي، جاهزةً لها.

ويذهب بعض السوريين للقول إن رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، ومن خلفه حزب العدالة والتنمية، لم يقدموا للسوريين المعارضين سوى الخطب الرنانة والوعود البراقة، فيما ظل حديثهم عن دعم المعارضة بالسلاح، وإقامة منطقة عازلة آمنة بين البلدين مجرد دعاية إعلامية لم تزد من بريقها عودتهم للتاريخ العثماني المشترك بين العرب والأتراك، فغايتهم أن تخرج تركيا بحصتها من الربيع العربي، بعدما أضاعت فرصاً كثيرةً في مصر وليبيا وتونس واليمن. لكن الكلام وحده لا يكفي بعدما وضعت تركيا على المحك وصار المطلوب منها الأفعال لا الأقوال إذا أرادت أن لا تخرج من الأزمة السورية خالية الوفاض.

الاشتباكات وسياسة عدم الاستفزاز

ومن الواضح من مجريات الأمور على حدود البلدين أنه من الصعب أن تتحول الاشتباكات المسلحة المحدودة بينهما إلى حرب واسعة النطاق. بل إن بعض معارضي أردوغان من الأتراك يشككون بالفم الملآن بالردود المدفعية التركية على القذائف التي طالت أراضيهم، ويقولون إن الرد لم يتخط الإعلان الإعلامي ليس أكثر.

وفي هذا الإطار يرى المراقبون أن البلدين لا يرغبان باندلاع حرب شاملة بينهما، وأن سورية تحاول بجدية عدم استفزاز تركيا على الرغم من وجود مسوغات كثيرة لذلك حيث تتهم دمشق الحكومة التركية بفتح حدودها لدخول المسلحين وتأمين الدعم العسكري والمادي لهم، وبممارسة القرصنة عبر حادثة الطائرة السورية التي أجبرت على الهبوط في أنقرة، وخير دليل على موقف دمشق أن الرئيس السوري بشار الأسد قد أمر بعدم اقتراب الطائرات العسكرية من الحدود السورية التركية حتى 10 كم، وهو أمر لم تنفه تركيا، بل يجري التسويق له كثمرة من جهود كبيرة بذلها حزب العدالة والتنمية منذ اندلاع الأزمة السورية لإنشاء منطقة عازلة في سوريا.

مقترح روسي للتواصل الأمني

كذلك رحبت وزارة الخارجية السورية قبل يومين، باقتراح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إقامة آلية للتواصل الأمني بين سوريا وتركيا. وكان لافروف، أعلن قبل أيام، أن دمشق وأنقرة مستعدّتان لإقامة خط اتصال مباشر. وقال للصحافيين، عقب كلمة ألقاها أمام مجلس الاتحاد الروسي، إن "التجربة تشير إلى أنه عند بدء التوترات فإن الطريقة الأفضل لإزالتها هي إنشاء خط اتصال مباشر. وأنا أعلم أن تركيا وسوريا مستعدّتان لذلك.. ستكون أبسط طريقة لإزالة سوء التفاهم. ونحن مهتمون بأن يكون هناك قناة تواصل وسنشجع الشركاء على تحقيق ذلك".

مراقبون رأوا في الاقتراح الروسي وصفة مثالية للتقريب بين دمشق وأنقرة، لكنهم رأوا أيضاً أن خط الاتصال المقترح لن يحل جملة المشاكل المتفجرة بين البلدين الجارين، لكنه قد يوقف تصاعد الأمور إلى خطوط الحرب الحمراء، والتي يرفضها حتى حلف الناتو رغم أن تركيا دولة عضو فيه، وسبب الرفض ضرورة حل الأزمة السورية سلمياً حسب تصريحات قادة الناتو. المراقبون أنفسهم يجدون صعوبة كبيرة لدى أنقرة في العودة عن مواقفها العلنية الداعمة للثورة السورية، ولرحيل الأسد، لكنها لن تفعل أكثر من استقبال اللاجئين، وتأمين حركة المسلحين المعارضين، وحشد الفرق العسكرية على الحدود كعوامل ضغط على النظام السوري، ولإقناع شعبها، ومعهم السوريون والعرب، أنها تفعل شيئاً غير الكلام وانتظار أن تحقق المعارضة السورية ما سعت هي إليه بالمؤتمرات والخطب من إقامة المنطقة العازلة، وصولاً لتغييرات دراماتيكية على الأرض السورية التي يبدو للمحايد والمنحاز أن موازين القوى على الأرض تراوح في مكانها على جميع محاور القتال.

مخاوف تركية من الحرب الواسعة

هؤلاء المراقبين يقولون إن تركيا لن تذهب بعيداً في خيار التصعيد مع دمشق وصولاً إلى حالة الحرب لسببين: أولهما عدم قناعتها بتوفر الأجواء التي من شأنها أن تضمن لها عملاً عسكرياً ناجعاً يكفل تحقيق أهدافه بأقل كلفة ممكنة على كافة الصعد. وأما ثانيهما فيكمن في مخاوف تنتاب القيادة التركية من التداعيات السلبية الخطيرة التي قد تنجم عن اشتعال حرب واسعة مع دمشق. وتعي أنقرة جيداً أن القوى الإقليمية والدولية لم تحسم بعد أمرها حيال مصير بشار الأسد، ففي حين يتراءى لبعضها إبقاؤه في الحكم لمرحلة انتقالية مع التخلص من الشخصيات الأشد نفوذا، يذهب بعض آخر إلى ضرورة الإطاحة به.

وقد شعرت أنقرة بذلك حين اكتفى مجلس الأمن الدولي بإصدار بيان محايد وغير ملزم يدين، على استحياء، العدوان السوري على تركيا، وحين عقد حلف الناتو اجتماعاً طارئاً على مستوى السفراء ببروكسل إثر دعوة تركية بموجب المادة الرابعة من ميثاقه وليس المادة الخامسة، التي تلزم الحلف بالتدخل لنصرة أية دولة عضو فيه تتعرض للعدوان. واكتفاء الناتو بإدانة العدوان السوري على تركيا والمطالبة بوقفه، ومناشدة الطرفين ضرورة ضبط النفس والتصرف بحكمة لتجنب تفجير المنطقة.

العبء السوري وتردد أردوغان

ومن الأمور التي تزيد من تردد حكومة أردوغان للمضي بعيداً في التصعيد ضد دمشق أن غالبية الأحزاب التركية لا تبدي حماساً للتصعيد العسكري. وفي هذا الصدد يعتبر الحزب الجمهوري، وهو أقوى أحزاب المعارضة، سياسة حكومة العدالة حيال التدخل العسكري فيها مراهقة سياسية تستتبع ضرراً بالغاً بمصالح تركيا. ووفق المعارضة فإن زيادة التصعيد العسكري يحمل معه احتمالات سقوط سوريا في غياهب حرب أهلية، لا تستطيع تركيا التي تتجاوز حدودها المشتركة معها 900 كيلومتر دفع تبعاتها..

كما أن أي تدخل واسع ينبغي أن يأخذ بالحسبان إمكانية وقوع سوريا في فراغ أمني لن تستطيع تركيا سده بسهولة وسرعة وهو ما يتطلب إستراتيجية محددة لا يبدو أن حكومة أردوغان قد وضعتها على مائدة البحث والدراسة، وهو أمر تدركه القيادة السورية جيداً في تقييمها لمدى نية أنقرة في التصعيد وصولاً إلى ساحات الحرب المعلنة. وتتسلح دمشق في تقييمها هذا إلى الخارطة الإقليمية والدولية التي أعطتها حتى الآن غطاء يحميها من التدخل الدولي المباشر، ومن تكثيف الأطراف الإقليمية لدعمها للمعارضة المسلحة.

موسكو وواشنطن ومعادلات إقليمية

وفي هذا الإطار تبدو أنقرة مسلمة بواقع الأمر من أن واشنطن لن تطلب من موسكو أكثر مما طلبت في الماضي، وأنه من الصعب فك التحالف المتين بين دمشق وحليفتيها إيران والعراق اللتين لن تسمحا بسقوط النظام السوري لاعتبارات كثيرة.

قد تعلو نيران التصريحات بين أنقرة ودمشق، وقد يتوالى سقوط القذائف على جانبي الحدود بين البلدين، لكن من الصعب نشوب حرب واسعة بينهما، فلا يبدو أن أحداً يريد حرباً كهذه، لا من الداعمين لبقاء الأسد ولا بين الداعين لتنحيه ورحيله، ربما لأن لا أحد قادر الآن، أو في المستقبل القريب على دفع فاتورة حرب كهذه في شرق أوسط لم تجلب له التدخلات لقلب أنظمة الحكم بالقوة إلا مآس لازالت شاخصة في العراق وليبيا

منى الأسدي

موقع الشرق الجديد الروسي.

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.