الكومبس – دمشق: يستقبل السوريون شهر رمضان هذا العام في أجواء مختلفة تمامًا عن السنوات الأربعة عشر الماضية. فبعد أعوام طويلة من المعاناة الاقتصادية والأمنية، يأتي هذا الشهر وسط تغييرات سياسية كبيرة في البلاد، حيث يتطلع السوريون إلى استعادة روح رمضان التي غيّبتها الحرب والانقسامات. ورغم الأزمات المستمرة، إلا أن مشهد الأسواق والمنازل يوحي بأن السوريين يسعون لاستعادة طقوسهم الرمضانية التي افتقدوها.

الأسواق تتزين، والأسر تستعد بطريقتها الخاصة

مع انتصاف شهر شعبان، بدأت الأسواق السورية تكتسي حلّة رمضان، وظهرت أسواق جديدة في الأحياء الشعبية، فيما توافد المواطنون لشراء مستلزمات الشهر الكريم. وعلى الرغم من أن الأسعار ما تزال مرتفعة، فإن الأمل بتحسن الظروف يخفف من وطأة الغلاء، كما يؤكد عدد من المواطنين.
نضال الديري، وهو أحد سكان دمشق، يقول: “هذا أول رمضان نعيشه بدون حكم العائلة المجرمة، لذا فهو مختلف تمامًا. لأول مرة منذ سنوات، سأزين منزلي بالفوانيس الرمضانية احتفالًا بهذه المناسبة، بعدما كنت أمتنع عن ذلك حدادًا على الضحايا”.
أما أبو ماجد، المقيم أيضًا في دمشق، فيؤكد أن “الفرحة برمضان هذه المرة مضاعفة، فنحن أحرار أخيرًا، لكن للأسف لا تزال الظروف الاقتصادية صعبة، والدخل لا يتناسب مع الاحتياجات المتزايدة في هذا الشهر”.

الأسواق تعج بالبضائع، ولكن القدرة الشرائية محدودة

في الأسواق الرئيسية بالعاصمة، تتوفر جميع الأصناف الغذائية التي اعتاد السوريون على شرائها خلال رمضان، لكن الأسعار المرتفعة تجعل من الصعب على كثيرين تأمين حاجياتهم. أبو جمال، تاجر مواد غذائية، يشير إلى أن “كميات كبيرة من البضائع وصلت مبكرًا، لكن الإقبال محدود بسبب ضعف القدرة الشرائية. نحاول كالتجار تنظيم بعض المبادرات الخيرية، لكنها لا تكفي لسد احتياجات الفقراء”.
من جانبها، تتحدث أم راشد، وهي ربة منزل، عن الصعوبات التي تواجهها في تحضير متطلبات الشهر الكريم: “في السابق، كنا نجهز أطعمة رمضانية خاصة ونشارك الجيران بها، لكن اليوم بالكاد نتمكن من شراء الأساسيات”.

في الشمال السوري.. رمضان في المخيمات أكثر قسوة

الأوضاع في شمال سوريا لا تختلف كثيرًا عن بقية المناطق، بل ربما تكون أكثر صعوبة. فمع استمرار النزوح وتدهور الأحوال المعيشية، يجد السكان أنفسهم أمام تحديات إضافية. محمود جاسم، أحد سكان المخيمات في الشمال، يقول: “للسنة الثامنة أقضي رمضان في المخيم. هذا العام زادت معاناتنا بسبب البرد الشديد ونقص وقود التدفئة وغاز الطهي”.
ورغم الجهود الإغاثية، لا تزال الاحتياجات كبيرة. ففي قرية ناريمان بريف إعزاز، تم تجهيز قرية خاصة للأرامل والأيتام غير المصحوبين بذويهم، حيث تقدم لهم جمعية شام للأيتام وجبات إفطار يومية. ورغم هذه المبادرات، يؤكد العاملون في الإغاثة أن الموارد لا تكفي لسد جميع احتياجات النازحين.

في شرق سوريا.. هواجس أمنية تعكر الأجواء

في شمال شرق البلاد، يواجه السكان أزمات اقتصادية حادة بسبب الجفاف الذي أثر على المحاصيل الزراعية، إلى جانب مخاوف أمنية متزايدة. علي مصطفى، تاجر في مدينة الطبقة، يقول: “لم أرَ إقبالًا ضعيفًا على الأسواق مثل هذا العام. تراجع الإنتاج الزراعي أثّر على الدخل، والناس بالكاد يستطيعون شراء الطعام”.
إلى جانب الأوضاع الاقتصادية، تثير الحالة الأمنية قلق السكان. أحد سكان الرقة يقول: “نشعر بالخوف مع انتشار الحواجز وحفر الأنفاق والاستنفار الأمني لقوات قسد. كيف يمكننا الاستمتاع برمضان ونحن لا نعرف إن كنا سنضطر للنزوح في أي لحظة؟”.

رمضان في ظل التغيير.. فرحة مؤجلة؟

رغم الأزمات الاقتصادية والأمنية التي لا تزال تثقل كاهل السوريين، إلا أن رمضان هذا العام يحمل معنى خاصًا لكثيرين. فبينما تحاول العائلات استعادة أجواء الفرح والاحتفال، تبقى التحديات كبيرة، ويبقى الأمل بتحسن الأوضاع هو ما يجعلهم يتمسكون بطقوس هذا الشهر الكريم، في انتظار أيام أفضل.