اجماع على التهدئة في غزة واختلاف في الشروط والأسباب

: 11/20/12, 1:01 PM
Updated: 11/20/12, 1:01 PM
اجماع على التهدئة في غزة واختلاف في الشروط والأسباب

تزداد المؤشرات إلى قرب التوصل إلى تهدئة في قطاع غزة. وتتكثف الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى تهدئة بين التنظيمات الفلسطينية في قطاع غزة وإسرائيل، وتصل وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلى المنطقة، وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في محاولة للتوصل إلى وقف إطلاق النار، وتجنب عملية برية في غزة، ووضع أسس لتهدئة أو هدنة بين طرفي النزاع.

تزداد المؤشرات إلى قرب التوصل إلى تهدئة في قطاع غزة. وتتكثف الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى تهدئة بين التنظيمات الفلسطينية في قطاع غزة وإسرائيل، وتصل وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلى المنطقة، وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في محاولة للتوصل إلى وقف إطلاق النار، وتجنب عملية برية في غزة، ووضع أسس لتهدئة أو هدنة بين طرفي النزاع.

ويرجح خيار التوصل إلى تهدئة بين إسرائيل والتنظيمات السياسية في قطاع غزة على خيار التصعيد والاجتياح البري للجيش الإسرائيلي. ويبحث الدبلوماسيون العرب والغربيون مع قادة حماس والجهاد الإسلامي من جهة والجانب الإسرائيلي من جهة أخرى السيناريو الأفضل لوقف العمليات العسكرية المتواصلة. ويعيق التشدد الواضح في مواقف جانبي الصراع العلنية التوصل إلى صيغة حل وسط لإنهاء الجولة الحالية من الصراع، ومنع توسيع العمليات إلى اقتحام بري، والحد من تأثيراتها الإقليمية والعالمية.

ومع أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يظهر تشددا واضحا، ويلوح بعصاه الغليظة لضرب غزة بعملية برية واسعة، فالأرجح أنه بات في أمس الحاجة إلى مخرج لائق يجنبه مخاطر الإنزلاق في مستنقع يمكن أن يحرمه من أصوات كثيرة على أبواب انتخابات الكنيست المقررة في 22 يناير/كانون الثاني 2013. ويبدو أن جهد نتنياهو الحالي ينصب من أجل التوصل إلى صفقة تضمن، على الأقل، تهدئة شاملة لعدة أسابيع حتى انقضاء موعد الانتخابات. ففي مقابل دعم 84 في المئة من الإسرائيليين لعملية "عمود السحاب"، فإن 30 في المئة منهم فقط يؤيد عملية برية للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. ومع الدعم الواضح من الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإسرائيل فإنه يؤكد أنه "من المفضل" عدم اجتياح غزة.

ويشير محللون سياسيون إسرائيليون إلى أن العملية الإسرائيلية استنفدت نفسها منذ اليوم الرابع. ومنذ بداية التصعيد الأخير في يوم الأربعاء الماضي تجاوز عدد المواقع الفلسطينية المستهدفة بالضربات الجوية والبحرية أكثر من 1500 هدف، وللمقارنة فإن الجيش الإسرائيلي وجه 650 ضربة فقط في أثناء عملية "الرصاص المصبوب" نهاية 2008 بداية 2009. ويتضح من تصعيد اليومين الأخيرين أن "بنك الأهداف" الإسرائيلي بات يضم مواقع مدنية أدت إلى مقتل عائلة الدلو بأكملها وسقوط عشرة من أفرادها يعودون إلى أربعة أجيال متتالية. ويزداد عدد القتلى والجرحى في صفوف المدنيين وخصوصا الأطفال مما يزيد النقمة الشعبية في بلدان العالم على إسرائيل التي بدا واضحا أنها خسرت الحرب الإعلامية الحالية.

لا مصلحة لإسرائيل بعملية برية…

ويبدو أن تلويح نتنياهو المستمر بعملية برية يأتي في إطار محاولاته لفرض شروط أفضل للتهدئة، فالصحافة العبرية كشفت أن ثمانية من كبار الجنرلات في إسرائيل أكدوا بوضوح في اجتماع مع وزير الدفاع إيهود باراك رفضهم لأي عملية برية ضد قطاع غزة.

وبالعودة إلى أهداف العملية الإسرائيلية الأساسية التي طرحها الجيش الإسرائيلي وهي تدمير القوة الصاروخية لكتائب القسام والأجنحة العسكرية الأخرى يتضح أن إسرائيل أخفقت في تحقيق هذا الهدف في ظل استمرار اطلاق الصواريخ، وتوسع دائرة استهدافها لتصل إلى تل أبيب وما بعدها، ولن يتسنى لها تحقيق هذا الهدف إلا في ظل عملية برية مكلفة، ولن تكون حاسمة على الأغلب لأن التقديرات الإسرائيلية الخيرة تشير إلى أن المقاومة الفلسطينية وخصوصا حماس والجهاد استطاعت ترميم وزيادة ترسانتها الصاروخية عقب عملية "الرصاص المصبوب" لتصل حسب بعض التقارير إلى أكثر من 15 ألف صاروخ. وبعد "الصيد الثمين" باغتيال أحمد الجعبري القائد الفعلي لكتائب القسام فإن وقوع المزيد من الخسائر في صفوف الجنود أو المدنيين يمكن أن يتحول وبالا على مخططي العملية. ومما لا شك فيه أن إسرائيل استطاعت اختبار الرد العربي وطبيعة العلاقة مع مصر ما بعد ثورة 25 يناير وصعود الإخوان المسلمين إلى الحكم، واتضح لها ما يمكن أن تذهب إليه مصر في حال استهداف غزة إلا أن زيادة الخسائر في صفوف المدنيين والحملة البرية على غزة قد تضطر القيادة المصرية الجديدة إلى الذهاب أبعد من سحب السفير، وإيفاد رئيس الوزراء خصوصا في حال لاقت دعما عربيا واضحا من مجلس التعاون الخليجي. وفي موضوع اختبار الحالة العربية بعد الربيع فالمؤكد أن إسرائيل تخشى من انعكاسات العدوان على المعادلة الفلسطينية الداخلية ومصير السلطة الفلسطينية في رام الله، وتتحوط لاحتمال انفجار الأوضاع خصوصا في ظل حالة الغليان، والاشتباكات المتواصلة على الحواجز الإسرائيلية وفي مدينة الخليل وسقوط شهداء وجرحى، وظهور بوادر لتشكيل وعي فلسطيني جديد يشكك في جدوى المفاوضات التي لم تجلب أي شي بل على العكس أدت إلى تمادي إسرائيل في الاستيطان وتهويد القدس وتعطيل أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية قادرة على الحياة. ومما لا شك فيه أن إسرائيل غير مستعدة لاحتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة تكون تتويجا للربيع العربي وتفرز قيادات جديدة تتجاوز التنظيمات الحالية التي يزداد ضعفها مع خنق الاقتصاد الفلسطيني وعدم جدية إسرائيل في المفاوضات وعدم تقديمها أي تنازلات جوهرية فيما يخص ملفات الإستيطان والقدس وحق العودة.

كما يسود خوف من تحول النقمة الشعبية في الأردن على الإجراءات الإقتصادية إلى احتجاجات مزدوجة على الأوضاع المعيشية والموقف الرسمي من معاهدة السلام مع إسرائيل والعلاقات معها.

هل تتوسل إسرائيل الهدنة؟

ورغم الحالة المتماسكة لقادة إسرائيل فإن مراقبين يؤكدون أنها تتوسل الهدنة، وتعيش حالة من الارتباك لأن الردود الإقليمية في العملية الحالية تخالف تماما ماجرى في العام 2008 في غزة، والعام 2002 أثناء اجتياح الضفة. فالعامل العربي لا يشكل ضاغطا كبيرا على الفلسطينيين بل على العكس يمنهحم متنفسا ومجالا للمناورة، وتبدي الحكومات تضامنا من المتوقع أن يبلغ مستوى جديدا مع زيارة وفد من وزراء الخارجية العرب إلى غزة اليوم الثلاثاء.

وذكرت صحيفة الحياة اللندنية أمس أن مصر تسعى إلى التوصل إلى اتفاق تهدئة يكون جاهزا أثناء وجود الأمين العام للأمم المتحدة في القاهرة اليوم. وكشفت الصحيفة أن الإسرائيليين وضعوا شرطا مسبقا بوقف إطلاق الصواريخ من أجل استمرار المفاوضات، ونقلت الصحيفة عن مصادر أن إسرائيل طرحت ستة شروط أولها تهدئة طويلة الامد تصل حتى 15 عاماً.

وثانيها وقف فوري لتهريب الاسلحة وعدم ادخالها الى قطاع غزة. وثالثها وقف اطلاق النار من قبل جميع التنظيمات الفلسطينية على الجنود الاسرائيليين المنتشرين على الحدود مع غزة. وفي الشرط الرابع تصر إسرائيل على حقها في ملاحقة عناصر من التنظيمات الفلسطينية، في حال تعرض جنودها لاعتداء او حصلت على معلومات للتخطيط لاعتداء. وفي الشرط الخامس تشدد إسرائيل على أن فتح معبر رفح يتم بالتنسيق مع إسرائيل فيما فيما تبقى المعابر باتجاه اسرائيل مغلقة. وفي الشرط السادس تشدد إسرائيل على أن المستوى السياسي في مصر هو الذي يشرف على اتفاق التهدئة وليس المستوى الامني.

وفي مقابل الشروط الإسرائيلية تطالب حماس بفك الحصار عن غزة، وعدم دخول الجيش الاسرائيلي الى المنطقة المحاذية للجدار الحدودي، ووقف سياسة الاغتيالات والتوقف عن توجيه ضربات ضد الصيادين الغزيين.

واعتبر رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل أمس أن التهدئة ممكنة لكن حركته التي لن تقبل بالشروط الإسرائيلية وتريد من إسرائيل وقف غاراتها اولا ورفع حصارها عن القطاع.

وقال من القاهرة "إن أرادوا( الإسرائيليون) وقف إطلاق النار فمن بدأ الحرب عليه أن يوقفها"، واضاف أن نتنياهو طلب التهدئة، وأشار إلى أن نتنياهو يخشى العواقب الداخلية لحرب برية على غرار ما قامت به إسرائيل قبل أربعة أعوام. وتوعد بأن الهجوم البري لن يكون نزهة وأنه

قد ينهي مستقبل نتنياهو السياسي ويكلفه الهزيمة في الانتخابات.

استنفار دبلوماسي في محيط متغير

تشهد المنطقة استنفارا دبلوماسيا من أجل الحد من انعكاسات العملية العسكرية على غزة، ومنع الاجتياح البري. وتكثفت الزيارات على خط القاهرة تل أبيب في شكل لافت منذ بداية الأحداث. وتتحول القاهرة مرة أخرى إلى مركز الحدث لكن في ظروف مغايرة. فالقيادة المصرية الجديدة غير مهتمة بممارسة ضغوط على حماس والجهاد الإسلامي والتنظيمات الفلسطينية في شكل كبير، رغم أن موقفها بات أصعب مع استنفاد كل الوسائل التقليدية لديها للضغط على إسرائيل منذ اليوم الثاني للعدوان بسحب السفير، وإيفاد رئيس الوزراء إلى غزة. ويتضح أن الدور المصري الجديد يغاير تماما الدور الذي لعبه الرئيس السابق حسني مبارك ورئيس مخابراته عمر سليمان. ولا تمانع مصر الجديدة في مرور وزراء الخارجية العرب والأجانب عبر أراضيها إلى غزة للتضامن مع أهلها.

والواضح أن فرص نجاح التهدئة بات أكبر بكثير من فرص التصعيد والاجتياح البري لكن الأطراف تسعى إلى "تخريجة" غير محرجة. وأيا كانت الشروط لهذه التهدئة فإن الوقائع تثبت أن زمن الانتصارات الخاطفة للجيش الإسرائيلي أضحت من الزمن المنسي، وأن نتنياهو لن يستطيع التباهي بصورة أحمد الجعبري قتيلا واستغلالها في حملته الانتخابية. وربما يحفز "إنتصار" قوى المقاومة في غزة أبناء الضفة والقدس على تنظيم صفوفهم والضغط على القيادات الحالية باتجاه استبعاد خيار المفاوضات والبحث عن نموذج كفاحي جديد يجبر الإسرائيليين على التنازل. وأخيرا فإن نتنياهو قرر البدء بالحرب ويبدو أنه غير قادر على فرض شروطه لإنهاء العملية الحالية التي يمكن أن تتحول كابوسا يقض مضجعه حتى موعد الانتخابات المقبلة، ومما لا شك فيه أنه يبحث عن "صيد ثمين" آخر ينهي به عمليته ضد غزة بعدما ثبت أنها مغامرة غير محسوبة النتائج.

سامر الياس

روسيا اليوم

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.