يتوجه الناخبون المصريون بعد أيام للإدلاء بأصواتهم في جولة الإعادة لاختيار رئيس للجمهورية، وفيما يحتدم التنافس السياسي بين المرشحين محمد مرسي، وأحمد شفيق يبدو واضحاً أنه أيا كان الفائز فإنه سوف يواجه صعوبات جمة في المجال الاقتصادي بعد مشكلات المرحلة الانتقالية، إضافة إلى تركة قاسية خلفتها ثلاثة عقود من السياسات الاقتصادية لنظام الرئيس حسني مبارك
يتوجه الناخبون المصريون بعد أيام للإدلاء بأصواتهم في جولة الإعادة لاختيار رئيس للجمهورية، وفيما يحتدم التنافس السياسي بين المرشحين محمد مرسي، وأحمد شفيق يبدو واضحاً أنه أيا كان الفائز فإنه سوف يواجه صعوبات جمة في المجال الاقتصادي بعد مشكلات المرحلة الانتقالية، إضافة إلى تركة قاسية خلفتها ثلاثة عقود من السياسات الاقتصادية لنظام الرئيس حسني مبارك، أدت إلى تهميش الطبقة الوسطى، واستشراء الفساد وتغوله، وتزاوج بين السلطة ورجال المال في سياسة "نيوليبرالية" تسببت في تراجع مستوى معيشة فئات واسعة من الشعب المصري، مقابل ثراء فاحش لطبقة مرتبطة بالسلطة.
مشكلات بنيوية…
وتبرز في وجه الرئيس المقبل معضلة ضمان الحياة الكريمة لأكثر من 90 مليون مصري، اضطر نحو عُشرهم إلى هجرة بلده بحثاً عن لقمة العيش، فنحو 42 في المئة من المصريين يعيشون تحت خط الفقر، وعشرون في المئة منهم يرزحون في فقر مدقع، ويصل حجم الديون الداخلية والخارجية إلى نحو 239 مليار دولار أي ما يساوي حجم الناتج المحلي الإجمالي، وبحسبة بسيطة فإن نصيب الفرد المصري من الديون يصل إلى 2900 دولارا، وتحتاج الحكومة إلى 50 مليون دولار لخدمة فوائد الديون المتراكمة. وينخر الفساد في المؤسسات المصرية وتصل كلفته السنوية إلى نحو خمسة مليارات دولار. ولم تبذل الحكومات السابقة في عهد مبارك ما يكفي من أجل تطوير الصناعة في مصر، فلم يتوسع القطاع الصناعي في مصر عن 15 في المئة، رغم امتلاك البلاد الكثير من المقومات اللازمة كالمواد الخام والأيادي الماهرة الرخيصة، وقربها من أسواق كثيرة في المنطقة، كما عانى القطاع الزراعي في الحقبة السابقة من الإهمال رغم أنه يشكل(13.5) من الناتج المحلي الإجمالي، و15 في المئة من صادرات مصر، ويشغل نحو 27 في المئة من سكان أرض الكنانة.
وفي مقابل ذلك كله انصب تركيز الحكومات في عهد مبارك على الاقتصاد الريعي، والاعتماد على السياحة، وموارد قناة السويس، وتحويلات المصريين من الخارج.
الثورة وهموم الاقتصاد…
ساهم طول الفترة الانتقالية، والاضطرابات والاحتجاجات المطلبية لفئات واسعة بعد نجاح ثورة 25 يناير 2011، وحالة الانفلات الأمني في تراجع مؤشرات الاقتصاد الاقتصاد المصري، فبعد نمو الناتج المحلي في العام 2010 بنحو (5.1) في المئة، لم تتجاوز نسبة النمو (1.8) في المئة في العام الماضي، وتتوقع دراسات بحثية كثيرة مواصلة الانخفاض في العام الحالي، وألا يتجاوز نمو الاقتصاد المصري (1.5) في المئة. وأصابت حالة الانفلات الأمني السياحة بضرر كبير فقد تقلصت عائدات السياحة بنحو 30 في المئة في العام 2011 (عاودت بعض النمو في العام الحالي)، وتسبب ذلك في زيادة البطالة بعد حملة التسريحات التي طاولت كثيرا من العاملين في القطاع الذي يؤمن وظائف لنحو 10 في المئة من السكان، وأدى عزوف السياح عن الذهاب إلى المنتجعات المصرية، وهروب الاستثمارات الأجنبية إلى تراجع حاد في حجم العملات الأجنبية وحسب آخر البيانات فإن حجم الاحتياطات المصرية تراجع إلى أقل من النصف في غضون عام واحد فقط.
الرئيس المقبل ومصاعب الفترة الانتقالية…
أطلق المرشحون في الجولة الأولى وعودا انتخابية بمكافحة الفساد، وتوفير فرص العمل، وتحسين مستوى المعيشة. ومع إمكانية تحقيق هذه الوعود فإن الرئيس المقبل في موقف لا يحسد عليه فهو مطالب باتباع سياسة اقتصادية تجمع بين العدالة والكفاءة، في حين يشترط المقرضون الأجانب خفض العجر في الموازنة قبل منح أي قرض، ما يقيد حركة الرئيس المقبل في مجال خلق مزيد من الوظائف، أو زيادة الدعم على بعض المواد الأساسية.
وتضغط عدة عوامل على السياسة الاقتصادية للرئيس المقبل خصوصاً في ظل حال الفوضى وتوقعات باستمرار الاحتجاجات الفئوية والمطلبية في الشارع المصري الداعية إلى الاستعجال في تحقيق العدالة الاجتماعية، وتوزيع الثروة، ويتمثل التحدي الأكبر في الجمع بين تنفيذ مطالب الشارع، وعدم الاضرار بالاستثمارات الأجنبية ومحاولة جذب المزيد منها، والتفاهم مع المقرضين، وإعادة دورة الانتاج إلى ما كانت عليه قبل الثورة.
ويترقب معظم المستثمرين الأجانب انتقال السلطة إلى الرئيس الجديد ورؤية إذا ما كان سيحظى بالتأييد السياسي والصلاحيات الدستورية ليحول الأقوال إلى أفعال.
عجز الموازنة مشكلة المشاكل…
ولعل واحدة من أهم المشكلات التي سوف تواجه الرئيس المنتخب هي توفير المال اللازم لتمويل عجز الموازنة الحكومية التي كُشِف عنها مؤخراً للسنة المالية 2012-2013، والمقدر بنحو (22.5 ) مليار دولار أمريكي.
ولا يستطيع الرئيس المقبل أيا كان مواصلة السياسة المالية والنقدية التي اتبعتها الحكومة التي عينها المجلس العسكري، ويجب عليه التصرف بحسم من أجل وقف التدهور في مالية البلاد ومعالجة مشكلة زيادة عجز الموازنة، وارتفاع نسبة الاقتراض المحلي من أجل تزويد الشركات بالتمويل اللازم للقيام بمشروعاتها.
وتمكنت الحكومات في الفترة الانتقالية من حصر تراجع قيمة الجنيه بنحو 4 في المئة، لكن الثمن كان ضخ نحو 20 مليار دولار من احتياطي العملات الأجنبية، وتراجع الاحتياطات إلى نحو 15 مليار دولار وهو رصيد يكفي بالكاد لتغطية الواردات لمدة ثلاثة أشهر، ما يعني أن المطلوب البحث عن أدوات ووسائل جديدة.
ويجب الانتباه إلى أن نحو 78 في المئة من حجم الموازنة المصرية للعام المالي المقبل 2012-2013 تخصص لتمويل ثلاثة بنود هي دفع أجور الموظفين الحكوميين البالغ عددهم نحو ستة ملايين، والدعم الحكومي للطاقة والمواد الأساسية، وتسديد خدمة الديون، أي أن الرئيس المقبل سوف يكون مكبل اليدين ولن يستطيع تقليص الصرف، وفي المقابل فإن مصادر سد الفجوة محدودة مع تراجع الاحتياطات الأجنبية، وصعوبة الحصول على قروض خارجية مع الأزمة التي تعيشها الولايات المتحدة وأوروبا، وعدم التزام مجموعة العشرين بالتزاماتها دعم ثورات الربيع العربي.
مشكلات منذ اليوم الأول…
يتزامن بدء السنة المالية الجديدة في مصر مع تنصيب الرئيس الجديد في الأول من يوليو/ تموز المقبل، ومنذ اليوم الأول يجب على الرئيس الجديد العمل على إيجاد حلول سريعة لمعالجة عجز الموازنة، مع مراعاة أن أي حلول تقشفية قد تؤدي إلى زيادة الاحتجاجات من شعب تعب كثيرا جراء سياسات مبارك. ويضيق تآكل الاحتياطات الأجنبية من هامش المناورة عند الرئيس المنتخب، كما أن رغبة الشعب في تحسن أوضاعه بسرعة يضغط باتجاه تبني سياسات دعم لبعض الفئات والشرائح تساهم في تخفيف الاحتقان الحالي لكنها يمكن أن تؤثر على السياسات بعيدة المدى، والخلاصة أن السياسة الاقتصادية الجديدة يجب أن توازن في شكل دقيق بين الاقتصادي والاجتماعي، وتجمع بين الاقتصاد الحر والمخطط مركزياً، ومعالجة مشكلات الفقر والبطالة.
سامر الياس
روسيا اليوم
8 يونيو 2012