الشاعر كريم العراقي لـ “الكومبس”: أنجح مع كاظم الساهر أو من دونه

: 4/23/20, 6:09 PM
Updated: 4/23/20, 6:09 PM
كريم العراقي في مالمو ( خاص بالكومبس )
كريم العراقي في مالمو ( خاص بالكومبس )

الشِّعْرَ يُولَدُ في العراقِ، فكُنْ عراقيّاً لتصبح شاعراً يا صاحبي!” هكذا كتب الشاعر الفلسطيني محمود درويش في قصيدته “أتذكّرُ السيّاب”. هذه الجملة، بل المقولة الرائعة التي قالها الكبير درويش، كنت أرددها مع نفسي وأنا في طريقي للقاعة التي احتضنت كريم العراقي في مالمو مؤخراً.

فبعد انتظار استمر أكثر من عشرين عاما لبّى الشاعر كريم العراقي رغبة صديقه في السويد، رام النشمي مدير المركز الثقافي العربي السويدي، لأحياء أمسية شعرية في مدينة مالمو جمعته مع الشاعر الشاب أحمر الثرواني في بداية أذار/ مارس المنصرم.

وكانت الأمسية بمثابة فعالية عراقية توافد اليها جمهور كريم العراقي من مختلف مدن السويد.

الشاعر العراقي كان قد أقام في السويد قبل أكثر من 20 عاما، وتركها بعدما حصل على الإقامة.

لمجرد ظهور كريم العراقي على المسرح بدا عليه التأثر الشديد، لدرجة البكاء، وبادله الجمهور هذا التأثر بعد اولى كلمات قصيدة (سلامي على اللي حاضر معانا ) التي غناها كاظم الساهر وكأنه يتذكر بهذا الكلمات اصدقائه وأحبابه في السويد أو الأحبة الذين أبعدتهم الغربة أو حصدهم الموت.

في أمسيته الأخيرة بمالمو

كيف تصف اللقاء مع جمهورك هنا في مالمو، وهل الأمسية هي سبب زيارتك؟

هذه الأمسية كان من المفترض أن تحدث قبل 20 عاماً، ولكني في كل مرة أزور فيها السويد، أجد أن الظروف تكون غير ملائمة فالانقسامات كثيرة والتوجهات كثيرة، ولكن أنا سعيد أنها حدثت الآن، رغم أني تعرضت لوعكة صحية بمجرد وصولي الى السويد أدت الى فقداني البصر بالعين اليمنى، ولكني سعدت بلقاء جمهوري ونسيت مرضي لأني رأيت العراق ومن يرى العراق ينسى وجعه.

من ضمن أسباب زيارتي هي أيضا لتسجيل قصيدة مع الشاعر الشاب أحمر الثرواني التي ترجمت الى اللغة الدنماركية وهي بعنوان ( هنا بغداد ) وهي العمل المشترك الثاني لنا بعد ( سيدة الصبر ).

ذكرت في أكثر من مناسبة أنك لا ترغب كثيراً في زيارة السويد، ما السبب؟

لم أستطع ابداً العيش لفترة طويلة في السويد، كنت أخرج صباحاً، الجميع في العمل ماعدا أصدقائي المتقاعدين.

أذكر عند وصولي الى دائرة الهجرة لأقدم اوراقي طلبا للجوء قبل أكثر من 20 عام كنت أحاول تفادي أن يراني أي عراقي، الى أن لمحني في أحد الأيام شخص وتقدم نحوي متحدثاً باللهجة العراقية مستفسراً:” انت مو الشاعر كريم العراقي” ؟

أجبته.. نعم أنا هو!

قال وهو يفر بيديه مرددا قصيدتي: الشمس شمسي والعراق عراقي؟ وجئت الى هنا تطلب اللجوء فمن بقي في العراق اذاً؟ لم يكن لدي جواب وقتها ولكني في المساء كتبت قصيدة:

بالأمس رأيته في دائرة الهجرة
رأيته..
المتعب الجريح مدمن الحروب
رأيته رآه كل الناس
تقدم العراق حاملاً اوراقه
تقدم العراق طالباً مرحمة اللجوء
صار العراق خارج العراق
مخلفاً وراءه النيران والدخان
مخلفاً وراءه جمجمة الحضارة..

العراق وجعك الكبير، ما هو موقفك من الاحتجاجات التي حصلت مؤخراً في العراق؟

ردي هو أنها

ثورة الأحرار حان قطافها متحفز بركانها الجبروت

فرج عسير والولادة صعبة لكن ما يأبى الرجاء يموت

في هذا الصدد كتبت قصيدة تلخص موقفي بعنوان (دقت ساعة التحرير)

هي ساحة التحرير آن اوانها

متحفز بركانها الجبروت

والارض حبلى بالمخاض المرتجى

وبصرخة يصحو لها الملكوت

يا ناثر الاوهام فوق جراحنا

ولعنتاه اذا الاوان يفوت

علم انا والريح باست رأسه

من باركته الريح كيف يموت

كتبت باللغة العربية الفصحى وايضا باللهجة العراقية، هل تحبذ فكرة ان يطلق عليك لقب شاعر شعبي؟

التسمية لا تعني لي شيء والألقاب كذلك لا تعني لي، في البداية تأتي الهمهمة بالفكرة الشعرية وبعدها لا يهمني ان تكون بالعامية أم الفصيحة المهم إني اكتبها، سأروي لك مفارقة حدثت معي.

لدي قصيدة أسمها ( دللول ) وهي مفردة عراقية اصلها سومري تستخدمها الأمهات لتدليع اولادهن وخاصة عند النوم فتقول: دللول ياالولد يبني..

اذكر اني القيت هذه القصيدة في أحد المرات في إمارة الشارقة اثناء فعاليات معرض الكتاب وكان الحضور من مختلف الجنسيات العربية ومنهم شاعر سوداني كان يبدو عليه التأثر الشديد مما جعله يتوجه الي بعد انتهاء الأمسية قائلا: أستاذ كريم انا دموعي مستعصية ولكني لم استطع تمالك نفسي اثناء تلك القصيدة، اريد معرفة ( هذا دلول استشهد في أي حرب؟ ) فضحكت وأجبته وكان معي اثنين من أصدقائي العراقيين، أخبرته ان دللول هي مفردة تقولها الأمهات لأولادهن عند النوم.

بعدها طلب مني هذا الشاعر السوداني ان اعرفه على أصدقائي الواقفين بجانبي وبالفعل عرفته عليهم قائلا: هذا صديقي حردان الحنظل وصديقي نيبال عبد القهار فتعجب الشاعر وقال أنتم العراقيين حتى اسمائكم تتسم بالقوة والخشونة. عندها سألته انا ما اسمك فقال: عبد القيوم عبد العليم، فأجبته: صدق الله العظيم.

كيف تلهمك الفكرة الشعرية وهل كتابة الشعر تبدأ بقرار ونية منك؟

الفكرة من الممكن ان تأتيني بأي وقت، وأحيانًا تصحيني من نومي، ولا أتردد بتسجيلها لأني اعرف إذا لم اكتبها سوف اندم لاحقا، الكتابة في الليل عادة تأتي بقصائد رائعة بحيث لا يصدق المرء انه كتبها ربما لأنها تكتب بحالة اللاوعي، وأحيانا تكون كل الأجواء مناسبة لكتابة القصيدة ولكن لا يسعفني الإلهام.

ومع هذا أعتقد ان هنالك بعض القصائد التي توقعت انها ستلقى رواجا كبيرا ولم يحدث مثل القصيدة التي غناها كاظم الساهر

تعالى اُقبِّلُ وجهَكِ

تعالى أُضمِّدُ جرحك

تعالى أُمشِّطُ شعركِ

تعالى اشرب دمعك

دعينا نحلم تحت الرصاص

دعينا نعيش بإذن الله

فحب العراقيين عجيب

يذلل فعل السلاح الرهيب

هل هنالك قصيدة معينة مغناة مقربة إليك دون غيرها؟

من القصائد المحببة الي هي ” كثر الحديث عن التي اهواها” ولو سألتني عن القصيدة التي اعتبرها إنجاز كبير لي فستكون قصيدة ” كان صديقي وكانت حبه الأبدي”

وهذه القصيدة مثل اغلب ما كتبته هي قصة حقيقية لصديق عندي ولكن بالتأكيد القصة محرفة قليلا وليست مكتوبة بالضبط مثل الأحداث الحقيقية.

اسرد لنا قصة موقف تحول الى قصيدة؟

قصيدة ” سلامي ” مثلا قصتها اني كنت في تونس والفنان كاظم الساهر كان في مصر أرسلت مطلع القصيدة كرسالة ” سلامي على الي حاضر معانا.. سلامي على الي خالي مكانه ” ليرد عليه مدير أعمال كاظم الساهر ويسألني لماذا لم تكمل القصيدة؟ فأخبرته انها لم تكن قصيدة بل كنت فقط أوجه سلامي وتحيتي ولكن بعدها أكملت رسالتي وحولتها الى قصيدة.

هنالك قصيدة اسمها (تحياتي) التي غناها حسين نعمة ولحنها جعفر الخفاف كتبتها الى صديق توقعت اني لن أراه مجددًا في ظروف صعبة لم نكن وقتها نعرف امكانية معاودة اللقاء بأصدقائنا الذين هاجروا من العراق بفترة معينة.

أما قصيدة ” دگيت باب الجار ” فكانت أيضا حقيقية ولها علاقة بأولادي في فترة معينة كانت في ظروف صعبة بالتزامن مع انفصالي عن والدتهم وانقطاع اخبارهم عني لفترة وصلت إلى السنة، في احد الأيام وصلني بريد منهم وذهبت الى مكتب البريد لاستلامه على ما اذكر في منطقة الصالحية في بغداد ولم اكن أستطيع التماسك من فرحتي وارتجافي وارتباكي بعد استلام الرسالة وأنا في طريق العودة من المكتب اريد فقط الوصول الى البيت لأقرأ الرسالة على مهل وتأني وعندما وصلت احاول فتح الباب ولكن بلا فائدة الى ان نبهني احد الجيران بأني احاول فتح باب الشقة الخطأ!

وبعد ان هدأت وعرفت انهم سافروا خارج العراق بدأت الفكرة تختمر بداخلي وكتبت” يادار مااسكنك لا الا تجي أصحابك .. تحرم عليّ شوفتك ويحرم عليّ بابك.. اهلي عليه بعاد ساعدني ياجاري.. حزني يبكي بلاد خفف عليّ ناري ” وصادف اني تحدثت هاتفيًا مع كاظم الساهر واسمعته القصيدة مع القصة، اعتقد وقتها اسمعني تلحينه لها بذات اليوم.

لا يمكن أن يمر لقاؤنا بدون ان أسألك عن كاظم الساهر، من الذي ساهم بانتشار الأخر عربيا أكثر؟

أنا كنت مهيأ لهذا الانتشار العربي لأني من قبل خروجي من العراق لحن لي بليغ حمدي وتعاملت ايضا مع الياس رحباني وتعاملت مع أغلبية المطربين العراقيين، من سعدون جابر إلى صلاح عبد الغفور إلى محمود أنور وفؤاد سالم وحسين نعمة ولكن النقلة التي حدثت في عام 1991 عندما انتقلت مع الفنان كاظم الساهر إلى الأردن وبدأت مرحلة أخرى من الاستقرار إلى جو الغربة، كنا نخرج من محافظة لأخرى ونشعر بشعور الاغتراب فكيف وانا خارج العراق !

فكانت “يا دنيا انتي الحرمتيني من أهلي” هذا الموال الذي كان يعشقه الأستاذ الكبير نزار قباني ثم جاءت “رحال”. وفي بيروت اختلفت التجربة، صارت أكثر رقة ومرونة مثل: “نزلت للبحر” و”ها حبيبي” و”يا مدلل”. ثم جاء انتقالنا لمصر، حيث أثمرت عن قصيدة “المستبدة” وألك وحشة” وفي الإمارات جاءت مرحلة أخرى.

ولكن كاظم ناجح معي وبدوني وأنا أيضا ناجح معه وبدونه.

حاورته: زينب وتوت

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.