الـ48 ساعة التي أطاحت بالحكومة.. القصة الكاملة لسقوط ستيفان لوفين

: 6/21/21, 11:44 AM
Updated: 6/21/21, 11:46 AM
Foto: Nils Petter Nilsson / TT
Foto: Nils Petter Nilsson / TT

الكومبس – ستوكهولم: سقطت الحكومة إذاً، خلاف رفاق الأمس، وضع الخصوم الألداء جنباً إلى جنب. حزب اليسار (V) يسلم رأس رفيقه الاشتراكي الديمقراطي ستيفان لوفين (S) للمعارضة اليمينية، لتسقط الحكومة وباقتراح من أقصى اليمين المتطرف، ديمقراطيي السويد (SD)، ولتكون بذلك المرة الأولى في تاريخ السويد الحديث.

لا يتحمل وضع السويد التي ما زالت تمسح جراح كورونا الصحية والاقتصادية والاجتماعية، أزمة كهذه. هذا ما تقوله الحكومة وشريكها حزب الوسط. فيما يحمّل اليسار الحكومة مسؤولية الأزمة بعد أن ملّ لعب دور “ممسحة العتبة” لحزب السوسيال، حسب توصيف رئيسة حزب اليسار نوشي دادغوستار.

وفي حين يتخوف كثيرون من تبعات الأزمة على وضع السويد، وهي تواجه واحدة من أعتى الأزمات بعد الحرب العالمية الثانية، ينظر محللون سياسيون إلى النصف المليء من الكأس، فيرون في الانتخابات الإضافية التي يمكن أن تفضي إليها الأزمة فرصة في تعزيز الديمقراطية وفض التشابك المعقد بين كتلتي اليمين واليسار في البرلمان.

ما الذي أوصل السويد إلى هذه الأزمة؟ وكيف تداعت المواقف بسرعة لتضع رأس الحكومة على مقصلة سحب الثقة؟ وهل كانت الأزمة وليدة ساعتها، أم إن المواقف المتشنجة لها خلفياتها المستندة على اتفاق يناير، وربما ما قبل ذلك.

ألغام قابلة للانفجار في اتفاق يناير

بعد انتخابات 2018، لم تحظ أي من الكتلتين الرئيستين في البرلمان السويدي، اليمين واليسار، بأغلبية تؤهلها لتشكيل حكومة مرتاحة دون التعاون مع حزب اليمين المتطرف SD الذي كانت جميع الأحزاب تقاطعه حينها بسبب عنصريته. وتحت ضغط تعثر تشكيل الحكومة، كان لا بد من اتفاق عابر للكتل، تحصل فيه الحكومة على تأييد أحزاب من الكتلة المواجهة. وكان أن اتفق حزبا الاشتراكي الديمقراطي (S) والبيئة (MP) من كتلة اليسار مع حزبي الوسط (C) والليبراليين (L) من كتلة اليمين على أن يشكل ستيفان لوفين حكومة من الاشتراكي والبيئة تحظى بدعم الوسط والليبراليين شرط تقديم تنازلات للحزبين البرجوازيين في مفاوضات الميزانية.

الاتفاق عرف باسم “اتفاق يناير” وحوى مجموعة من البنود التي وصل فيها الطرفان إلى حل وسط في عدد من القضايا الإشكالية.

ولتحظى الحكومة بأغلبية في البرلمان كان لا بد أن يمنحها حزب اليسار الثقة.

لم يشارك اليسار في الحكومة لخلافه الإيديولوجي الأعمق مع الحزبين البرجوازيين، لكن رئيس الحزب آنذاك يوناس خوستيد منح ثقته لحكومة الحليف الأيديولوجي ستيفان لوفين، متحفظاً على عدد من نقاط اتفاق يناير، ومهدداً بإسقاط الحكومة في أي لحظة إن مررت اقتراحاً لتعديل قانون العمل يرى فيه اليسار هضماً لحقوق العمال، أو اقتراح تحرير أسعار الإيجارات في المباني الجديدة.

عاشت الحكومة منذ ذلك الحين تحت ضغط اليسار من جهة، وشريكيها الوسط والليبراليين من جهة أخرى. وأمسك لوفين العصا من المنتصف في معظم الأحيان، في حين استمرت اتهامات بعض جمهور اليسار بأنه يقود حكومة يمينية بعباءة يسارية، وفي الوقت نفسه استمر هجوم اليمين عليه مع طرح كل قضية.

انفجرت أولى أزمات اتفاق يناير، بعد مناقشة تعديل قانون العمل، أو ما عرف بقانون “لاس”. وبعد طول أخذ ورد، وتهديد حاد النبرة، من اليسار الذي تحفظ منذ البداية، والوسط والليبراليين الذي وقعوا بنداً في اتفاق يناير وأصروا على تطبيقه حتى لو لم تتفق أطراف العمل؛ النقابات والشركات.

ووسط جو مشحون، وتعثر المفاوضات أكثر من مرة بين أطراف العمل، توصلت نقابات رئيسة إلى اتفاق مع اتحاد الشركات. ومثّل ذلك حلاً وسطاً لم يرض أياً من الأحزاب الضاغطة على الحكومة، لكنه حفظ ماء وجه الجميع.

إنذار دادغوستار

أمسكت الشابة من أصول إيرانية نوشي دادغوستار القيادة في حزب اليسار، وبين يديها إرث يوناس خوستيد الثقيل، فالرجل ذو خبرة سياسية طويلة ويتمتع بكاريزما وشعبية في أوسط ناخبي اليسار.

الخطوط الحمر التي رسمها خوستيد للحكومة، كانت ترسم خطوطاً لدادغوستار أمام ناخبيها أيضاً، أو هكذا أرادت هي.

تحقيق حكومي يعلن توصله إلى اقتراحات بخصوص تحرير أسعار الإيجارات في المباني الجديدة. والتحقيقات الحكومية هو نوع من الدراسات تطلقها الحكومة وتكلّف بها خبراء لدراسة قضية ما والخروج باقتراحات تعتمد عليها الحكومة في صياغة مشروع القانون الذي ستقدمه للبرلمان.

يجري تحديد أسعار الإيجار في السويد حالياً بالاتفاق بين ملاك العقارات وجمعيات المستأجرين بحيث يكون إيجار الشقق المتماثلة متساوياً، في حين نصت الاقتراحات على تحرير أسعار الإيجارات وجعلها خاضعة للعرض والطلب في السوق بالنسبة للشقق التي تبنى حديثاً، وهي التي قال لوفين إنها تمثل أقل من 1 بالمئة من الشقق في السويد.

وككل القضايا المهمة في السويد، تستند طريقة تحديد الإيجارات إلى الاتفاقات الجماعية، وهي عنصر مهم من عناصر ما يعرف باسم “النموذج السويدي” الذي توصلت له السويد بعد كفاح طويل من قبل النقابات بخصوص القضايا العمالية، ومثّل نموذجاً عالمياً فريداً، مزج بين سياسات السوق وحماية العمال والطبقات الضعيفة (بين الرأسمالية والاشتراكية)، وحقق للسويد نجاحات جعلتها مهوى أفئدة كثير من سكان العالم.

رفض اليسار اقتراحات التحقيق لتحرير أسعار الإيجارات وقال إنه مستعد لإسقاط الحكومة إذا مضت فيه. في الوقت نفسه كانت الحكومة ملزمة بتنفيذ اتفاق يناير أمام الوسط والليبراليين، فأرسلت اقتراحات التحقيق إلى الاطراف المعنية لإبداء رأيها.

استمر اليسار في تهديداته، وسط استخفاف أحزاب المعارضة بالتهديدات. واعتبارها مثيلة لتلك التي اطلقها الحزب قبل تعديل قانون العمل.

وصباح الثلاثاء 15 حزيران/يونيو 2021 فاجأت دادغوستار الجميع بإعلانها إنذاراً نهائياً للحكومة ومنحها مهلة 48 ساعة لسحب الاقتراح، أو الشروع في مفاوضات جديدة مع اتحاد المستأجرين لتعديل قانون الإيجار، مؤكدة أنها ستواصل الدفاع عن حقوق المستأجرين حتى النهاية. وظهر فيما بعد أن “إنذار دادغوستار” كان تعبيراً أيضاً عن حنق شخصي مما أسمته “تجاهل للوفين للحديث معها”.

الحكومة ردت بأنه لا يوجد اقتراح لسحبه، وأن المطروح الآن مجرد اقتراحات لتحقيق حكومي يجري التشاور بشأنها.

مرت الساعات الـ48 سريعة. وقبل انتهائها بدقائق، دعا وزير العدل مورغان يوهانسون أطراف سوق الإسكان، إلى إجراء محادثات حول تحرير أسعار إيجارات المباني الجديدة، معتبراً أنه بذلك يلبي مطلب اليسار.

ورأى محللون في إعلان الحكومة سلماً لإنزال دادغوستار من أعلى الشجرة التي صعدت إليها ولم يعد بإمكانها النزول دون مساعدة لوفين.

البند 44

غير أن دادغوستار فاجأت كثيرين، وأعلنت أن مبادرة الحكومة أشبه بدعوة إلى محادثات “فيكا” حول تحرير الأسعار وليست دعوة لمفاوضات حقيقية على قانون الإيجار. وفي المؤتمر الصحفي نفسه، نفذت دادغوستار تهديدها وسحبت الثقة من ستيفان لوفين، مشيرة إلى أنها تضع الكرة الآن في ملعب المحافظين (M) والمسيحيين الديمقراطيين (KD)، دون أن تشير إلى حزب اليمين المتطرف SD.

لم يكن حزب اليسار يتوافر على عدد كاف من مقاعد البرلمان لتقديم طلب بعقد جلسة تصويت على سحب الثقة من رئيس الوزراء، فذلك يتطلب توقيع 35 نائباً، بينما عدد نواب اليسار 27.

تلقف حزب SD سريعاً دعوة اليسار وأعلن تقديم طلب سحب الثقة من لوفين، معبراً عن فرحة لم يستطع المتحدث باسمه هينريك فينغي، أو رئيسه جيمي أوكيسون إخفاءها، ومعلناً بشكل واضح أن معركته مع الحكومة لا تقتصر على قانون الإيجار، رغم أنه يؤيد اليسار في رفض تحرير الأسعار، بل تشمل كل سياسات الحكومة المتعلقة بالهجرة والأمن والاندماج.

بناء على طلب SD حدد رئيس البرلمان أندرياس نورلين جلسةً الساعة العاشرة صباح الإثنين 21 يونيو/حزيران 2021 للتصويت على سحب الثقة من لوفين.

وسارع حزبا المحافظين والمسيحيين الديمقراطيين إلى إعلان أنهما سيصوتان لصالح سحب الثقة، فيما أعلن الوسط والليبراليون أنهما لن يصوتا ضد لوفين. وبذلك يحصل سحب الثقة على غالبية في البرلمان تفوق الغالبية المطلوبة لإسقاط الحكومة (175 من أصل 349 عضواً)، عبر اجتماع الاحزاب الأربعة؛ المحافظين والمسيحيين وديمقراطيي السويد واليسار، على سحب الثقة ووضع لوفين أمام خيارين: الاستقالة أو الدعوة لانتخابات إضافية تسبق الانتخابات العادية المزمع تنظيمها في أيلول/سبتمبر 2022. وفيما يتعلق بالدعوة إلى انتخابات إضافية، فيجب أن يعلن لوفين قراره خلال اسبوع لتعقد الانتخابات في عضون ثلاثة أشهر من إعلانها. أما الاستقالة فتعني جولات جديدة من تكليف رئيس للوزراء، وقد ينتهي الأمر بلوفين إلى محاولة الحصول على أغلبية لحكومة جديدة. وهذا ما يبدو أن دادغوستار سعت إليه بعد إعلانها أنها لن تصوت لصالح حكومة يمينية بقيادة المحافظين، ما يعني أنها ستوافق مجدداً على حكومة لوفين بعد أن تجبرها على التخلي عن بند الإيجارات، لتحقق بذلك نصراً قد يكون مفيداً انتخابياً.

بدا أن كل طرف متمسك بموقفه في البداية، حيث أعلن الوسط والليبراليون أنهما متمسكان بتنفيذ البند 44 من اتفاق يناير، والمتعلق بسياسة الإيجارات. وكذلك فعل لوفين الذي تقصّد في خضم الأزمة عقد مؤتمر صحفي خاص بتقديم اقتراح “علاوة أسبوع الأسرة”، وهو أحد نقاط اتفاق يناير، في إشارة لتأكيد تمسك حزبه بتنفيذ الاتفاق. غير أنه ذكر في الوقت نفسه أن حكومته ستحاول استطاعتها تجنب الأزمة السياسية، لأن السويد لا تتحمل أزمة في هذا التوقيت.

جن جنون دادغوستار، واتهمت الحكومة بخداعها عبر تأخير طرح اقتراح الإيجارات إلى نهاية الفترة البرلمانية. في حين ردت وزيرة الشؤون الاجتماعية لينا هالينغرين على دادغوستار ووصفت اتهاماتها بـ”الوقحة”، مشيرة إلى أن ما أخّر تقديم الاقتراح هو أزمة كورونا.

وصباح الأحد 20 حزيران/يونيو عقد لوفين مؤتمراً صحفياً مع رئيسة حزب الوسط آني لوف، بدا فيه أن الأخيرة تقدم تنازلاً فيما يتعلق بالبند 44 من اتفاق يناير لإنقاذ الحكومة. حيث قال لوفين إن أطراف سوق الإسكان ستتفاوض حول تشريع يتعلق بأسعار الإيجارات، مشيراً إلى أنه في حال تم الاتفاق على كيفية إصلاح نموذج الإيجار في المساكن الجديدة، فستقدم الحكومة اقتراحاً يتماشى مع الاتفاق، وفي حال لم تتوافق الاطراف، فإنه سيمضي باقتراح التحقيق الحكومي، بعد إجراء المشاورات المناسبة حوله. وهي الطريقة نفسها التي اتبعتها الحكومة مع تعديلات قانون العمل.

اعتبر لوفين أن هذا يلبي ما طلبته دادغوستار. غير أن الأخيرة فاجأت كثيرين مرة أخرى، ورفضت مبادرة الحكومة، معتبرة أنها “مسرحية سياسية تافهة لكسب الوقت”، حيث “ستؤدي إلى تفاوض اتحاد المتسأجرين تحت الضغط”. وبدلاً من ذلك طالبت لوفين بـ”تحمل المسؤولية وحذف البند 44 كاملاً من اتفاق يناير”، وكانت بذلك ترد على دعوة لوفين جميع الأطراف لتحمل المسؤولية بدل دفع السويد إلى أزمة سياسية. علماً أن حزب اليسار كان قد وافق على الطريقة نفسها في المفاوضات إبان مناقشة قانون العمل الذي يهم جميع العمال، الجمهور الطبيعي لحزب اليسار.

رأى كثيرون في “عناد” دادغوستار “مراهقة سياسية” قادت البلاد إلى المجهول في خضم أزمة طاحنة اسمها “كورونا”، في حين رأى كثيرون أيضاً في “إصرارها” شجاعة في الدفاع عن الطبقات الضعيفة. وبين هذا وذاك تدهل السويد أزمة حكومية قبل انتخابات تثير مخاوف جمهور عريض، ومنه المهاجرون، من حكومة يمينية قد تكون قادمة بتأييد من SD المتطرف.

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.