الكومبس – ثقافة: فيلم “نورة”، أول عمل سينمائي للمخرج السعودي توفيق الزايدي. الفيلم عبارة عن دراما هادئة لكنها قوية عن الحرية الفنية في بيئة خانقة دينياً. ومن خلال مشاهد طبيعية خلابة وسرد بطيء ومتصاعد، يلتقط الزايدي ملامح تغير اجتماعي مهم في السعودية.

في هذه القراءة.. تقدم يوليا آغا رأيها في الفيلم الذي عرض في ستوكهولم الأحد وسيعرض في مالمو الأربعاء

أحداث الفيلم تدور في منطقة العلا السعودية

المناظر الطبيعية القاحلة في العلا السعودية توحي ببطء وتيرة الحياة وتعبر عن دور الصمت في الطبيعة. مشاهد لعبت دوراً مهماً في فيلم توفيق الزايدي “نورة”. هناك، في قرية صغيرة أسيرة لقيود دينية وثقافية تعود إلى تسعينات القرن الماضي، تكافح المراهقة اليتيمة نورة للبحث عن حياة تتجاوز مجرد البقاء.

عندما يصل نادر، المعلم القادم من المدينة الكبرى إلى القرية، تجد فيه نورة لمحة عن عالم آخر، يتجاوز الصحراء والأدوار الاجتماعية المفروضة. ومن خلال اهتمام مشترك محفوف بالمخاطر بالفن، تبدأ ثورة هادئة، ليست ضد أفراد معينين، بل ضد منظومة القرية التي تشكل حياتهم.

في عالم تُحظر فيه الفنون، وتصمت الموسيقى، وتُنفى الأدبيات، تظهر بوادر المقاومة من خلال إشارات صغيرة وخفية، مثل رسم بورتريه سري.

تدور أحداث “نورة” في زمن كانت فيه السعودية مكبّلة بقيود صارمة ضد التعبيرات الإبداعية، لكنه يعكس أيضاً واقع اليوم، حيث تروج “رؤية السعودية 2030” للانفتاح والتحديث والتنمية العالمية. ورغم التغيرات السريعة التي شهدتها البلاد خلال السنوات العشر الأخيرة، يطرح فيلم الزايدي تساؤلاً مهماً: هل يمكن تغيير عقلية أمة تربت على الحظر لعقود طويلة بنفس سرعة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية؟

يعكس الفيلم هذا التساؤل من خلال النضال الحذر لكل من نورة ونادر من أجل الفن وحرية الروح، وسط نظرات الريبة من رجال القرية الذين يصفون المعلم بـ”الغريب” ويعارضون أي تغيير.

لعب دور نادر الممثل يعقوب الفرحان

ترمز المدينة التي جاء منها نادر إلى السعودية الحديثة الجديدة، بينما تمثل القرية السعودية التقليدية المحافظة.

ورغم أن “نورة” يعرض مجتمعاً أبوياً منغلقاً، فإن الزايدي يرسم شخصياته بلمسة إنسانية دافئة؛ الرجال ليسوا أشراراً، والنساء لسن ضعيفات. القواعد هي من يمارس الاضطهاد، أما الأفراد فهم مركّبون.

من أبرز نقاط القوة في الفيلم أداء ماريا بحراوي لشخصية نورة، حيث قدمتها بصورة تجمع بين البراءة الطفولية والقوة الداخلية التي لا تقهر. صراعها من أجل الحق في الحلم يتحول إلى قصة عالمية عن الحرية.

كذلك، يبرز بائع الكشك الهندي كشخصية محببة أضافت طابعاً مسلياً ومليئاً بالفكاهة إلى الفيلم.

بدأ توفيق الزايدي كتابة الفيلم العام 2015، واستغرق تنفيذه ثماني سنوات. وأصبح ”نورة” أول فيلم سعودي ينافس في مهرجان كان السينمائي، وهو إنجاز تاريخي.

المخرج توفيق الزايدي استغرق 8 سنوات في العمل على الفيلم

الفيلم ليس صاخباً، وليس بياناً سياسياً مباشراً أو قصة مبسطة عن القمع، بل هو تحية هادئة وحادة في آنٍ واحد لقوة الفن وللرغبة الإنسانية التي لا تُقهر في الإبداع، حتى في أصعب البيئات.

ورغم أن “نورة” قد يبدو للوهلة الأولى قصة عن حب ممنوع ورغبة في التحرر، فإنه يقدم ما هو أعمق بكثير من ذلك.

يوليا آغا