الكومبس تحاور الطبيب النفسي رياض البلداوي: حول مواجهة الصعوبات النفسية التي تواجه اللاجئين إلى المجتمع الجديد

: 9/29/15, 3:37 PM
Updated: 9/29/15, 3:37 PM
الكومبس تحاور الطبيب النفسي رياض البلداوي: حول مواجهة الصعوبات النفسية التي تواجه اللاجئين إلى المجتمع الجديد

الكومبس – لقاء: يعاني المهاجرون من مشاكل في التأقلم مع المحيط الاجتماعي الجديد، بسبب تغيرات عديدة تواجههم، منها اللغة الجديدة، التي يمكن أن تقف حائلاً دون مواصلتهم تعليمهم، ودخولهم سوق العمل، ويصعب من عملية اندماجهم في المجتمع، يضاف إلى ذلك عدم معرفتهم بالأنظمة السياسية والاجتماعية والمفاهيم الثقافية، ما يدفعهم إلى الشعور بالغربة وفقدان الهوية والحنين إلى الوطن، ويتحول هذا الشعور أحياناً إلى أمراض نفسية وحالات حادة من الاكتئاب، خصوصاً لدى البعض ممن تعرضوا إلى صدمات سياسية أو حالات من التعذيب، أو عاشوا ظروف الحروب، وهو ما يدفع بالعديد من الجيل الأول من المهاجرين، التشبث بهويته والتمسك بعاداته وتقاليده، إلا أن بعض الشباب من هذا الجيل حققوا اختراقا ثقافياً وعلمياً وسياسياً في مجتمعاتهم الجديدة، فأصبحوا خير ممثلين لبلدهم الجديد وخير سفراء لوطنهم الأم.

ولغرض الإحاطة بهذا الموضوع، أحلنا بعض الأسئلة والآراء والأفكار إلى الدكتور رياض البلداوي استشاري الطب والتحليل النفسي في ستوكهولم، لمعرفة ما تفرزه عملية الهجرة من تأثير على الإنسان.

رياض البلداوي في سطور:

استاذ مشارك واستشاري الطب والتحليل النفسي، ولد في بغداد وأكمل دراسته الجامعية فيها، وحصل على شهادة الدكتوراه في الجراحة من الاتحاد السوفيتي (1985)، وصل إلى السويد (1986)، تخصص في الطب النفسي وحصل على البورد السويدي (1994)، عمل كأخصائي ومن ثم استشاري الطب النفسي في عدة مستشفيات في العاصمة ستوكهولم، حصل على دبلوم في الطب النفسي الثقافي والاجتماعي من جامعة (Mc Gill) في كندا عام (1995)، أسس ولازال يرأس مركز الشرق للطب والتأهيل النفسي (1995)، أسس ورأس أول مركز للطب النفسي الثقافي في السويد عام (1998)، تخصص في التحليل النفسي السلوكي عام (2002) أصبح عضواً في مجلس أمناء الجمعية الدولية للطب النفسي الثقافي عام (2012)، كان مستشاراً للحكومة السويدية في شؤون الهجرة والتأقلم والحد من جرائم الشرف، وأصدر كتابين أصبحت ضمن المناهج التدريسية في عدة جامعات سويدية.

إلى أي مدى ستصمد ثقافة الوطن الأول، أمام ضرورات التأقلم الثقافي والسلوكي في الوطن الثاني، التي تبرز في الجيل الأول؟

إن التمازج بين الثقافة الجديدة في بلد المهجر والثقافة الأصلية، يعتمد على عمق الصلة بين الفرد وثقافته الأصلية، فكلما ازداد هذا العمق بالثقافة الأصلية، كلما كان هذا الإنسان أكثر انفتاحاً لتقبل الثقافات الأخرى والتمازج معها، وكلما كان أقل ثقة بنفسه في علاقته بثقافته الأصلية، كلما انغلق على نفسه، وأصبح خائفاً من التمازج مع الثقافات الجديدة، إذن ليس بالضرورة أن يكون هناك صراعاً بين الثقافات بهذه الطريقة، فالإنسان يستطيع أن يتأقلم وأن يكون حاضنة لعدة ثقافات، لكن هذا يتطلب منه أن يكون منفتحاً ومطلعاً على تلك الثقافات، فالعملية هي ليست عملية صراع بين حياة وموت، أو اندحار وانتصار، أو نجاح وفشل بالتأكيد لا، لكن مع الأسف أن أغلب المهاجرين خصوصاً الجيل الأول منهم، يعتبرون بلد المهجر محطة سفر وليست محطة اقامة لبناء علاقة ثقافية مع البلد الجديد.

هؤلاء الناس تجدهم دائماً على حافة المجتمعات التي يعيشون فيها، وهذا الوجود الهامشي يضعهم في صراع مستمر مع أنفسهم، لأنهم لا يرون أنفسهم جزاً من المجتمع الجديد، ويستمدون قوتهم من الماضي التليد، ويسيطر عليهم وهم ثقافتهم الدينية وعاداتهم وتقاليدهم، هؤلاء يأتون إلى بلد المهجر ولا يفتحون حقائب السفر، يجلسون عليها منتظرين تغير الأوضاع في بلدانهم الأصلية، وقد أثبتت الدراسات التي جرت في (جامعة لوند)، على شريحة من التشيليين الذين قدموا إلى السويد، وكانوا ينتظرون حدوث انقلاب على نظام (بيونشيت)، أو خروج العسكر بأي شكل من الحكم في تشيلي، وظلوا على هذه الحال (18) سنة من الانتظار، ولما عادوا إلى بلدهم بعد سقوط نظام العسكر، وجدوا أنفسهم غرباء في مجتمع غريب عليهم، ولم يستطيعوا أن يتأقلموا مع المجتمع المتغير في بلدهم، لأنهم في السويد كانوا تشيليين، لكنهم في تشيلي أصبحوا غرباء، لذلك فأن المحافظة على ثقافة الوطن الأصلي يجب أن تكون في تمازج، وليست في صراع مع ثقافة الوطن الجديد، هذا الصراع إن وجد، سيولد إشكاليات كبيرة عند الأفراد وفي داخل العائلة.


لكن هناك بعض الفئات من الجيل الأول، حققت اختراقات في ثقافة المهجر، فكيف تنظرون إلى هؤلاء؟

هؤلاء الناس الذين استطاعوا أن يتأقلموا، أو يأقلموا ثقافتهم الأصلية مع الثقافة الجديدة في المهجر، استطاعوا أن يجدوا هذا التمازج الديناميكي الجميل بين الثقافتين، وولدت من بين هذا التمازج ثقافة متطورة، هذه الثقافة التي تسمى (ثنائية المزج)، ويطلق على هؤلاء تسمية (سفراء)، لثقافتهم الأصلية في بلد المهجر، وهم سفراء لبلد المهجر أيضاً في ثقافتهم الأصلية، هؤلاء الناس هم الذين استطاعوا أن يمزجوا بين ما هو جيد ومفيد وجميل في كلا الثقافتين مرات عديدة، هؤلاء الناس تجاوزوا حالة الصراع في داخلهم، ووجدوا أرضية خصبة في الاستفادة من كلا الثقافتين، أنت تستطيع أن تبقى عراقياً أو عربياً وأن تكون ناجحاً في السويد، تستطيع أن تبقى عراقياً أو عربياً في كل ملامحك الثقافية، وأن تستزيد وتغتني من ملامح الثقافة السويدية، أنت تستطيع أن تتعايش مع الأغاني العراقية أو العربية، التي تحرك فيك كل هذا الحنين، لكن بنفس الوقت تستطيع أن تستمع إلى الأوبرا، وتستطيع أن تحضر إلى كونسيرت موسيقي جميل، وأن تستمع إلى أغاني الصيف السويدية الرائعة، بهذه الطريقة يمكنك أن تتفاعل مع معطيات الثقافة الجديدة، ومع مرور الأيام ستتذوق طعم هذه الثقافة الجديدة، وستضيف إلى امكانياتك الفكرية والمعرفية والثقافية، دفقاً جديداً يغني ويلون رصيدك الثقافي، هذا هو التفاعل الحضاري، هذا هو التفاعل الثقافي، وهذا هو الإختراق الإيجابي، الذي يمكن أن يولد تأثيراً على العائلة وعلى الأطفال وعلى التطور الثقافي عموماً.

ولكن هناك من فهم الاندماج على أنه الذوبان في المجتمعات الجديدة، هل لديكم من تفسير لذلك؟

الصورة التي رسمتها عن الجيل الأول، هي الصورة الواقعية التي نراها اليوم، قسم من هؤلاء الناس يجلسون في زاوية منعزلة عن المجتمع، ويتفرجون على ما يدور من حولهم، دون الخوض في تفاعلاته ودون الإمتزاج مع ثقافته، خوفاً من الثقافة الجديدة ورعباً من فقدان ثقافتهم، وقسم آخر منهم تجاوزا هذه الإشكالية، واستطاعوا أن يحتفظوا بثقافتهم الأصلية، وأن يمتزجوا جميلاً بثقافة بلد المهجر، هؤلاء الناس هم السفراء لكلا الثقافتين، لكن هناك قسم ثالث من هذا الجيل وهم الفئات المنصهرة، أو الناس الذين أوهموا أنفسهم، بأن ليس لديهم أية علاقة بثقافتهم الأصلية، قطعوا وألغوا ونحروا ما كان لديهم من ثقافة، على أمل أن يلبسوا ثقافة جديدة، تمنحهم هوية جديدة في مجتمع المهجر، ولما درسنا هذه الحالة، وجدنا أنهم فشلوا في أن يحققوا ذاتهم في هذا التصرف، لماذا؟ لأنهم فقدوا كل شيء من ثقافتهم القديمة، وليس لديهم إمكانية التعرف على الثقافة الجديدة، فأغلبهم أخذ قشور ثقافة المهجر، مثل: (الملبس، الشعر الطويل، وشرب الكحول) وغيرها، قشور خارجية دون الخوض في ثقافة البلد الحقيقية، متصورين أن هذه القشور ستضعهم في لب الثقافة الجديدة.أضرب لكم مثلاً في هذا الخصوص: زارني هنا في العيادة شخص، كان قد غير أسمه القديم إلى أسم جديد هو: (على سفينسون)، فسألته لماذا غيرت أسمك؟ فأجاب: “أنا أتكلم اللغة السويدية بشكل جيد، وأنا ليس لدي أي ارتباط بالمجتمع القديم”، فقلت له لكنك تقول أنت: (علي سفينسون) يعني أنت بقيت: (علي)، فقال: “نعم هذا فيه امتزاج أكثر في المجتمع الجديد”، هؤلاء الناس مشكلتهم النفسية معقدة جداً، لأنهم نحروا في داخلهم علاقتهم بثقافتهم الأصلية، ماذا يعني ذلك؟ أغلب هؤلاء قطعوا علاقتهم بعوائلهم، فقدوا علاقتهم بأصدقائهم، ولا يريدون اللقاء حتى مع من يشاركهم الوطن الأصلي، إنهم يريدون أن يمتزجوا مع مجتمع جديد، هو بالحقيقة يرى فيهم شوائب كثيرة، يرى فيهم أنهم غير سويديين، ويرى فيهم أنهم أجانب، إن من يحترم نفسه ويقول أنا سويدي من أصل (كذا) يحترمه السويديون، أنت بإمكانك أن تحمل الجنسية السويدية، لكن أن تكون سويدياً، فأنت تحتاج إلى أمور عديدة أكثر من أن تحمل الجنسية السويدية، أو أن تتكلم اللغة السويدية.

حاوره : محمد المنصور

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.