الكومبس تستطلع: الجريمة في مالمو …هل هناك ما يستوجب القلق

: 1/30/17, 3:08 PM
Updated: 2/7/17, 4:12 PM
الكومبس تستطلع: الجريمة في مالمو …هل هناك ما يستوجب القلق

الكومبس – مالمو – خاص: جرائم إطلاق النار على أشخاص مستهدفين علناً وفي شوارع وساحات مكشوفة هي جرائم خطيرة بكل المقاييس، وعندما تتكرر هذه الجرائم ويكون المستهدفين شبان من خلفيات معينة قد تزداد الخطورة أكثر.

المتابعون لما تنقله وسائل الإعلام عن حوادث إطلاق النار، في الفترات الأخيرة خاصة في مالمو وستوكهولم ويوتيبوري، لا بد أن يتملكهم القلق، على أنفسهم وعلى أبنائهم، ولا بد أن يصلوا الى نتيجة مفادها أن معدل الجريمة في تزايد على الأراضي السويدية.

الاستنتاجات السريعة والعفوية ربما تذهب بعيدا بتفكير الناس، عندما ترتبط باستهداف جنسية معينة ورعايا بلد معين، وهناك من يربط ارتفاع الجريمة الظاهري بارتفاع أعداد اللاجئين والمهاجرين خاصة من البلدان العربية.

ومع أن الإحصاءات وهي أرقام تملك مصداقية واقعية أكثر من الأحكام المتسرعة وراء كل جريمة تنشرها وسائل الإعلام، لا توافق على نظرية ارتفاع معدل الجريمة في المجتمع، وهي لا تربطها إطلاقا بالمهاجرين واللاجئين. ومع ذلك وبسبب البطء في كشف عدة جرائم قتل خاصة في مدينة مالمو كان لابد للحكومة من أن تتحرك لتلافي أي نقص أو خطأ في عمل الشرطة.

بعد حادثة مقتل الشاب أحمد نجم الذبحاوي بيوم أو يومين أثارت الصحافة مسألة كفاءة عمل الشرطة في مالمو، واعطت انطباعا عن وجود أزمة يمر جهاز الشرطة مما توجب قيام وزير الداخلية أنديش أيغمان باستدعاء قائد الشرطة دان أيلياسون ومحاولة إيجاد تفسير للتراجع في سرعة كشف وحل الشرطة لعدد من الجرائم في الوقت الراهن.

مكافحة تهريب السلاح وزيادة عدد عناصر الشرطة من الحلول المطروحة

العديد من السياسيين وأعضاء البرلمان نادوا باتباع طرق جذرية لمكافحة تهريب السلاح وانتشاره خاصة بين الشبان، وكذلك تشديد العقوبات على المخالفين وزيادة عدد عناصر الشرطة في المناطق التي يقل بها الأمن، وتحاول الشرطة الآن في مالمو اكتشاف أسباب وصول الأسلحة غير المشروعة إلى متناول الأيدي التي ترتكب الجرائم خصوصا تلك التي بدأت بها العام الحالي بمقتل الشاب العراقي أحمد نجم الذبحاوي الذي أكدت الشرطة انه لم يكن من اصحاب السوابق ولا وجود له في سجلات الشرطة.

أرقام وحقائق

مالمو مدينة حدودية يربط بينها وبين الدنمارك جسر أوريسند الذي يقول البعض إن أغلب عمليات تهريب الأسلحة تتم من خلاله بحسب أصحاب هذه النظرية.

وبحسب صحيفة ” Sydsvenskan ” ازداد عدد الأشخاص المصابين بالأسلحة منذ عام 2010 الى خمسة أضعاف وجرائم القتل إلى أربعة أضعاف، وتصدرت مدينة مالمو الجريمة من بين كل المدن السويدية الأخرى، في عدد حالات الاعتداءات التي حصل بها استعمال القنابل اليدوية.

ووفقا للصحيفة المذكورة، فإن استعمال السلاح في مدينة مالمو قد بلغ 13 حالة لكل 100 ألف ساكن يقابله 4 في ستوكهولم و 6 في يوتيبوري. ووصل عدد القتلى في مالمو خلال العام الماضي 2016 الى 11 قتيل، حسب إحصائية مجلس الوقاية من الجريمة.

وفي إحصائية أجراها التلفزيون السويدي بينت ان حالات إطلاق النار في المدن السويدية قد تجاوزت الحالات في اوسلو وكوبنهاغن وهلسنكي.

على سبيل المثال أعلنت شرطة العاصمة الدنماركية كوبنهاغن أن عدد حالات إطلاق النار منذ العام 2011 بلغ 122 حالة بينما يصل الرقم إلى الضعف في مدينة يوتيبوري فقط، وهي ثاني أكبر مدينة في السويد، يرجح الكثير من الناس إلى أن تزايد إطلاق النار يتم بواسطة أقارب الضحايا الذين ينتقمون للقتيل.

الناطق باسم شرطة مالمو: لا تزال الشرطة تحقق بكل ملفات القضايا المفتوحة

تتحفظ الشرطة عادة بشكل كبير على المعلومات التي تصرح بها للإعلام حول الجرائم التي تحدث في المدينة.

وعندما حاولت الكومبس الحديث مع الشرطة، بالكاد صرح الناطق الصحفي لشرطة مالمو لارس فورستيل ببعض المعلومات ولم يتوسع بأي معلومة وعن سؤالنا عن العقوبات الحالية لحمل السلاح أجاب قائلا: “تختلف عقوبة حمل السلاح بدون ترخيص حسب نوعه وبشكل عام تتراوح العقوبة بين ستة أشهر وأربع سنوات حسب مدى خطورة السلاح”.

وأضاف موضحا: ” كما تعلمون ليست الشرطة هي من يحدد العقوبات اللازمة لكل جريمة تحدث في مالمو بل هذه وظيفة المحكمة وما زالت الشرطة تحقق في القضايا المفتوحة لغاية اليوم”.

المستشار الأمني لمجلس مدينة مالمو: أنا قلق من عدم مشاركة بقية سكان مالمو القلق الذي يتعرض له البعض.

المستشار الأمني لمجلس بلدية مالمو اندرياس خونستروم عبر عن أسفه لما وصل اليه الحال في مالمو.

وقال لـ الكومبس أنا شخصيا أشعر بالأمان في هذه المدينة ولكن يقلقني عدم مشاركتي هذا الشعور مع بقية سكان مالمو، أنا أعرف أن الضحايا الأبرياء خصوصا يجعلون أهاليهم يعانون كثيرا وايضا يشعر باقي العامة من الناس الأبرياء أيضا بالخوف من التعرض لنفس المصير الذي واجهه شخص بريء ايضا”.

أحمد الصائغ: “هناك خلل في القانون”

يقول أحمد الصائغ وهو عم الشاب احمد الذبحاوي الذي قتل منتصف شهر يناير هذا العام بأن أحد أهم أسباب عدم توصل الشرطة الى المجرمين هو القانون السويدي الذي ينص على انه يتم الإفصاح عن هوية واسم الشاهد على عملية القتل بعد ان يتم الحكم على المجرم مباشرة قائلا: ” لم أكن أعلم بهذا القانون قبل ان تتعرض العائلة إلى هذا الحدث الصعب الذي جعلنا نطلب المساعدة بالتوصل إلى القاتل الذي نحن متأكدون من وجود شهود وقت حدوث عملية القتل ولكن لا أحد منهم يجرؤ على الإفصاح عن المعلومات التي يعرفها بسبب خوفه أن يتم الكشف عن هويته لاحقا وهذا بالطبع يشكل خطرا على حياته بسبب امكانية ان تقوم جماعة المجرم بالانتقام للشخص الذي يقضي محكوميته داخل السجن.

من أهم مطالبنا الآن أن يتم تغيير هذا القانون للتوصل إلى حل الكثير من الجرائم التي لم تحل بعد وبقي مرتكبوها أحرار لغاية اليوم.

استطلاع لـ الكومبس بين سكان مالمو: “هل أنت تشعر بالأمان؟”

تقول إسراء فنجان التي تقيم في مالمو منذ 24 عاما إنها لم تعد تشعر بالأمان الآن مقارنة بالسابق: ” عندما أمشي في شوارع مالمو اليوم لا أستبعد ان يكون الشخص الذي يمشي بقربي يملك بحوزته سلاح، بالطبع أنا لا أجرؤ اليوم على الخروج ليلا وحيدة في الشارع لأني أخاف أن أكون ضحية بالخطأ لشخص آخر تم استهدافه بقربي.

اتمنى ان تكثف الشرطة جهودها بالمحافظة على الأمن في مالمو من خلال مراقبة الحدود وتشديد العقوبات على من يملك أسلحة بدون ترخيص”.

الصورة لـ ( إسراء فنجان )

جاسم المظفر: 5 مليار كرون للنهوض بمالمو أمنيا

جاسم المظفر وهو شخصية اقتصادية معروفة في المدينة ويسكن في مالمو منذ 25 عاماً، لا يلقي باللوم كله على الشرطة حيث يعتقد أن السويديين يدورون في حلقات مفرغة بدون معرفة الأسباب الحقيقية لانتشار الجريمة وتداول السلاح.

ويعتقد المظفر أن أهم الأسباب التي تقف خلف موجة العنف هذه، هي عدم شعور الشباب من أصول أجنبية بالانتماء الى السويد وبالتالي عدم رغبتهم بالشعور بأنهم جزء من هذا البلد رغم أن عملية النهوض بمدينة مالمو بعدم انهيارها أمنيا كلفت 5 مليار كرون! وهو مبلغ كان من الأجدر إقامة مشاريع فيه تجعل الشباب يعملون ويشغلون وقتهم.

مضيفا: “هناك أحياء مهمشة بالكامل في مدينة مالمو وهذا أمر مؤسف لا ينتبه إليه السويديون”.

النائب جمال الحاج: الناس غير معتادين على هذا الكم من الجرائم

جمال الحاج النائب في البرلمان السويدي وهو من أصول عربية ومن سكان مالمو منذ 32 عاما يقول انه يشعر بالفرق في الأمان مقارنة بالوقت السابق، حيث تتكرر جرائم القتل.

وقد يكون أحد أسباب تكرار ذلك هو عدم قدرة الشرطة على حل كل هذه الحوادث مرة واحدة، حيث هناك لغز 13 جريمة قتل خلال سنة واحدة في مالمو و29 جريمة في مقاطعة سكونا!

” لكن مع هذا أعتقد أن السبب الرئيسي هو سبب اجتماعي يعتمد على عدم وجود قدوة لدى الشباب ومثل أعلى يحتذوا به بحذوه، فهم لا يشاهدون آباءهم ينهضون في الساعة السادسة صباحا للاستعداد للذهاب إلى العمل وبالتالي لن يكون لديه هدف في الحياة ولا رغبة في العمل ونحن نعترف أننا أخفقنا ايضا بإيجاد عمل لكل الناس فالحياة لا تكون متوازنة إلا بوجود عمل يمارسه المرء، وعلى الشرطة أيضا إتقان وظيفتها وهي الإمساك بالمجرمين”.

يذكر أن النائب الحاج استنطق وزير الداخلية أنديش إيغمان في الركسداغ (البرلمان السويدي) قبل أيام، وطالبه بأن تزيد الشرطة من فعاليتها في المدينة بعد مقتل شابين من أصول عراقية وهما ليسا من أصحاب السوابق كما أكدت الشرطة، الوزير السويدي تقبل مداخلة النائب الحاج ووافق على فحواها لأنها تدخل ضمن توجهات الحكومة الحالية.

ريم موسى: حاربنا كثيرا للفت الانتباه

ريم موسى أحد أقارب الشاب رامي أمين الذي قتل في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2016 في مالمو تقول:” شعور الصدمة كان يسيطر علينا بشكل كامل بعد معرفتنا بخبر مقتل رامي الذي كان يعيش في بولونيا لمدة خمس سنوات بهدف الدراسة وعاد إلى مدينة مالمو ليقتل بعد 6 شهور من تاريخ عودته”.

حاربنا كثيرا نحن السويديين من أصول أجنبية لنلفت أنظار الرأي العام الى قضايانا وحث السياسيين للاهتمام بالمصير الذي يواجهه البعض منا، هل كان علينا ان نثير كل هذه الجلبة الإعلامية ونقوم بالمسيرات والمظاهرات للفت النظر أنه لابد من ايجاد المجرم ومعاقبته؟

لماذا لم يقم السويديين بأمر مماثل لأنهم بالطبع ليسوا بحاجة اليه مثلنا، فبمجرد سماع خبر ان شخص سويدي انقتل مباشرة تتجه اصابع الاتهام للضحية وتتساءل عن الذنب الذي قام به ليستحق القتل بدل البحث عن الجاني! لا أحد يستحق هذا العقاب القاسي وهو الحرمان من الحياة خصوصا بالنسبة للشباب الذين قد يقومون ببعض الأخطاء في بداية حياتهم الجميع يستحق فرصة أخرى”.

هكذا يتم استدراج الشباب من قبل عصابات الجريمة

“انا خائف جدا لا يمكنني أن أدفع حياتي ثمناً لخطأ قمت به ولم أكن أعرف تداعياته، عمري 14 عاما أعيش حياة عادية واذهب الى مدرستي يوميا الجميع كان يطلق عليّ لقب جبان لأني مسالم ولا أختلط بالأولاد الأقوياء!

في أحد الأيام طلب مني أحدهم طلب بسيط هو فقط الذهاب إلى حفرة في مكان معين وفتحها وأخذ منها كيس صغير وايصاله الى شخص يقف بالجهة المقابلة والحصول على مبلغ مالي منه وستكون هذه المرة الأولى والأخيرة وعندما قمت بتلك العملية بدأت بعدها حياتي بالتحول إلى كابوس بين أهلي وبين المحيط في المدرسة والآن بدأ الآخرون يهددوني مما اضطرني ان اطلب المساعدة من أهلي”.

هذه شهادة أحد الأشخاص من الذين طلبوا عدم نشر اسمه، تليها الشهادة الثانية التي طلب ايضا عدم نشر اسمه:

“عمري 21 عاماً، لا اتدخل فيما لا يعنيني ولكن إذا لن تذكري اسمي سأخبرك إن الناس والشرطة والجميع ينظرون باتجاه بينما الحقيقة في مكان آخر.. الكثير من الجرائم التي تحدث يعتقد الناس أن الضحية متورط بالمخدرات بينما الأمر يتعلق بقضايا الانتقام وجرائم الشرف التي حتى الشرطة السويدية لا تستطيع حسم أمرها وتعتبرها مشاكل داخلية.

يتم قتل شباب تورطوا بعلاقات عاطفية وجنسية ويتم إخفاء جثثهم أيضا لأسباب الأخذ بالثأر ويضطر الجميع إلى البقاء صامتا بسبب الفضائح والمجتمع”.

وكما ذكرنا في بداية التقرير تشير كل الإحصاءات الواقعية على أن مستوى الجريمة ينخفض باستمرار في المجتمع السويدي، ولكن من المهام الأساسية للإعلام نشر الأخبار عن كل حادث أو جريمة لكي يعرف المجتمع عنها، ويبقى اللافت أيضا هو زيادة عمليات إطلاق النار، فعندما كنا نسمع عن حوادث طعن وقتل بطرق مختلفة خاصة بين الشباب أصبحنا الآن نسمع أكثر عن إطلاق النار، ما يعني تزايد السلاح بين الناس وخاصة الشباب.

ومن الوقائع الإحصائية اللافتة أيضا أن أغلب حوادث القتل تحصل بين أفراد العائلة الواحدة، وأن أسباب القتل على خلفيات عرقية أو عنصرية أو حتى إرهابية هي الأقل.

ومهما عززت الشرطة من وسائلها بزيادة أعداد الشرطة والدوريات ورفع العقوبات إلا أن العديد من المفكرين والكتاب يؤكدون أن مكافحة الجريمة مسؤولية اجتماعية وجماعية كما يجب الانتباه إلى عدم التهويل وإعطاء القضايا أبعاد سياسية وعنصرية دون التأكد من الحقائق.

زينب وتوت مالمو

محمود صالح ستوكهولم

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.