منوعات

اللغة كائن حي قد تندثر وتموت.. فما هي أقدم لغة في العالم؟

: 9/11/23, 4:51 PM
Updated: 9/11/23, 4:51 PM
ساعدت العلامات الموجودة في حجر رشيد في فك رموز اللغة الهيروغليفية
ساعدت العلامات الموجودة في حجر رشيد في فك رموز اللغة الهيروغليفية

السؤال بسيط، ولكن الإجابة صعبة. تزدهر اللغة من خلال التحدث بها. ولكن بدون تدوين للغات ووجود سجلات مكتوبة لها، لا يمكن أن نعرف سوى القليل عن أصل اللغات. فما هي أقدم لغات العالم. يمكن أن يتم فقدان العلم بسرعة، مثلا من خلال وسائط التخزين القديمة التي لم يعد يستخدمها أحد اليوم. فالمعلومات المخزنة على القرص المرن لن نستطيع الوصول إليها، في حالة فقدان أجهزة القراءة المناسبة. وبما أن اللغة والكتابة في حالة تطور دائم، فحتى المعلومات الموجودة في كتاب معين – وهو أمر يمكن على الأقل الرجوع إليه في أي وقت – يمكن أن تصبح غير مفهومة.

ويكاد يكون من المستحيل الوصول إلى معلومات لم يتم تدوينها في أي مكان وبالتالي لم يتم حفظها للأجيال القادمة.

البقاء لمن يكتب

ولهذا السبب تصعب الإجابة على السؤال البسيط حول أقدم لغة في العالم. فهناك لغات قد تم تناقلها شفهيا لعدة قرون ربما، ولكنها تذهب طي النسيان، ما لم تترك أثرا مكتوبا.

اللغة المكتوبة فقط تترك آثارا مفهومة. وفقط إذا كانت مكتوبة على شيء يصمد طوال قرون. وهكذا فقد ضاعت الكتابات التي دونت على المواد العضوية مثل لحاء الأشجار، في حين بقيت الكتابات المدونة على الحجر أو الطين صامدة لآلاف السنين. ما إذا كان بإمكاننا اليوم قراءتها وفهمها، هذه مسألة أخرى.

أقدم الأدلة المكتوبة

أقدم لغة مكتوبة موثقة هي الكتابة المسمارية، حيث كُتبت الحروف المسمارية على ألواح طينية ناعمة. وأقدم النصوص المسمارية المعروفة جاءتنا من السومريين في بلاد ما بين النهرين (دجلة والفرات)، في الألفية الرابعة قبل الميلاد. وهناك نصوص وصلت إلينا تعود إلى العام 3200 قبل الميلاد. ومن أشهر الأعمال باللغة السومرية ملحمة جلجامش. ولعبت اللغات المسمارية دورا حاسما في التطور اللاحق للكتابة الأوروبية.

كما أن الكتابة الهيروغليفية المصرية قديمة مثلها أيضا، كتلك الرسوم المنحوتة في قبر الفرعون ست – بر إب سن (2775-2650 قبل الميلاد)، وبالتالي حُفظت للأجيال القادمة. العبارة الموجودة هناك هي: “لقد وحّد البلدين من أجل ابنه، الملك المزدوج بر إب سن”. وهذه يعتبرها الخبراء أقدم جملة مكتملة مكتوبة.

ورغم أنه تم الحفاظ على الكتابة، إلا أنه لا يسعنا سوى تخمين كيف تنطق الحروف والكلمات في أقدم اللغات المكتوبة، أي السومرية والأكادية والمصرية القديمة. وذلك لأن تلك اللغات الثلاث انقرضت؛ أي تعد مستخدمة وليس لها “أحفاد” أحياء.

التنوع اللغوي العالمي

هناك اليوم 7100 لغة حول العالم، 40 بالمئة منها مهددة بالانقراض. وبعض اللغات لا يتحدث بها سوى أقل من 1000 شخص، وهناك خطر من اختفائها خلال بضعة أجيال؛ ما يعني فقدان جزء أساسي من الهوية الثقافية.

وبالمقابل هناك 23 لغة يستخدمها أكثر من نصف سكان العالم. اللغات العشر الأوسع انتشارا في العالم هي الصينية (الماندرين)، والإسبانية، والإنجليزية، والهندية، والعربية، والبرتغالية، والبنغالية، والروسية، واليابانية، والبنجابية. وبالمناسبة، تحتل اللغة الألمانية المركز الحادي عشر.

ناجحة منذ آلاف السنين

وبينما انقرضت أقدم اللغات المكتوبة، إلا أن بعض اللغات القديمة لا تزال حية إلى اليوم، كاللغة التاميلية، التي يعتبرها الكثير من اللغويين أقدم لغة لا تزال قيد الاستخدام. التاميلية هي إحدى اللغات الرسمية الـ 22 في الهند، ويتحدث بها ما يقرب من 85 مليون شخص في جنوب الهند وسريلانكا. يرجع تاريخ أقدم الكتابات التاميلية إلى القرن الخامس قبل الميلاد. ولكن تحليل “تولكابيام”، وهو نص نحوي باللغة التاميلية، يشير إلى أن عمر اللغة التاميلة يجب أن لا يقل عن 5000 عام.

اللغة السنسكريتية قديمة كذلك، وتعود لأكثر من 3000 عام، ولكن نادرا ما يتم التحدث بها اليوم. أقدم السجلات المكتوبة باللغة السنسكريتية هي النصوص الهندوسية، التي يعود تاريخها إلى ما بين 1500 و1200 قبل الميلاد. وعرفت تلك الكتابات باسم الفيدا، وهي مجموعة من النصوص الدينية. وكانت السنسكريتية لغة علمية في المقام الأول، وتستخدم في النصوص الهندية القديمة، والكتب الدينية المقدسة، والأعمال الأدبية. ورغم ندرة استخدامها حاليا، إلا أن السنسكريتية هي اللغة الأصلية للعديد من اللغات الهندية الحديثة واللهجات المحلية.

تعد اللغة الصينية واحدة من أقدم اللغات المستخدمة حتى الآن، ويتحدث بها اليوم أكثر من مليار شخص. وقد تعود جذور اللغة الصينية إلى آلاف السنين. وربما نشأت اللغة الصينية قبل حوالي 4500 عام، مشتقةً من اللغة الصينية التبتية البدائية، والتي تعتبر أيضا أصل اللغتين البورمية والتبتية. وتعد أقدم الاكتشافات للكتابة الصينية نقوش حفرت على أصداف السلاحف وعظام الحيوانات، والتي ترجع إلى حوالي 3300 عام.

كما تعتبر العبرية والعربية أيضا من أقدم اللغات التي لا تزال مستخدمة. وقد تعود الجذور اللغوية لهاتين اللغتين الأفرو آسيويتين إلى ما بين 10 آلاف و20 ألف سنة، ولكن أقدم السجلات المكتوبة عن اللغتين تعود إلى حوالي 3000 سنة “فقط”.

هل كانت هناك لغة أصلية مشتركة؟

وحتى لو لم يتم العثور على أدلة مكتوبة، فقد كان لدى البشر أنظمة تواصل معقدة يستخدمونها منذ آلاف السنين. وهناك العديد من النظريات اللغوية حول أصول اللغة البشرية، ولكن لم يتم الوصول إلى دليل كامل لأي من تلك النظريات.

قد تكون اللغة البشرية قد تطورت من خلال مجموعة من العوامل، كتطور الأدمغة المعقدة، والتفاعل الاجتماعي، والحاجة للتعاون عند الصيد وجمع الطعام. وربما تطورت اللغة بمرور الوقت من خلال مزيج من إيماءات اليد وحركات الجسم.

وهناك أيضا نظرية تقول إنه كان هناك في السابق ما يُعرف باسم “اللغة البدائية”، وهي لغة مشتركة قديمة اشتق منها مع الوقت كل اللغات الحديثة. بيد أنه ليس هناك أدلة كافية على وجود مثل هذه اللغة العالمية المشتركة.

التنوع من خلال العزلة والهجرة

من المرجح أنه كان هناك الكثير من اللغات واللهجات الإقليمية المختلفة في مجتمعات ما قبل التاريخ، في وضع مشابه لحالنا اليوم. وهكذا تنوعت اللغات البشرية مع مرور الوقت، من خلال العزلة الجغرافية والتبادل الثقافي والهجرة.

فعندما انفصلت مجموعتين من الناس عن بعضهما وواجهتا عوامل مختلفة في البيئة المحيطة، تطورت اللغة لدى كل منهما بشكل مستقل عن الأخرى. وهكذا ظهرت اللغات المتعددة التي (لا تزال) موجودة لدينا حتى اليوم.

ألكسندر فرويند/ف.ي

ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية و DW

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.