الكومبس – ثقافة: مرة أخرى يوضع الإبداع العربي في قفص الاتهام، فها هي هذه المرة الرواية الجديدة للكاتب الكويتي سعود السنعوسي “فئران أمي حصّة” تًحوّل إلى لجنة للرقابة بالكويت لفحصها ليتم الفصل في جواز أو عدم جواز تداولها في البلاد.
الرواية الجديدة التي تتجاوز الأسئلة السريعة والبسيطة إلى الغوص في أعماق الذات والمجتمع من خلال لغة جريئة انتهجها الراوي.. جرأة أرادها للتحذير والتنبيه ووقوف الانسان في مساءلة حقيقة وصريحة مع الحياة.. فهي تشبه الواقع إلى حد كبير والإنسان العربي كما وصفها العديد من النقاد والإعلاميين، وتعري العديد من الخبايا لكن في عالم أراده الروائي افتراضيا أطلّ من خلاله الكاتب من نافذة الاستشراف على المستقبل.
أحداث الرواية تدور سنة 2020 وتطرح مسألة الانسان الكويتي والذي انتقل من مرحلة العُروبية إلى الاستغراب، متخذا من النموذج الغربي والأمريكي نموذجا مثاليا له، وما ينجر عن ذلك من انسلاخ ومغالطات إيديولوجية أدخلت الدين في لعبة السياسة وجعلته يستعمل كوسيلة للضغط والتشويه والتفكيك في العديد من الدول العربية.
الرواية هي ثالث عمل للكاتب الروائي الشاب والذي تمكن من حصد جائزة البوكر العالمية سنة 2013 عن روايته ساق البامبو والتي ترجمت للعديد من اللغات حيث ألقى فيها الضوء على فئة من فئات “البِدُونْ” وهم أبناء الزواج المختلط بين الكويتيين والمهاجرين من الآسيويين الذين وفدوا إلى الخليج العربي للظفر بعمل فإذا بهم ينجبون أولادا يستقبلون بالرفض وعدم الاعتراف ليجدون أنفسهم دون هوية.
قضية تعتبر أكثر شيوعا في المجتمعات الكويتية والخليجية بصفة عامة وتعتبر طابو لما تحمله من اختراق لحقوق الانسان واستغلال للعمالة الأجنبية.. وهو ما جعل الرواية أيضا تقابل بالتوجس وامتعاض الكثير من المجتمع الكويتي حين إصدارها لكنها تمكنت من الانفلات من القيود لتحظى بالبوكر، لكن يبدو بأن الحظ لم يحالف الروائي مع روايته الجديدة “فئران أمي حصة”، والتي منعت من التداول داخل الكويت حين إصدارها.
الكاتبة الكويتية بثينة العيسي وصفت الرواية بهذه الكلمات: “فئران أمّي حصة رواية مكتوبة بقسوة، لكنها قسوة المحب، قسوة كلها حنو، رواية تحذيرية بامتياز، وسؤال “وين رايحين” لم يعد سؤالاً ترفيًا، الرواية تضعك في مواجهةٍ صريحة ومباشرة مع نفسك، ولأنّها حقيقية جداً، تشبهنا جداً، فهي رواية لا تحتمل”.
سعود السنعوسي صاحب الكتابات التي تتميز بالانزياح والرمزية والخروج عن المألوف وتشويق القارئ بلغة جريئة ومتحررة ليدفع ضريبة حريته في التعبير رقابة ومنع ومصادرة لروايته من النشر والتداول داخل مجتمعه، منع يؤكد للمرة الألف أن الرقابة العربية ما زالت تخشى أقلام المبدعين ولم تصل بعد لمرحلة تمكنها من مواجهة نفسها ومساءلة أخطائها وتقبل مبدعيها، فإلى متى يظل الكاتب في مجتمعاتنا العربية يئن تحت وطأة الرقابة ويجد نفسه في قفص الاتهام فقط لأنه مبدع؟ وما هو مصير الروائي وما هو مصير الإبداع في بلداننا العربية؟ أسئلة تستحضر الكثير من الأسماء إلى الواجهة من المكفرين والمباح دمهم والمعاقبين فقط لأنهم أسقطوا إبداعيا ما يحب الكثير أن يمارسونه في الظل بعيداً عن أشعة الشمس.
حنان تواتي – كاتبة جزائرية