باتت الهند والأرجنتين نموذجين للبلدين الطاردين للاستثمارات الأجنبية، بسبب احجام الأولى عن تطبيق سياسات جاذبة لهذه الاستثمارات واستخدام الثانية سلاح التأميم في وجه استثمارات شركة إسبانية لاستخراج البترول.
باتت الهند والأرجنتين نموذجين للبلدين الطاردين للاستثمارات الأجنبية، بسبب احجام الأولى عن تطبيق سياسات جاذبة لهذه الاستثمارات واستخدام الثانية سلاح التأميم في وجه استثمارات شركة إسبانية لاستخراج البترول.
ويرى مراقبون أن المقلق في الأمر هو أن جميع التدابير التي اتخذتها الدولتان لاقت قبولا شعبيا منقطع النظير، مما يعني أننا بصدد انتظار انضمام دول أخرى لقائمة الدول التي قررت الارتداد عن سياسات الخصخصة التي اتبعتها خلال عقود سابقة.
وتراجعت استثمارات المؤسسات الأجنبية المتجهة للأسواق الهندية، حيث تشير البيانات الى ان تدفقات هذه الاستثمارات انكمشت في شهر أبريل لتصل إلى ١٧١,٨ مليون دولار فقط، نزولا عن تدفقات بقيمة ٥ مليارات دولار في شهر فبراير، وتقلصت كذلك الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث لم يتم إبرام سوى ٥ صفقات كبرى في عام ٢٠١١، كما شكلت هذه الصفقات نحو ثلثي إجمالي استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة ٢٧,٥ مليار دولار خلال الفترة نفسها.
وسرعان ما تأثرت العملة بهذا التراجع في الاستثمارات الأجنبية، حيث خسرت الروبية الهندية ما يزيد على ٤% من قيمتها خلال شهر أبريل، ويتوقع المحللون أن يتسبب تراجع الاستثمارات على النحو السابق في حدوث تداعيات أخرى أشد خطورة، خصوصاً أن الهند تعاني عجزا كبيرا في الحساب الجاري لأن وارداتها تتجاوز صادراتها، وترجح التقديرات الحكومية بلوغ العجز مستوي مرتفعا يقدر ٤% من إجمالي الناتج المحلي في العام الماضي.
ويؤدي تراجع العملة إلى رفع تكاليف المدخلات التي تتحملها الشركات الصناعية التي تستورد مواد وسلعا رأسمالية، مما يهدد بتخفيض هوامش أرباحها، وتواجه كذلك مجموعة من الشركات المملوكة للحكومة مخاطر تقليص تصنيفها الائتماني من قبل وكالة ستاندر آند بورز للتصنيف الائتماني.
ويرى المحللون أن الخروج الآمن الوحيد من المأزق الحالي الذي تواجهه الهند هو تحسين الأداء الاقتصادي وتعديل السياسات الاقتصادية، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في خلو الساحة الهندية من كلا الخيارين في الوقت الراهن.
ويري هارش جوشيهارد، الكاتب في صحيفة وول ستريت، أن أهمية الاستثمارات الأجنبية تكمن في أنها تضمن الإسراع برفع معدلات النمو الاقتصادي وتقليص معدلات التضخم، ويقتصر دور الحكومة في هذا الخصوص على إقناع الراغبين في ضخ استثمارات طويلة الأجل أن مشروعاتهم لن تصبح عرضة للتعطل، بسبب التطبيق المفرط للروتين في مجال حيازة الأراضي أو وجود قوانين ضريبية غير شفافة.
واستخدم بنك الاحتياط الهندي (البنك المركزي) مؤشراً لقياس حجم الأضرار التي تلحق بالاستثمارات الأجنبية المباشرة جراء تطبيق سياسات حكومية خاطئة، وكشف المؤشر أن كل نقطة تحسن في السياسات الحكومية يمكنها إضافة أربع نقاط مئوية إلى نسبة الاستثمارات المباشرة من إجمالي الناتج المحلي، وتراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام ٢٠١١ بنسبة ٢٥% عما كان عليه الوضع في حال إقرار سياسات حكومية أكثر رشدا.
وكان برناب موخاريجي، وزير المالية الهندي قد وعد بإقرار اصلاحات تستهدف اجتذاب المستثمرين الأجانب خلال العام الحالي، لكنه لا يتم اتخاذ إجراءات فعلية في الطريق السليم.
ويعد أفضل مثال على تخبط هذه السياسات هو التداول الحالي لمسودة قانون تتيح للحكومة زيادة الضرائب المفروضة بأثر رجعي على صفقات الاستثمارات الأجنبية مدة تصل إلى ٥٠ عاما سابقة.
ويرى المراقبون أن إقدام الساسة الهنود على سن تشريعات طاردة للاستثمارات الأجنبية سيؤدي إلى حرمان البلاد من قدر كبير من رؤوس الأموال التي تبدو البلاد في حاجة ماسة اليها لإنفاقها على مشروعات تطوير البنية التحتية والتصنيع.
ولم تخل الخطوة الأخيرة التي اتخذتها رئيسة الأرجنتين كرتشنر بتأميم وحدة تابعة لشركة ريبسول الإسبانية المتخصصة في استخراج البترول من مبررات لاقت قبولا شعبيا، حيث قالت إن الشركة الإسبانية لم تؤد الدور المنوط بها على الوجه الأكمل في مجال استخراج البترول للحد الذي يتيح وصول الطاقة بأسعار رخيصة للمستهلكين في الأرجنتين.
ويرى مايكل كودنير، الكاتب بموقع كومديتيز ستريت جورنال، أن الخطوة الأرجنتينية تستهدف الاستيلاء على موارد مالية تتيح لها تمويل العجز الحكومي وتخفيف حدة الضغوط التضخمية، وأنها تتماثل مع خطوات مماثلة تم اتخاذها في مجال صناديق المعاشات والبنوك.
وقررت إسبانيا ردا على إجراءات التأميم تقييد وارداتها من الأرجنتين، كما أعلنت أنها تخطط لاتخاذ اجراءات إضافية تستهدف تقليص وارداتها الأخرى من المنتجات الأرجنتينية.
ويرى مراقبون أن عدوى التأميم تنتقل من دولة لأخرى في منطقة أمريكا اللاتينية، حيث تتماثل إجراءات التأميم التي اتخذتها الأرجنتين مع تلك التي اتخذها هوجو شافيز، رئيس فنزويلا في مطلع العقد الماضي، وقام شافيز بتقديم يد العون للأرجنتين عبر العديد من برامج القروض، وسبق خطوة التأميم الحالية قيام رئيسة الأرجنتين بتأميم أنظمة المعاشات في البلاد، مما يعني أن التأميم أصبح مدرجا كسياسة عامة للدولة وأنه سيتم تطبيقه تدريجياً في البلاد.
ويرى كوردنير أن تأميم الشركة الإسبانية سيجلب للبلاد إيرادات كافية لتمويل نقص الموارد المالية الحكومية حتى نهاية عام ٢٠١٢، لكنها ستجد نفسها في حاجة للبحث عن مصادر أخرى من الإيرادات الإضافية بداية من عام ٢٠١٣..