الولايات المتحدة لا يمكنها إدارة ظهرها للشرق الأوسط

: 11/21/12, 10:34 AM
Updated: 11/21/12, 10:34 AM
الولايات المتحدة لا يمكنها إدارة ظهرها للشرق الأوسط

يبدو أن عصرا آخر قد مضى، لكن في الواقع لم تمض سوى أربعة أسابيع على مناظرة باراك أوباما وميت رومني حول السياسة الخارجية. أثناء تلك المناظرة التي استمرت 90 دقيقة، ورد ذكر الشرق الأوسط في 24 مناسبة وإسرائيل في 35 مناسبة، وآسيا؟ مرتين. وفي الوقت الذي يقوم فيه الرئيس أوباما فعليا بجولته الأولى في فترة ولايته الثانية، نجد أن غزة مشتعلة، والأردن على حافة الهاوية، ولا تزال الحرب دائرة في سورية.

يبدو أن عصرا آخر قد مضى، لكن في الواقع لم تمض سوى أربعة أسابيع على مناظرة باراك أوباما وميت رومني حول السياسة الخارجية. أثناء تلك المناظرة التي استمرت 90 دقيقة، ورد ذكر الشرق الأوسط في 24 مناسبة وإسرائيل في 35 مناسبة، وآسيا؟ مرتين. وفي الوقت الذي يقوم فيه الرئيس أوباما فعليا بجولته الأولى في فترة ولايته الثانية، نجد أن غزة مشتعلة، والأردن على حافة الهاوية، ولا تزال الحرب دائرة في سورية. ومع هذا طار أوباما مباشرة إلى آسيا. والرمزية مهمة هنا، لأن واحدا من أكثر المؤشرات إثارة للاهتمام بشأن الفترة الثانية لأوباما -رغم كل ما كان من خطابه في المناظرات- يوحي بأنه سيبدأ العمل على التقليل من أهمية مواقع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، من أجل التركيز بشكل أكثر على منطقة آسيا والمحيط الهادئ. و"محور" إدارة أوباما في آخذ في التشكل فعليا منذ عامين على الأقل. فالمسؤولون في الإدارة لا يملون قط من الإشارة إلى أن آسيا الباسيفيكية هي أكثر المناطق المفعمة بالحيوية في العالم، بينما يعترفون في مجالسهم الخاصة بأن صعود الصين يمثل أكبر تحد أمام النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة منذ أيام الحرب الباردة. وفي الأسبوع الماضي قال توم دونيلون، مستشار الأمن في البيت الأبيض: "الولايات المتحدة قوة باسفيكية لا تنفصم مصالحها عن أمن آسيا الاقتصادي وأمن نظامها السياسي". وأضاف: "نجاح أمريكا في القرن 21 مرتبط بنجاح آسيا". واحتمال التراجع التدريجي عن الشرق الأوسط هو أحد الأمور التي تلقى استحسانا عند عدد من الواقعيين، ممن سئموا من أداء دور الشرطي القائم على أمر السياسات السامة في المنطقة، وكذلك من التقدميين الذين يأملون في الحصول على فرصة لتقليص بصمة أمريكا الإمبريالية، في وقت يوشك فيه عصر الحروب في العراق وأفغانستان على الانتهاء.

والتحولات السيزمية في تجارة النفط العالمية تجعل هذه الفكرة أكثر قابلية للتصور، إذ توقعت وكالة الطاقة الدولية في الأسبوع الماضي أن تصل الولايات المتحدة إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة في غضون عقدين من الزمان. وفي الوقت ذاته، يتجه نحو 90 في المائة من نفط الشرق الأوسط إلى آسيا، خصوصا إلى الصين. وبدأ بعضهم يتساءل، لماذا ينبغي للولايات المتحدة أن تقضي كل هذا الوقت وتنفق هذه الأموال لضمان مرور ناقلات النفط عبر مضيق هرمز، بينما يجري قطع العلاقات الاقتصادية المباشرة بين واشنطن والشرق الأوسط بوتيرة متباطئة؟ ببساطة يمكن أن تكون هذه واحدة من تلك اللحظات التي تغير فيها المشهد الجيوسياسي بصورة سريعة.

لكن كما تقول عبارة يديش القديمة، لا بد أن الولايات المتحدة محظوظة. فعلى الرغم من أن ذلك يمكن أن يبدو أمرا مغريا، إلا أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تدير ظهرها بسهولة للشرق الأوسط. فإذا كانت الولايات المتحدة تريد بالفعل أن تعزز مكانتها باعتبارها قوة راسخة في المحيط الهادئ، كما يقترح دونيلون، فإن واشنطن نفسها مرتبطة بتجارة النفط في الشرق الأوسط مثلما كانت دائما.

وتأثير أمريكا في آسيا متأصل في تحالفها الجوهري مع اليابان وكوريا الجنوبية. والصين ليست المستهلك الآسيوي الكبير الوحيد لنفط الشرق الشرق الأوسط. فاليابان وكوريا تعتمدان أيضا على الصادرات الآتية من منطقة الشرق الأوسط. وإن اعتقدت طوكيو وسيئول أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على ضمان سلامة واردات نفط الشرق الأوسط، فقد تبدأ حساباتهما الاستراتيجية في التغيير. والعولمة أيضا تفرض شكلا من أشكال التعرض غير المباشر. فكل شاشة تلفاز مسطحة جديدة وكل آيباد جديد يحتوي على مواد بلاستيكية وغيرها من المنتجات التي يُستخدم النفط في صناعتها. وشبكات توريد النفط التي تقع في قلب الاقتصاد العالمي تستمد استمراريتها من نفط الشرق الأوسط. والعقلية الأطلسية ترى أن الشرق الأوسط يبدأ من قناة السويس. وبحسب جون ألترمان، مختص الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "هناك وجهة نظر تنتمي للساحل الشرقي (للولايات المتحدة) بشأن الشرق الأوسط تستند إلى التاريخ وأن الولايات المتحدة تأخذ الدور البريطاني والفرنسي" في المنطقة.

لكن منظر الشرق الأوسط من ساحل المحيط الهادئ مختلف جدا. فهو يبدأ من منطقة الخليج، ويمر بالهند في طريقه إلى مصانع شرقي آسيا وينتهي عند المستهلك الأمريكي. إذا كانت واشنطن تريد أن تظل القوة المحورية بالنسبة لآسيا، فلا يمكن الالتفاف حول حقيقة اعتماد آسيا على نفط الشرق الأوسط. والدور المحوري لآسيا لن يسحب أمريكا بعيدا عن الشرق الأوسط، بل يعيدها إلى المنطقة، لكن بطريقة مختلفة.

جيوف داير

فينينشال تايمز- الإقتصادية

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.