باحث سويدي في “حرية التعبير”: هذا ما يتعين على المسلمين القيام به

: 2/21/23, 4:50 PM
Updated: 2/21/23, 4:50 PM
الصحفي والخبير في قضايا حرية التعبير نيلس فونكه 
Foto: Janerik Henriksson / TT
الصحفي والخبير في قضايا حرية التعبير نيلس فونكه Foto: Janerik Henriksson / TT

الكومبس – خاص: أوقفت الشرطة السويدية عدة طلبات في الفترة الأخيرة يريد أصحابها حرق نسخ من المصحف في ستوكهولم، البعض اعتبر ذلك تراجعاً أمام ضغط الجاليات المسلمة داخل السويد وبعض الدول من الخارج، وآخرون رأوا أن هذا له علاقة بالتقييمات الآنية للشرطة.

موافقات الشرطة سابقاً على منح اليميني المتطرف راسموس بالودان إذناً في مرات عدة، بالتظاهر وحرق نسخ من المصحف في أماكن عامة خاصة قريبة من تجمعات المسلمين، أثارت كثيراً من الجدل والنقاشات حول معنى وحدود “حرية التعبير” التي يتسلح بها متطرف كبالودان من أجل استفزاز المسلمين، والتعرض لمجموعة دينية ونشر الكراهية ضدها.

ومع أن حرية التعبير تعد أحد أربع أسس للدستور السويدي، ومع أن البرلمان السويدي، أعلى سلطة تشريعية في البلاد، هو من يكلف الشرطة بتنفيذ وحماية أسس الدستور، فإن الشرطة لديها صلاحيات بوقف أي تصريح لمظاهرة أو فعالية قد تجد أنها تضر بالأمن العام، هذه الصلاحية استخدمتها الشرطة مرات عدة، لكن كان أصحاب الطلب يشتكون ضد الشرطة في المحاكم، وحصل، في عدة مرات، أن حكم القضاء لصالح أصحاب الطلبات وأجبر الشرطة على التراجع.

نظراً لأهمية موضوع مبدأ حرية التعبير الذي يشكل أحد ركائز الدستور السويدي، ومحاولات استغلال هذه الركيزة في زعزعة الأمن المجتمعي وإهانة مجموعة دينية كبيرة واستفزازها، قابلت الكومبس الكاتب الصحفي والأستاذ الجامعي نيلس فونكه (Nils Funcke)  الذي عمل في عدة لجان وأبحاث تتعلق بحرية التعبير وساهم في تأسيس Allmänhetens Medieombudsman أو أمين مظالم وسائل الإعلام، في حوار يستهدف توضيح معنى حرية التعبير ومتى وكيف وإلى أي حد يمكن استخدامه ومتى يتحول إلى أداة وحجة لإهانة وإيذاء الآخرين؟

القانون يسمح بنقد الأديان ويمنع إهانة المتدينين

ما الخط الفاصل بين حرية التعبير وجرائم الكراهية؟

من المهم الفصل بين الحق في نقد الدين ضمن مبدأ حرية التعبير، والمساس بالمجموعات العرقية المختلفة. يجب أن نميز بين الأمرين. في السويد، لم يعد لدينا ما يمكن اعتباره جريمة ضد سلام المعتقد (أو بمعنى آخر ازدراء الدين trosfridsbrott) فقد تم إلغاء هذه الجريمة في منتصف السبعينات. وأصبح هناك حرية في مناقشة المعتقدات المختلفة وحتى التشكيك بها. ويمكن التعبير عن ذلك في حرق المصحف. لذلك يُسمح وفقاً للتشريعات السويدية بذلك، تماماً كما يُسمح بحرق العلم السويدي، أو الرموز الأخرى.

حتى لو كان لدى الشخص الذي يقوم بحرق المصحف نية التحريض ضد مجموعة من السكان، في هذه الحالة ضد المسلمين، عن طريق حرق نسخ من كتابهم المقدس، أليس هذا العمل تحريضاً على مجموعة سكانية (hets mot folkgrupp)؟

لا، يجب النظر وتقييم الفعل الذي قام به الشخص. لدينا قواعد قانونية تحد من قدرة أي شخص على استخدام حرية التعبير في إهانة مجموعة معينة من الناس، على سبيل المثال، عندما لا يتوجه النقد إلى الدين، إنما إلى الأشخاص الذين يمارسونه. توجيه الإهانات إلى الأشخاص الذين ينتمون إلى مجموعة معينة من خلال الكلام أو الكتابة أو من خلال الصور، هذه تصرفات يعاقب عليها القانون. لذلك يتمتع الأشخاص الذين يعتنقون أي دين معين بالحماية القوية جداً هنا في السويد، ومن يوجه إهانة لشخص أو لأشخاص لأنهم ينتمون إلى دين أو طائفة معينة يعتبر ذلك تحريضاً ضد الجماعات العرقية. وبنفس الطريقة، يُعاقب من يقوم بتحريض الناس على ارتكاب أفعال ضد أي مجموعة معينة.

هذا ينطبق أيضاً عند استهداف فرد معين، فهذا بالتأكيد سيكون تشهيراً. على سبيل المثال، توجيه إهانة إلى شخص ممثل مجموعة معينة، تجري وقتها المقاضاة على أنها تشهير بهذا الشخص. لذا فإن انتقاد الأديان والعقائد الأخرى يصنف ضمن حرية تعبير. ومع ذلك، فإن التحدث باستخفاف عن المجموعات العرقية هو أمر مختلف، بمعنى القانون لا يسمح بذلك. هذه هي الطريقة التي يتم بها هيكلة التشريع هنا في السويد ويمكنني أن أفهم أن الكثير من الناس فوجئوا بأننا نسمح بهذا النقد بعيد المدى للدين. لكن هذا مثل تقاليدنا هنا في السويد. ومن المهم أيضاً الإشارة إلى أن لديك حماية عندما يتعلق الأمر بالحق في ممارسة شعائر دينك. لذلك يجب على الشرطة، على سبيل المثال، حماية المساجد والمعابد اليهودية ومباني الكنائس من مختلف أشكال التخريب.

هذا ما يجب فعله لتعديل القوانين

لكن في فنلندا يعتبر حرق المصحف جريمة ضد الحرية الدينية، هل هذا شيء يمكن أن يصبح حقيقة واقعة في السويد؟

هناك فروقات ثقافية مختلفة حتى هنا بين دول الشمال. في فنلندا، اختاروا أن يكون لديهم شكل آخر من أشكال قانون الحرية الدينية، ما يعني أنه لا يجوز لك تدنيس الأشياء التي تعتبرها جماعة دينية مقدسة. في السويد، كان هناك حملات قام بها، خاصة أعضاء ينتمون إلى تيارات مسيحية في البرلمان السويدي، بهدف سن قانون مشابه للحرية الدينية التي تضمن عدم تدنيس المقدسات، لكن هذه الحملات بقيت مجرد محاولات انتهت كمقترحات أولية لم يُؤخذ بها ولم تصل إلى مرحلة الدراسة، وكانت بالتالي بعيداً عن أن تصبح تشريعاً أو أي شكل من أشكال التشريع. لكن هذا يمكن أن يتغير إذا استخدمت الجمعيات الدينية أعضاء البرلمان أو الأحزاب ودفعت الرأي العام لإدخال قانون معدل عن حرية الدين. هذا هو الطريق الذي يجب اتباعه إذا كنت تريد تغيير القانون في البلد الذي تعيش فيه. يمكنك التأثير إما من خلال المظاهرات أو العرائض أو مقالات الرأي أو الاجتماعات مع السياسيين. لدينا مساحة وتأثير بعيد المدى لحرية تعبير في السويد عندما يتعلق الأمر بالتأثير على التشريع. النتائج الجيدة تخرج فقط من خلال تقديم الحجج والبراهين التي يمكن تقديمها في الجدل والنقاشات التي تتناول تغيير نصوص وأحكام قانون حرية المعتقد.

يمكن تقديم مشروع قانون للبرلمان

في حال كان تغيير الدستور الخاص بحرية التعبير صعباً، فهل يمكن إدخال قانون منفصل أو مادة خاصة بحرية المعتقد، تنص على حظر تدنيس المقدسات وبالتالي حظر حرق المصحف على سبيل المثال؟

يتطلب تعديل الدستور قراراً دستورياً (لا يكفي أن توافق عليه أغلبية النصف زائد واحد، في البرلمان، بل له شروط أصعب لإقراره) وسينطبق التعديل على وسائل الإعلام أيضاً. لكن من ناحية أخرى، يمكن أن ينص يتضمن قانون العقوبات نصاً على مثل هذه الجريمة، عندها لا يتطلب ذلك سوى قرار الأغلبية في البرلمان. لذلك من الممكن بالطبع تقديم مشروع قانون بتجريم المس بالرموز الدينية، أي لا يجوز للمرء تدنيس أو الحط من قدر مقدسات أفراد المجتمع. وهذا ما كان الأمر عليه في السويد قبل صياغة القانون الحالي في سبعينات القرن الماضي.

القانون يسمح بحرق أي علم أو أي كتاب مقدس ولكن!

تابعنا بعض تعليقات المتابعين لنا والتي تقول إن هناك ازدواجية معايير في السويد، أي أنه يجوز حرق المصحف لكن لا يجوز حرق التوراة. هل توافق الشرطة على مظاهرة يحرق فيها شخص التوراة؟

نعم، يجب على الشرطة أن توافق حسب التشريعات الموجودة لدينا. عندما تتلقى الشرطة طلباً لمظاهرة، يجب ألا تنظر إلى محتوى المظاهرة. يجب على الشرطة فقط إجراء تقييم حول ما إذا كان بإمكانهم الحفاظ على النظام وأن التجمع لا يعطل حركة المرور.
لا يجوز للشرطة إجراء تقييم حول نوايا مقدم الطلب وأسباب ما سيقوم به. لذا فإن السلطات السويدية لا تمنح الموافقة من أجل حرق المصحف، لكنها تمنح الإذن بإجراء مظاهرة. (وهذا ما كان بالودان يقوم به فعلياً، كان يكتب بالطلب أنه سيتظاهر ضد الإسلام وليس ضد المسلمين، ولم يكن يطلب حرق المصحف، الشرطة التي تسمح له بالتظاهر لا تستطيع أن تمنعه من القيام بالتعبير عن رأيه بالإسلام من خلال حرق المصحف، حسب تفسير كلام نيلس فونكه).

يطرح الكثيرون أيضاً مثالاً على طلب حرق علم المثليين، هل هي جريمة كراهية أم سيتم الموافقة عليها؟

نعم، يجب أن يكون المرء حراً في التعبير عما يريده بما يخص حرق علم. هناك مجموعات من المسيحيين والمسلمين الذين ينتقدون المثلية الجنسية. لكن بغض النظر عما إذا كان علم حزب العمال الكردستاني أو علم المثليين أو العلم السويدي، فلا بأس بذلك. ولكن يجب النظر أيضاً في أي سياق يتم حرق العلم وما الذي سيقال في نفس الوقت الذي يتم فيه الحرق. لأنه يمكن اعتبار الحرق جريمة حسب السياق والأقوال.

صعوبة التفريق

إذاً، في حال كان راسموس بالودان قد عبر عن استخفاف تجاه المسلمين أثناء التظاهرة، فهل كان بإمكان أي شخص نظرياً الإبلاغ عنه بتهمة التحريض ضد مجموعة عرقية؟

نعم، وحتى لو لاحظ أي شرطي بأنه يوجه إهانة للمسلمين كمجموعة فهذا يخضع للنيابة العامة ويُلزم الشرطي بالإبلاغ عنها. لقد رأينا مثل هذه الأمثلة، على سبيل المثال، مُنح النازيون في يوتيبوري الإذن بالتظاهر وأثناء مظاهراتهم أطلقوا السباب والتحريض ضد الجماعات العرقية. ثم حوكموا على ذلك.

يعاني العديد من المسلمين في السويد اليوم من الإسلاموفوبيا، ألا يُعتبر مشكلة أن المحرضين ضد الدين يمكن أن يستغلوا الأمر باستخدام قانون حرية التعبير بهذه الطريقة؟

نعم، من الواضح أن هذا يمكن أن يكون صحيحاً، ويكون هناك استغلال لقانون حرية التعبير من أجل نزع صفة الإنسانية عن المسلمين. ولكن لا يزال يجب محاولة الحفاظ على التمييز بين نقد الدين وانتقاد المجموعة التي تنتمي للدين، بين نقد الإسلام كدين ونقد المسلمين كمجموعة. قد يكون من الصعب فهم هذا الفرق بالنسبة للبعض. لكن الشيء الرئيسي هو أنه يمكن للجميع ممارسة دينهم بالطريقة التي يريدونها، طالما أنها لا تؤثر على الآخرين. (استخدم الباحث في هذا الجواب كلمة avhumanisering أي نزع صفة الإنسانية عن مجموعة ما، تماماً كما فعل هتلر والنازيون عندما ارتكبوا مجازر الإبادة بحق اليهود والرومار وغيرهم من المجموعات التي اعتبروها أقل شأناً منهم، وهذا ما حصل عند الإبادات الجماعية في كمبوديا ورواندا وضد الهنود الحمر في أمريكا).

من هو نيلس فونكه؟

يعمل نيلس فونكه في الصحافة منذ العام 1970. وهو كاتب رئيسي في جريدة داغينز نيهيتر، ورئيس تحرير وناشر في صحيفة Säffle Tidningen وفي النشرة الصحفية “البرلمان والوزارات” (Riksdag & Departement)

عمل رئيساً ومسؤولاً عن التدريب في جمعية الصحافة الاستقصائية Föreningen Grävande Journalister لمدة ثلاث سنوات، وعمل سكرتير تحقيق في لجنة حرية التعبير (SOU 2012: 55) .

ومن العام 2015 إلى يونيو 2021، عمل محاضراً جامعياً في جامعة ستوكهولم.

كتبت عدة كتب عن الصحافة وحرية التعبير، نشر منها مبدأ الدعاية 2019 وحرية الصحافة، و Ordets män og statmakterna ، 2006 وشارك في عدد من المختارات حول الصحافة وحرية التعبير.

بالنيابة عن جمعية Utgivarna قام بالتحقيق في نظام أخلاقيات الصحافة. في العام 2013، رسما مخططاً لنظام النقد الذاتي الأخلاقي لوسائل الإعلام في المستقبل، وأُلحق المخطط باقتراح لنظام أخلاقيات وسائط إعلامية موسع وأكثر تدعيماً، وعليه تم تأسيس MO (Allmänhetens Medieombudsman) أو أمين مظالم وسائل الإعلام العامة.

مُنح جائزة الصحفي لنقابة المحامين، وجائزة الصحافة الكبرى، وجائزة الصحفيين لجمعية مجلس المحافظة، وحصل على لقب مدرس العام في JMK، وجائزة موما للناشرين Momma pris ، وحصل على جائزة Bertil Torekulls murvelpr.

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.