العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي تبدو مثل زواج فاشل، أصبحت فيه الخلافات كثيرة ومتكررة، وبات الطرفان يتحدثان صراحة عن الانفصال. وبلا هوادة تتزايد فرص رحيل بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف. وبحسب استطلاع للرأي في نهاية الأسبوع الماضي، 56 في المائة من البريطانيين الآن يريدون الرحيل.
العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي تبدو مثل زواج فاشل، أصبحت فيه الخلافات كثيرة ومتكررة، وبات الطرفان يتحدثان صراحة عن الانفصال. وبلا هوادة تتزايد فرص رحيل بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف. وبحسب استطلاع للرأي في نهاية الأسبوع الماضي، 56 في المائة من البريطانيين الآن يريدون الرحيل.
وفي بروكسل، يتم الترحيب بهذا الاحتمال على نحو متزايد بحركة كتف غير مبالية. فمن المعتقد على نطاق واسع أن ديفيد كاميرون يتصرف بأسلوب غريب. وفي قمة هذا الأسبوع، من المرجح أن يكون رئيس وزراء المملكة المتحدة هو الزعيم الوحيد الذي يقدم حججا تدعم تجميد ميزانية الاتحاد الأوروبي. وكثيرون في بروكسل يعتقدون الآن أن الاتحاد سيؤدي مهامه بشكل أفضل في غياب طاقم إنجليزي يعمل على التدمير من الداخل. ويقولون: إن البريطانيين أنفسهم هم من سيعانون على المدى الطويل.
هذه هي الحجة التقليدية، لكنها قصيرة النظر على نحو خطير. قد تعاني بريطانيا إلى حد كبير إذا تركت الاتحاد، لكن الاتحاد الأوروبي نفسه سيعاني أيضا. ففكرة أن الطلبات البريطانية غير معقولة إلى الحد الذي يصعب معه تلبيتها بأي حال من الأحوال، هي ببساطة خاطئة. فقد يغير القليل من التغييرات الملحوظة في علاقة بريطانيا بأوروبا من طبيعة الجدل في المملكة المتحدة، ويحفظ كلا من بريطانيا والاتحاد الأوروبي من انفصال مدمر للطرفين.
هناك القليل من الأصوات في أوروبا الغربية (التي لا تشمل الجزر البريطانية) التي تبدأ في استخدام هذه الحجة. وقد كتب أولريتش سبيك، من مؤسسة كارنيجي للسلام العالمي، تقريرا تحت عنوان "لماذا تعتبر بريطانيا عنصرا حيويا في الاتحاد الأوروبي". وقدم حججا تقول: "من دون المشاركة النشطة لبريطانيا، قد ينسى الاتحاد الأوروبي أحلامه الخاصة بأن يصبح قوة عالمية".
لكن الحجج الداعمة لإبقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي تتعدى إلى حد كبير العتاد العسكري والدبلوماسي الذي تأتي به للاتحاد، أو حقيقة أن بريطانيا تعتبر مساهما كبيرا في ميزانية الاتحاد الأوروبي. وفي نهاية المطاف، يعود المرء إلى الهدف الأساسي وراء قيام الاتحاد الأوروبي، المتمثل في التغلب على الانقسامات التي قادت أوروبا للدخول في حروب متكررة. وبريطانيا كانت مشاركا أساسيا في كل الحروب الأوروبية الكبيرة تقريبا، التي حدثت في القرون الأخيرة. و"مشروع السلام" الأوروبي الذي يفشل في إشراك بريطانيا يكون بذلك قد أهمل تركيب قطعة أساسية في اللعبة.
وسيرسل الرحيل البريطاني من الاتحاد الأوروبي أيضا، إشارة سيئة فيما يتعلق بالمستقبل. وقد جعلت أزمة منطقة اليورو بالفعل كثيرا من الأمريكيين والآسيويين يتشككون في مستقبل المشروع الأوروبي. وإذا اختارت بريطانيا -وهي واحدة من أكبر الأنظمة الاقتصادية في أوروبا وأقدم ديمقراطية فيها- ترك الاتحاد الأوروبي، سيبدو المشروع ربما أكثر تعثرا. وكان رد فعل المسؤولين الكبار في الاتحاد الأوروبي هو أن هناك العديد من الدول التي لا تزال تريد الانضمام إلى الاتحاد، لكن فقدان بريطانيا وكسب كرواتيا لن يكون مبادلة المثل بالمثل.
وفي ألمانيا، حيث يتسبب الرأي العام بشكل متزايد في تمييز بسيط بين أوروبيي شمال أوروبا الذين يحترمون القانون، والجنوب المثقل بالدين الذي لا يمكن الوثوق به ويُذكّر، في كثير من الأحيان بأسف، أن كلا من سويسرا والنرويج اختارت عدم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي على الإطلاق وهي تواصل الازدهار. وسيُضعف رحيل البريطانيين، الذين تحالفوا على نحو تقليدي مع ألمانيا لإثبات جدوى السوق الموحدة، أكثر مجموعة شمالي أوروبا. وقد يرحب بعض الفرنسيين برحيل بريطانيا، لهذا السبب تحديدا. لكن حتى الفرنسيين قد ينتهي بهم الحال إلى افتقاد البريطانيين، الذين يميلون إلى المساهمة بآرائهم في قضايا تتعلق بالسيادة الوطنية.
وحتى وأنا أذكر هذه الحجج، يمكنني أن أسمع رد الفعل المنزعج لمسؤولين كبار في الاتحاد الأوروبي: "هذا جيد للغاية، لكن البريطانيين مستمرين في المطالبة بأشياء مستحيلة والتهديد باستخدام حق الفيتو في كل شيء، إذا لم ينالوا ما يريدون. ففي مرة يطلبون إجراءات حماية خاصة للحي المالي في لندن، وفي أخرى يطلبون تجميد الميزانية".
لكن هل هذه الخلافات البريطانية غير معقولة إلى هذا الحد؟ لننظر مثلا، إلى مسألة تجميد الميزانية. في وقت تحدث فيه تخفيضات في ميزانيات وطنية في جميع أنحاء أوروبا، يبدو من المعقول تماما أن يتم على الأقل تجميد الإنفاق في الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر كثير منه إسرافا سيئ السمعة. وحتى وقت قريب إلى حد ما، كان هذا في الحقيقة هو وضع ألمانيا أيضا. والبريطانيون أيضا على صواب في أن بروكسل ستبدو أبعد من أي وقت عن محنة الأوروبيين الذين تضرروا من التقشف، إلا إذا تم الحد من امتيازات وشروط العاملين في الاتحاد الأوروبي.
وخارج نطاق الميزانية، فإن الاعتراض البريطاني الأساسي هو أن الاتحاد الأوروبي يشترك في كل الأمور التي كان من الأفضل أن تترك إلى الدول منفردة، وأن تدفق السلطات جميعها استمر على مدى عقود نحو المركز. وإعادة بعض السلطات من أوروبا إلى أوطانها سيقطع شوطا كبيرا في سبيل التعامل مع هذه الشكوى، وسيعطي الحكومة البريطانية الحجج التي تعوزها للفوز باستفتاء حول بقائها في أوروبا.
وستكون بداية جيدة أن يتم إلغاء بعض التشريعات القاتلة للوظائف، مثل التوجيه الخاص بوقت العمل، أو التوجيه المتعلق بالعاملين بالوكالة. وسيكون الحد بشكل أوسع من سلطات الاتحاد الأوروبي في مجالات مثل تشريعات التعليم، والصحة، والأمن، والإنفاق على المستوى الإقليمي، مفيدا أيضا.
خلال العقود السابقة، كان من الممكن أن يُنظر لعملية إعادة السلطات إلى أوطانها على أنها بدعة، لكن أزمة منطقة اليورو وفرت كلا من الحاجة والفرصة لإعادة التفكير في الثوابت القديمة. والإبقاء على العملة الموحدة سارية تضمن بالفعل تحطيم بعض المحظورات. وقد دعم دافعو الضرائب في شمالي أوروبا ماليا خطط إنقاذ ضخمة لصالح اليونانيين وآخرين. ويقترح البنك المركزي الأوروبي سياسات غير تقليدية إلى حد كبير يعتبرها كثير من الألمان غير قانونية بشكل أكيد.
لقد تم اعتبار كل هذا ضروريا من أجل إبقاء اليونان داخل نطاق اليورو. أفلا يستحق إبقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي بعض الإجراءات الأقل تطرفا، وتكلفة؟
جديون راتشمان
فينينشال تايمز- الإقتصادية