بعد حرق المصحف.. هل تقضي تركيا على حلم السويد بالانضمام للناتو؟

: 1/25/23, 7:36 AM
Updated: 1/25/23, 8:51 AM

الكومبس – ستوكهولم: يتصاعد غضب رسمي وشعبي في العالمين العربي والإسلامي بسبب عدم قيام السلطات السويدية بمنع يميني متطرف من حرق المصحف أمام سفارة تركيا. فهل ذهبت آمال السويد بالانضمام للناتو أدراج الرياح أم تغير تركيا موقفها مقابل تنازلات؟

غضب عارم اجتاح العالم الإسلامي على إثر واقعة إحراق المصحف أمام السفارة التركية في ستوكهولم، فيما بدا أن فكرة انضمام السويد إلى حلف الناتو أصبحت مستبعدة على الأقل في الوقت الحالي خاصة مع الغضب التركي الشديد من الواقعة.

يوجه الغضب بشكل أساسي إلى الحكومة السويدية والسلطات الرسمية نظراً لعدم قيامها بمنع مثل هذا العمل باعتباره نوعاً من حرية التعبير عن الرأي. الأمر الذي أدى إلى انطلاق دعوات غاضبة حول العالم لمقاطعة البضائع السويدية وحث الدول العربية والإسلامية على اتخاذ موقف دبلوماسي قوي من السويد.

إدانات عربية وإسلامية وغربية

تصاعدت الانتقادات بشأن الواقعة، فالسعودية وصفت الأمر “بالعمل العبثي المشين” والذي “يؤجج الفتن ويخدم دعاة التطرف”، ووصف الأردن تلك الممارسات بأنها “حماقات من شأنها زعزعة الأمن والاستقرار وتتعارض بشكل صارخ مع القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية والدينية”.

فيما حذرت مصر من مخاطر انتشار مثل هذه الأعمال التي تسيء إلى الأديان وتغذي خطاب الكراهية والعنف. بدورها قالت الخارجية الباكستانية إن “هذا العمل غير المنطقي والاستفزازي المعادي للإسلام يمس الحساسيات الدينية لأكثر من 1.5 مليار مسلم في جميع أنحاء العالم”.

من جانبها أدانت الولايات المتحدة الواقعة، وقال نيد برايس المتحدث باسم الخارجية الأمريكية للصحفيين، إن “حرق كتب تعد مقدسة للكثيرين هو عمل مهين للغاية”، وأضاف “إنه أمر بغيض”، واصفاً الحادثة بأنها “مثيرة للاشمئزاز وكريهة”.

وأدان الممثل السامي لمنظمة تحالف الحضارات التابعة للأمم المتحدة ميغيل أنغل موراتينوس “العمل الدنيء” واعتبر ما حدث “ازدراء وإهانة للمسلمين”.

بدورها أدانت الخارجية الألمانية الواقعة واعتبرتها “عملاً استفزازياً يهدف إلى إثارة الانقسام”. وقال المتحدث باشم الخارجية كريستيان فاغنر إن حرق نسخة من المصحف”كان تصرفاً وقحاً وغير لائق تماماً”، مؤكداً إدانة بلاده لهذا التصرف.

إدانة سويدية

وتقول السلطات السويدية إن الاحتجاج كان قانونياً بموجب قوانين حرية التعبير في البلاد، لكن قادة السويد أدانوا هذا الفعل ووصفوه بأنه “مروع”.

وقال رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترشون في تغريدة إن”حرية التعبير جزء أساسي من الديمقراطية، لكن ما هو قانوني ليس بالضرورة أن يكون ملائماً”. وأضاف “حرق كتب تمثل قدسية للكثيرين عمل مشين للغاية”، معرباً عن تعاطفه مع “جميع المسلمين الذين شعروا بالإساءة بسبب ما حدث في ستوكهولم”.

لكن السويد أكدت أيضاً فكرة حرية التعبير عن الرأي وقال وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم، في تغريدة على تويتر السبت، إن “الاستفزازات المعادية للإسلام مروّعة”، مؤكداً في المقابل أن “السويد تتمتع بحرية تعبير كبيرة، لكن هذا لا يعني أن الحكومة السويدية أو أنا نفسي نؤيد الآراء المعبَّر عنها”.

براغماتية تركية .. ولكن!

ويرى الدكتور محمود العدل المشرف العام على قسم اللغة التركية كلية الألسن بجامعة قناة السويس والخبير في الشأن التركي أن “أصل المشكلة بين البلدين هي حزب العمال الكردستاني” وأنه “كان هناك قنوات اتصال بينهما وحدث نوع من المرونة بشأن انضمام السويد إلى الناتو لكن وصولنا إلى مرحلة حرق المصحف يعني أننا وصلنا إلى طريق مسدود بين البلدين”.

ويقول العدل إنّ “المشاعر الدينية والقرآن لا يجب أن يكونا عرضة أو محل لخلافات سياسية، فهذه الخلافات ستحل عبر طاولة التفاوض وما كان للسويد أن يصل بها الأمر إلى السماح بمثل هذا الفعل”.

ويضيف خلال حوار هاتفي مع DW عربية أن حكومة أردوغان أو حكومة العدالة والتنمية التي تحكم تركيا منذ 2002 حتى اليوم “هي حكومة عرفت بالبراغماتية الشديدة، وفي رأيي سيتم استغلال هذا الحدث بشكل أو بآخر لبناء حائط صد لمنع السويد من الانضمام الى الناتو”.

ويستبعد الخبير في الشأن التركي أن يحدث أي تنازل مستقبلاً من جانب السويد خصوصاً في ظل الموقف التركي الذي ازداد تشدداً بعد حرق المصحف. و”إذا كان هناك أي نية من جانب السويد لأي تنازل لكانت قدمته خلال مراحل المفاوضات السابقة والطويلة بين البلدين”.

ويرى العدل أنّ “الطريق الآن أصبح مسدوداً بينهما لذلك وصلنا اليوم إلى اللعب على المشاعر الدينية خاصة وأن واقعة مثل هذه حصلت بدون معارضة السلطات السويدية وهذا أمر لا علاقة له بحرية الرأي والتعبير بأي منطق”، حسب تعبيره.

وكانت السويد وفنلندا وتركيا العام الماضي وقعت اتفاقية ثلاثية للتغلب على خلافاتها بما يفضي إلى انضمام السويد وفنلندا الى الناتو. لكن رئيس الوزراء السويدي قال في وقت سابق إن ستوكهولم لا تستطيع تلبية جميع مطالب تركيا، التي تشمل تسليم أكراد يعيشون في السويد – وهو الطلب الذي رفضته بالفعل المحكمة العليا في البلاد. وقال رئيس الوزراء السويدي “إنهم (الأتراك) يريدون أشياء لا يمكننا تقديمها لهم”.

“استفزازات” سويدية؟

وفي حين أن معظم أعضاء الناتو يرغبون في ضم مزيد من الدول الأوروبية إلى التحالف القوي بشكل سريع، فإن التوترات المتصاعدة بين السويد وتركيا تهدد بإطالة وقت الانتظار ربما إلى أجل غير مسمى. ويتعين على جميع دول الناتو الموافقة على انضمام أي عضو جديد. وتقف تركيا – وهي لاعب جيوسياسي رئيسي وصاحبة ثاني أكبر جيش في الحلف – بصفتها الخصم الصريح والأساسي لعضوية السويد وفنلندا.

وتبدو أسباب معارضة أنقرة لانضمام السويد وفنلندا معقدة، لكنها تدور بشكل أساسي حول دعم السويد للجماعات الكردية التي تعتبرها تركيا إرهابية وخاصة حزب العمال الكردستاني، وعلى حظر الأسلحة الذي فرضته كل من السويد وفنلندا – إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي الأخرى – على تركيا بسبب استهدافها المقاتلين الأكراد في العراق وسوريا.

وتحاول السويد تغيير الأمور في علاقاتها مع تركيا، لكن الأحداث التي وقعت في الأسابيع الأخيرة هددت بتبديد الآمال في إحراز تقدم في هذا الملف.

عقب الواقعة ألغت تركيا زيارة مرتقبة لوزير الدفاع السويدي كانت ستركز على عضويتها في الناتو. وقالت وزارة الخارجية التركية “ندين بأشد العبارات الهجوم الدنيء على كتابنا المقدس (..) السماح بهذا العمل المعادي للإسلام، الذي يستهدف المسلمين ويهين قيمنا المقدسة تحت غطاء حرية التعبير أمر غير مقبول على الإطلاق”.

سبق ذلك استدعاء تركيا السفير السويدي بعد نشر مقطع فيديو ظهرت فيه مجموعة مؤيدة للأكراد في السويد وهي تعلق دمية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان من قدميها بواسطة حبل، لكن رئيس الوزراء السويدي أدان الواقعة ووصفها بأنه عمل “تخريبي” ضد محاولة بلاده الانضمام إلى الناتو.

اليمين المتطرف والسياسة السويدية

وفي رأي حمزة تكين، الكاتب الصحفي والمحلل السياسي التركي، فإن مسألة موافقة السلطات السويدية على السماح بتنظيم مظاهرة يحرق فيها المصحف على الرغم مما قد يجلبه أمر كهذا من خسائر سياسية واقتصادية للسويد هو أمر يشير إلى صعود اليمين المتطرف في السويد.

ويرى تكين أن “من الواضح أنّ هذا الخط المتطرف بات يتحكم في القرارات السيادية والرسمية للسويد، وبالتالي يؤثر على مصالح هذه الدولة ولا يأخذ بعين الاعتبار مصالحها مع ملياري مسلم حول العالم ومع دولة استراتيجية مثل تركيا اليوم”.

ويضيف تكين في حوار هاتفي مع DW عربية أن “اليمين المتطرف بات يهيمن على قرار الحكومة السويدية ويهيمن على الإعلام في السويد وهذا طريق خاطئ ومظلم، وبالتالي على السويد، إذا ما أرادت علاقات جيدة مع تركيا ومع العالم الإسلامي أن تعمل على محاصرة هذا التيار المتطرف لديها وأن تتعامل مع الآخرين على قاعدة الاحترام المتبادل واحترام المعتقدات والمقدسات”.

حسابات الانتخابات

من جهة أخرى يقول محللون مختصون بالشأن التركي إن التصريحات الغاضبة الأخيرة الصادرة من أنقرة لها علاقة بشكل أكبر بالانتخابات المقبلة في البلاد، إلى جانب محاولة الحد من نشاط المعارضة الكردية في أوروبا وخاصة في السويد.

يقول جورج دايسون، المحلل في شركة كونترول ريسكس الاستشارية، إن حرق المصحف والفيديو المصور لدمية أردوغان “يجعلان من الصعب تجاوز المأزق” بين تركيا والسويد.

ويعتقد تيموثي آش، كبير محللي الأسواق الناشئة في مؤسسة بلو باي اسيت مانيجمينت، أن تركيا تلحق أضراراً جسيمة بتحالفاتها الغربية وأن الناتو قد يتوصل إلى خيار محوري بين تركيا ودول شمال أوروبا.

وأضاف آش “نحن نقترب من الوصول إلى النقطة التي سيتعين على حلفاء الناتو اتخاذ قرار بشأنها بين تركيا من جانب وفنلندا والسويد من جانب آخر، وقال آش عبر تويتر “ربما قام أردوغان بحساب المسألة وفقاً لمصالحه في الانتخابات ، لكن هذا سيضر في النهاية بالعلاقات طويلة الأمد مع الحلفاء الرئيسيين داخل الناتو”.

عماد حسن

ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية وDW

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.