الكومبس – تقارير: تستمر اشتباكات العصابات في صراعاتها الدامية في عدد من مدن السويد، وتزداد قائمة الضحايا الأبرياء الذين ساقهم القدر إلى المكان الخطأ. سهى وعمر وأيهم، أسماء انضمت مؤخراً إلى سجل الفقد الثقيل، شباب في مقتبل العمر، لم يكن في أحلامهم ما يمتّ بصلة للعنف، لكنهم قضوا برصاصات باتت تُشكّل قلقاً مجتمعياً حقيقياً، يُطرح معه تساؤلات حول آليات التصدي لهذا النوع من الجرائم، والثغرات التي تتسبب بوقوع ضحايا أبرياء والمسؤولية الرسمية والمجتمعية لمواجهة هذه الحالة الأمنية الخطرة.

الموت ليس نهاية قصة ضحايا القتل الخطأ، بحسب منى زامل، فهي تؤكد أن “القلق الذي ينتاب أسرهم والمجتمع ككل يتطلب حلولاً عاجلة، ولا يجب أن يصل عدد الضحايا إلى رقم كبير حتى يتم دق ناقوس الخطر، فأن تُقتل شابة وهي نائمة في بيتها، أو شاب وهو متوجه إلى مدرسته، يعني أن الوضع خطير، فالجريمة العشوائية أكثر صعوبة على المجتمع من أي تعقيدات أخرى بين تلك العصابات”.

ويرى هيثم أحمد، وهو قريب أحد ضحايا جريمة أوبسالا، أن “المسألة أعمق من إجراءات رقابية أو قانونية تُتخذ بشكل مباشر بعد كل جريمة. من الواضح أننا بتنا بحاجة إلى معالجة جذرية لأساس تشكيل هذه العصابات واندفاع الشباب نحوها، ما الذي – برأي المختصين في الدولة – قد يدفع شاباً نحو حمل السلاح والانخراط في أعمال إجرامية؟ أعتقد بأن البيئة التي ينشأ بها هؤلاء الشباب هي البذرة الأولى لكل شيء، سواء كانوا يعيشون وسط عائلات مفككة أو في مراكز رعاية الأطفال والشباب، اندماجهم الاجتماعي، وتحصيلهم العلمي، وقدراتهم، وطاقاتهم، كل ذلك يؤثر في خياراتهم”.

هيثم أحمد Foto: Privat

خطاب جامع

ويضيف هيثم “من أجل أطفالنا وشبابنا، نطالب السياسيين في الدولة بإعطاء هذا النوع من الجرائم أولوية في مسبباته واتخاذ ما يلزم.”أعتقد بأن ملف هذه العصابات الجاذبة لشباب وأطفال تائهين يجب أن يكون أولوية عند السياسيين في البلاد، فبدلًا من بعض الخطابات التي تُقسّم المجتمع، نحن بحاجة إلى لغة جامعة وجهود حقيقية تعالج تحديات يواجهها بعض الشباب الذين من المفترض أن يكونوا مستقبل السويد، الذي يهمّنا جميعاً أن يكون مناسباً للعيش والاستقرار”.

اختصاصية: التهميش يصنع قتلة

اندفاع الشباب نحو العصابات والانخراط في صفوفها ليس قراراً لحظياً، برأي الاختصاصية في علم الاجتماع آلاء القدرة التي تضيف “هو نتيجة تراكمات تبدأ غالباً من الشعور بالوحدة والتهميش، وغياب القدوة، وضعف الروابط الأسرية، عندما يُترك الطفل دون دعم نفسي واجتماعي، يحدث أن يُصاب باضطراب الهوية، ويُصبح عرضة للاستقطاب من جهات تستغل ضعفه، الحل ليس أمنياً فقط، بل مجتمعياً بامتياز نحتاج إلى استثمار جاد في الوقاية، في المدارس، في المراكز الشبابية، وفي إعطاء هؤلاء الأطفال والشباب شعوراً بأنهم مرئيون، وبأنهم جزء لا يتجزأ من مجتمع يشبههم ويشاركهم كل التحديات”.

فيما يقول الناشط الاجتماعي خالد محمود “كلما أُغلق نادٍ أو مركز شبابي أو تم تقليص ميزانية نشاط مجتمعي، نخسر عشرات الفرص لإنقاذ شاب من السقوط، يجب عدم الاستهانة بهذا النوع من القرارات”. ويضيف “الشباب لا يحتاجون معجزة، فقط يريدون استقراراً أسرياً ومجتمع يستمع إليهم ويوفر لهم بيئة سليمة للعيش والاستثمار في قدراتهم، إلغاء دور الأسرة، وضعف الرقابة في مراكز رعاية الأطفال والشباب، قد يكون من المسببات الرئيسية لضياع القدوة والهوية عند العديد من الشباب”.

إطلاق سراح المشبوهين

ويلفت خالد إلى مسألة لا مبرر لها في رأيه وهي ترك الأشخاص المشبوهين أو المدرجين ضمن قوائم الخطر يتنقلون بشكل حر بين الناس ويوجدون في الأماكن العامة، في ظل وجود معلومات أحياناً بأنهم مستهدفون، مما يعرض حياة الأبرياء للخطر، وهو أمر يجب أن يُعالج بشكل فوري.

ضبط القاتل ليس كافياً

وعن حجم فاجعة الأسر، يقول زياد هيثم “من يقتلون اليوم شباباً في مقتبل العمر يأخذون معهم حياة أسر بأكملها. إدراك حجم الألم قد يؤدي إلى سرعة التوجه نحو الحل، وإلقاء القبض على القاتل أو الجاني ليس كافياً، فهؤلاء ليسوا إلا أدوات تم استغلالها من قبل جماعات منظمة”.

ويتابع “مؤسف أن تسمع أن القاتل والمقتول في أعمار تتراوح بين 16 و20 عاماً، هذا يؤكد أن هناك تقصيراً وثغرة تدفع بهؤلاء نحو الجريمة، الجميع اليوم مدعوٌّ لبحث الأسباب بالتزامن مع مواجهة القائمين على هذه العصابات ومحاسبتهم، القوانين قد تردع البعض، لكن دون معالجة الأسباب الجذرية، سيبقى الشباب عرضة للتجنيد من قبل الشبكات الإجرامية”.

زياد هيثم Foto: Privat

عوامل مشتركة بين الجناة

دراسة العوامل المشتركة بين مرتكبي الجرائم من المراهقين والشباب خطوة أساسية لبدء الحل، برأي المستشار القانوني عبدالله حذيفة الذي يضيف “المعلومات تشير إلى أن معظم الشباب الذين ارتكبوا جرائم وانتموا للعصابات، لا سيما جريمة أوبسالا الأخيرة، كانوا في مراكز رعاية الشباب (SiS) أو في مقرات الرعاية والسكن شبه المفتوحة للشباب (HVB)”.

ويتابع “من خلال عملي سابقاً في تلك المراكز، أرى أن مسألة وضع أشخاص مختلفين في احتياجاتهم ومشكلاتهم في مكان واحد تحت رقابة موظفين لا يمتلكون صلاحيات كافية للتصرف، أدت إلى تعزيز سلوكيات سلبية وتدمير أشخاص كانوا صالحين، تم دمجهم مع متعاطين أو مسجَّلين بارتكاب جرائم”.

عبد الله حذيفة Foto: Privat

مراكز الرعاية بيئة خصبة لتجنيد الشباب

معالجة الثغرات بدراسة الحالات في مراكز رعاية الشباب واليافعين، وفرض ضوابط وقوانين أكثر دقة في التعاطي مع الحالات المختلفة برأي حذيفة أصبح “أمراً عاجلاً يحتاج إلى تصرفات عملية، خصوصاً ونحن نتعامل مع فئات تعاني من مشاكل في تحديد الهوية والانتماء، ما يدفعهم للانسياق وراء كل من يُظهر لهم القوة والقدوة، والمؤسف أن هؤلاء – في غالبيتهم – ليسوا قدوة حسنة أو إيجابية في المجتمع.

ويشير حذيفة إلى غياب آلية واضحة تسمح للشباب والمراهقين بالتعبير عن أنفسهم في مراكز الرعاية، أو حتى الأخذ على محمل الجد ما يطرحونه من شكاوى تتعلق بالمشرفين عليهم في مساكن الشباب، ما يعزز لديهم الغضب والرغبة في الانتقام، فيندمجون سريعاً مع أي تشكيل قد يمنحهم القوة والدعم، وفي الغالب تكون العصابات هي ملاذهم، بعد أن فقدوا التعاطف والدعم، سواء من أسرهم أو من المجتمع والجهات المسؤولة عنهم”.

“إعادة تقييم”

ويقول حذيفة “إن قوانين التعاطي مع اليافعين في مراكز الرعاية تحتاج إلى إعادة التقييم، إلى جانب الرقابة على تلك المؤسسات”. ويلفت إلى أن تنفيذ قانون المراقبة السرية، الذي سيسمح للسلطات الأمنية بمراقبة اتصالات حتى الأطفال دون سن 15 عاماً، قد يُسهم بشكل فاعل في مكافحة استغلال العصابات للأطفال لتنفيذ الجرائم.

وكان تقرير صحفي كشف اليوم أن 60 شخصاً من الأبرياء قُتلوا أو أصيبوا في جرائم إطلاق نار وتفجيرات مرتبطة بالشبكات الإجرامية في السويد خلال حوالي عامين.

وأظهر التقرير الذي نشره راديو السويد أن الجرائم التي راح ضحيتها أبرياء لا علاقة لهم بالعصابات وقعت نتيجة استهداف أقارب لخصوم، أو وقوع أخطاء في تحديد الهوية، أو وجود الضحية في المكان الخطأ في الوقت الخطأ. وقال منسق العمليات في الشرطة أوغوست كنوتسون إن جزءاً كبيراً من الأمر يعود إلى أن مرتكبي هذه الجرائم ليسوا أطرافاً مباشرة في النزاعات، بل غالباً ما يكونون شباناً مأجورين.

وأوضح كنوتسون أن منفذي الجرائم غالباً ما يكونون تحت تأثير المخدرات، ولا يملكون معرفة كافية بالمكان أو الأشخاص المستهدفين، ما يؤدي إلى إطلاق النار على الشخص الخطأ أو تفجير المكان الخاطئ.

ندى سمارة

أوبسالا