الكومبس – أوروبية: مثّل تفاقم أزمة غلاء المعيشة، إضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة، عامل انكماش اقتصادي في أوروبا. ومع ذلك، لا يزال ثمن المتر المربع الواحد للشّقق السكنية يشهد ارتفاعا في عدد من الدول الأوروبية.
وتحتل صربيا المرتبة الأولى من حيث الغلاء، تليها ليتوانيا، وتأتي رومانيا في المركز الثالث. كما شهدت مالطا وإسبانيا زيادات كبيرة في أسعار الشقق بين 2023 و2024 وفق دراسة أجرتها شركة Deluxe Holiday Homes باستخدام بيانات من بنك التسويات الدولية (BIS) وشركة Numbeo.
ورغم أنّ صربيا شهدت أكبر زيادة في أسعار الشقق على مدار العام، إلا أنّ سويسرا لا تزال تحتفظ بأعلى سعر للمتر المربع، حيث تجاوز 18000 يورو، فضلا عن أعلى متوسط دخل وتكلفة معيشة. وفي المقابل، سجّلت اليونان أدنى سعر للمتر المربع، حيث بلغ أقل من 3000 يورو.
صربيا
في صربيا، وبين عامي 2023 و2024، ارتفعت أسعار الشقق للمتر المربع بنسبة 82.66٪ لتصل إلى نحو 3721 يورو، في ظل ركود متوسط الدخل حيث وصل إلى 764 يورو شهريًا. ومع ذلك، فإن تكلفة المعيشة منخفضة نسبيًا في صربيا حيث تبلغ 641 يورو شهريًا. وهو ما يخفّف إلى حد ما من وطأة الارتفاع الهائل في أسعار الشقق.
ويعود ذلك إلى أنّ أسعار الفائدة على قروض الإسكان لا تزال منخفضة للغاية. هناك أيضًا الكثير من الاستثمارات في العقارات من المواطنين الذين يحاولون توجيه مدخراتهم بالعملات الأجنبية إلى هذا القطاع. وغالبًا ما تكون هذه واحدة من أكثر الطرق ربحية لاستثمار العملات الأجنبية في صربيا.
ويعتبر الاستثمار المباشر في العقارات الصربية أمرا منطقي أيضًا للأشخاص الذين يعملون في وظائف غير تقليدية أو مرنة، لأنه بدون عمل دائم، إذ ليس لديهم أمل كبير في الحصول على قروض سكنية من البنوك. كما تسبب غياب فرص استثمارية مناسبة أخرى إلى زيادة الاهتمام بقطاع العقارات.
كما أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تدفّق كبير للمستأجرين الروس والأوكرانيين في صربيا في الأشهر القليلة الماضية. وهم عادة ما يعرضون دفع إيجار أعلى.
لتوانيا
ارتفعت أسعار الشقق في ليتوانا بنسبة 75.78٪ بين 2023 و2024 إلى حوالي 4500 يورو مع ارتفاع تكاليف المعيشة مقارنة بصربيا بمتوسط أقل من 800 يويو شهريًا. ومع ذلك، فقد كان متوسط الرواتب ضعف المعدل الصربي البالغ أكثر من 5700 يورو في الشهر. ومقارنة ببقية البلدان الأوروبية لا يبدو أن هذا التضخم قد أثر كثيرًا على نفقات المعيشة حتى الآن.
أحد العوامل الرئيسية لهذا الغلاء هو نمو الأجور القوي نسبيًا في بعض القطاعات، من أجل مواكبة ارتفاع التضخم. كما شهدت البلاد زيادة كبيرة في تكلفة مواد البناء، فضلاً عن تكلفة العمالة.
في السنوات القليلة الماضية، أقامت العديد من شركات تكنولوجيا المعلومات وغيرها قاعدة في فيلنيوس والمدن الكبرى الأخرى، بسبب تكاليف التشغيل الرخيصة نسبيًا. ونتيجة لذلك، كان هناك تدفق للموظفين وعائلاتهم بحثًا عن شقق في تلك المناطق.
علاوة على ذلك، أثناء وباء كوفيد-19 وبعده، اختار العديد من بائعي العقارات الليتوانيين، على عكس نظرائهم في أوروبا الغربية، الانتظار حتى الركود بدلاً من خفض أسعارهم.
وبالمثل، كان سوق تطوير قطاع الإسكان نشطًا أيضًا إلى حد كبير، مع تقديم مزايا إضافية للمشترين المحتملين. وبذلك، تمكنت البلاد من الخروج من الوباء بسوق عقاري قوي نسبيًا.
رومانيا
احتلت رومانيا المركز الثالث بارتفاع في أسعار الشقق بنسبة 74.50٪، حيث بلغ ثمن المتر المربع حوالي 300 يورو. ومع ذلك، فلا تزال تكلفة المعيشة منخفضة إلى حد كبير مقارنة بنظيراتها في أوروبا الغربية (625 يورو). من ناحية أخرى، كان متوسط الدخل أيضًا منخفضًا بشكل معتدل بحوالي 1000 يورو.
وشهدت أسعار الشقق زيادات كبيرة على مدى السنوات العديدة الماضية بسبب زيادة الطلب ونقص الشقق الجديدة. ويرجع ذلك أساسا إلى ارتفاع تكاليف البناء فضلا عن نقص العمالة والتدابير المالية غير الداعمة. وأدّى ارتفاع تطوير البنية التحتية ونموّ الأجور إلى زيادة الطلب في قطاع العقارات مؤخرًا.
مالطا
أما مالطا، فإن أسعار الشقق في قد ارتفعت بوتيرة أقل بطءا نسبيًا مقارنة مع البلدان المذكورة أعلاه في الفترة ما بين 2023 إلى 2024، حيث بلغت نسبة 47.54٪، وقُدّر سعر المتر المربع ب 3700 يورو. ومع ذلك، فقد كانت مالطا تتمتع أيضًا بتكلفة معيشيّة مرتفعة نسبيًا تبلغ 918 يورو شهريًا، بينما ظل متوسط الدخل متقدمًا بخطوات قليلة فقط على التكاليف المقدرة بـ 1257 يورو شهريًا.
يمكن أن يعكس هذا الطلب المتزايد على العقارات المتوسّطيّة، التغيرات الضريبية والقانونية الكبيرة التي حدثت مؤخرًا في الدول الأوروبية الرئيسية مثل بريطانيا وفرنسا. وقد أدى ذلك إلى مغادرة العديد من أصحاب الأموال هذه البلدان للإقامة في دول أوروبية أخرى مثل مالطا وإيطاليا حيث توجد محفزات أكثر ترحيبًا.
كما أدى صغر حجم مالطا وارتفاع عدد سكانها نسبيًا إلى ارتفاع الطلب على الأراضي والشقق رغم ندرتها. ما أدى إلى ارتفاع الأسعار.
ونظرًا للعديد من الشقق المتاحة التي يتم تأجيرها على أنها Airbnb والإيجارات قصيرة الأجل لتلبية احتياجات السياحة المرتفعة في البلاد، فقد انخفض عدد الشقق المتاحة للسكان المحليين بشكل أكبر. وهو ما يساهم بدوره في ارتفاع الأسعار.
إسبانيا
احتلت إسبانيا المرتبة الخامسة، بزيادة قدرها 44.34٪ في أسعار الشقق، بسعر 5637 يورو العام الماضي. ومع ذلك، لا تزال تكلفة المعيشة منخفضة جدًا إذ لا تتجاوز 760 يورو. وهو ما يضاهي تقريبًا اقتصادات أوروبا الشرقية، على الرغم من أنّ الاقتصاد الإسباني أقوى نسبيًا وقطاع السياحة به مزدهر جدا. ولايزال متوسط الرواتب مرتفع (2,212 يورو)، مما يشير إلى أن البلاد قد تكون في طريقها للتعافي من آثار جائحة كورونا.
كما يعود السبب الرئيسي وراء القفزة التي سجلتها أسعار الشقق الإسبانية إلى وجود جزء كبير من الشقق المتاحة في مناطق تعتبر سياحية. ونتيجة لذلك، وكما هو الحال في مالطا، يتم شراء العديد من الشقق المتاحة هناك إما من قبل المغتربين، أو عن طريق الإيجارات قصيرة الأجل، مما يجبر السكان المحليين على دفع أسعار أعلى مقابل عدد أقل من الشقق. وهناك عامل آخر مساعد وهو تعافي قطاع العقارات في السنوات القليلة الماضية وازدهار السفر بعد جائحة كورونا.