تركيا والجوار: من الحرب الباردة إلى الحرب الساخنة

: 5/26/12, 1:52 PM
Updated: 5/26/12, 1:52 PM
تركيا والجوار: من الحرب الباردة إلى الحرب الساخنة

ستعيد تركيا في سياساتها الخارجية حقبة الحرب الباردة مع "بعض الزيادات" غير الهامشية. وبعد التطورات المتسارعة التي حصلت في السنتين الأخيرتين يبدو أن سياسات الانفتاح التي ظهرت بين أنقرة حزب العدالة والتنمية والعديد من دول الجوار كانت مجرد سحابة غيم سرعان ما تبددت ليتوقف المطر عن الهطول

ستعيد تركيا في سياساتها الخارجية حقبة الحرب الباردة مع "بعض الزيادات" غير الهامشية. وبعد التطورات المتسارعة التي حصلت في السنتين الأخيرتين يبدو أن سياسات الانفتاح التي ظهرت بين أنقرة حزب العدالة والتنمية والعديد من دول الجوار كانت مجرد سحابة غيم سرعان ما تبددت ليتوقف المطر عن الهطول وليعود الجفاف إلى شرايين العلاقات التركية مع جوارها في الجهات الأربع.

لم تتغير النظرة التركية إلى روسيا على أنها "عدو" منذ الصراع العثماني مع القياصرة إلى الصراع خلال الحرب الباردة مع الشيوعية واليوم إلى المواجهة المكشوفة بين تركيا وروسيا انطلاقا من مشروع حلف شمال الأطلسي نشر الدرع الصاروخية على الأراضي التركية والذي بدأ العمل به منذ أشهر.

لم تنتظر تركيا ما يسمى بـ"الربيع العربي" لكي تحدث التحول الجذري في موقفها من روسيا وطبيعة علاقاتها المستقبلية معها ووافقت في قمة لشبونة في خريف 2010 على نشر شبكة رادارات الدرع الصاروخية في منطقة ملاطية في تركيا.تبرعت تركيا للمهمة التي طالما كانت تتولاها وهي أن تكون خزانا عسكريا للحلف سواء لجهة مدّ الأطلسي بالجنود أو لتنفيذ مهام حساسة تتصل بالعدو الخارجي.

لا شك أن العدو الخارجي للأطلسي تغير في العقدين الأخيرين من الشيوعية الحمراء إلى الإسلام الأخضر واليوم يتم البحث عن لون للعدو الذي يبدو أنه أصبح متعدد الألوان.

قمة شيكاغو لحلف شمال الأطلسي أكدت للمرة الألف أن تركيا بحاجة ماسة للغرب.ولكن تركيا التي رفع وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو شعاره الشهير أنها متعددة الأبعاد قد خرجت بصورة حاسمة من هذا الشعار واختارت، على ما مارسته في السنتين الأخيرتين، سياسة الطرف بعدما كانت رائدة سياسة المسافة الواحدة من الجميع.

بمعزل عن الأسباب فإن سياسة تركيا الخارجة أشبه بلعبة كرة القدم.ليس المهم من يلعب أحسن في الملعب بل المهم النتيجة ومن يسجل أهدافا وعلى قول المصريين إن "الكرة جوال" (أي أهداف).لقد لعب مثلا برشلونة وفاز تشلسي ولعب بايرن ميونيخ وفاز أيضا تشلسي.واليوم بمعزل عن الأسباب فإن تركيا فقدت جوارها الصديق الذي تحول إلى جار عدو.وليس من المنطق أن يخطئ الجميع وتركيا وحدها التي تلعب دون أخطاء.فإلى سوريا وإيران والعراق، المرتبط توتر تركيا معهم بالوضع في سوريا وأمور أخرى، فإن العلاقات التركية متوترة وغير طبيعية مع روسيا التي لوّحت باستخدام السلاح النووي لعدم تغيير التوازنات في الشرق الأوسط والتي ردّت على قرار قمة شيكاغو نقل الدرع الصاروخية في تركيا إلى العهدة الكاملة للحلف بعدما كان بعهدة واشنطن فقط، بإطلاق تجربة لصاروخ بالستي عابر للقارات ووصفتها صحيفة ميللييت التركية بأنها أكبر تهديد لتركيا حتى الآن على الإطلاق.

كذلك يتذكر الأتراك جيدا التهديدات الروسية لتركيا ومن أن رادارات الدرع الصاروخية في ملاطية ستكون هدفا للصواريخ الروسية في أي خلافات مستقبلية.

وفي المقلب الجنوبي لم تتردد الخارجية التركية في التهديد بالحرب في حال مشاركة شركات أجنبية التنقيب عن النفط في مناطق قبرصية يونانية تعتبرها أنقرة كلا لا يتجزأ من الحدود البحرية لكل الجزيرة دفاعا عن القبارصة الأتراك. وفي الإطار نفسه كانت الأنباء عن اتفاق بين قبرص اليونانية وإسرائيل لتمركز 20 ألف جندي إسرائيلي في منطقة ليماسول فيما يبدو أنه تصعيد جديد في المواجهة مع تركيا في حال عرقلت التنقيب عن النفط في شرق المتوسط.

لا يحسد أحد تركيا على صورتها الحالية التي كانت على حافة أن تكون "عريس" المنطقة إلى ما قبل سنتين قبل أن تتحول إلى عنصر تهديد لكل دول الجوار بمختلف مشاربهم والعمل وفق سياسة تغيير الأنظمة، وهو ما يضع الكرة في الملعب التركي والبحث عن أسباب التخلي عن سياسات تصفير المشكلات السابقة ومراجعة الحسابات التي يبدو أنها كانت خاطئة ولم تأخذ في الاعتبار الحساسيات والتوازنات الاجتماعية والسياسية في المنطقة أو أنها كانت مرغمة على الانخراط والتورط فيها بناء على ضغوط خارجية أمريكية أساسا.. وفي الحالتين فإن النتيجة واحدة: خسارة المباراة

محمد نور الدين

عن "الشرق" القطرية

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.