إلفيرا غيرت مهنتها واختفت عن الأنظار بعد حملة بلاغات: دمّرت حياتي بالكامل
الكومبس – خاص: يواجه عدد من الناشطين في مجالات مختلفة في السويد، تزايداً في بلاغات القلق المتعلقة بأطفالهم والموجهة إلى الخدمات الاجتماعية (السوسيال). وتزداد هذه البلاغات في كثير من الأحيان بدوافع سياسية.
وقالت إحدى الشخصيات التي نشطت في المجال الثقافي سابقاً في مقابلة مع الكومبس، إنها اضطرت إلى تغيير اسمها والاختباء منذ عدة سنوات بعد حملة شملت بلاغات قلق حول أطفالها، مضيفة “تم تدمير حياتي بالكامل”.
وفي وقت سابق من هذا العام، بدأت نيسي هيرنستيغ تتلقى “عدداً هائلاً” من بلاغات القلق. وأدركت هذه المؤثرة البالغة من العمر 25 عاماً أن الأمر مرتبط بمشاركتها يوميات حياتها مع ابنتها الرضيعة كيارا على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقالت نيسي لصحيفة أفتونبلادت “كثيرون يبحثون فقط عن الأخطاء لأنهم منزعجون مني لسبب ما. على سبيل المثال، بدأت في ممارسة الرياضة مبكراً بعد الولادة وتعرضت لانتقادات لأنني أترك كيارا بعد وقت قصير من ولادتها. أحب المكياج، ولكن يتم انتقادي لأن الناس يتساءلون كيف أتمكن من وضع المكياج. لا ينتهي الأمر أبداً”.
استمرت هذه الظاهرة لسنوات. ففي العام 2021، تم تقديم بلاغ قلق ضد اثنين من مشاهير تلفزيون الواقع، مارسيلو بينيا والمؤثرة إميليا فالوند، إلى خدمات الرعاية الاجتماعية، بشأن أطفالهما الذين يظهرون كثيراً على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما شكل صدمة لفالوند.
وكتبت إمليلا على إنستغرام “أعلم أن من قدم بلاغ القلق يرى هذا ويريد إيذائي ويركز على أمومتي وابنتي، وهذا أمر مجنون”.
كما شهد المصور بينغو ريمير في وقت سابق من هذا العام هجمات مماثلة تعرض لها هو وعائلته.
وكتب على إنستغرام “البلاغات المجهولة تعد وسيلة فعالة لإثارة المشاكل لشخص ترغب في الإضرار به. الضرر الحقيقي يصيب جميع الأطفال الذين يحتاجون فعلاً إلى المساعدة لكنهم لا يحصلون على الانتباه الذي يحتاجونه لأن الموارد يتم تشتيتها”.
بلاغات القلق كأداة سياسية
لا تقتصر هذه المشكلة على المؤثرين والمشاهير فقط، بل أصبحت أيضاً أداة للهجوم على الخصوم السياسيين.
أندرياس ليند (47 عاماً) عضو منذ عدة سنوات في منظمة “الصليب الأسود الأناركي” اليسارية في يوتيبوري، وهي منظمة تقدم الدعم لمن تعتبرهم سجناء سياسيين، لكن معارضيها يعتبرون أن المنظمة تدعم الإرهاب، وفقاً لما قاله أندرياس للكومبس.
عملت المنظمات اليمينية المتطرفة لعدة سنوات بشكل منهجي على تقديم بلاغات قلق ضد شخصيات يسارية إلى خدمات الرعاية الاجتماعية. وتتعلق الاتهامات بأن الأطفال الذين ينتمي آباؤهم إلى منظمات يسارية غير ممثلة في البرلمان، يتعرضون لبيئة أيديولوجية راديكالية ومؤيدة للعنف في المنزل.
يقول أندرسال ليند للكومبس خلال حركة “حياة السود مهمة” (Black Lives Matter)، شاركنا على وسائل التواصل الاجتماعي في حملة لجمع التبرعات لأحد الأفراد المناهضين للفاشية تم القبض عليه بتهمة القتل، وهو ما اعتبرناه دفاعاً عن النفس”.
تلقى جيران أندرياس رسائل تفيد بأنه متطرف مؤيد للعنف يدعم الإرهاب. كما تلقى صاحب العمل رسائل إلكترونية بمحتوى مماثل. وتواصلت خدمات الرعاية الاجتماعية مع أندرياس بشأن بلاغ قلق مقدم حول طفليه، ذُكر فيها أنه يشجع على العنف في المنزل. ولدى أندرياس طفلان، يبلغان من العمر 11 و14 عاماً.
يقول أندرياس “حتى الآن، تمكنت من إبقاء هذا بعيداً عن أطفالي، بفضل الحظ البحت. مرة واحدة، عثر رئيس الجمعية السكنية حيث أقيم على كتابات تتعلق بي على واجهة المبنى. ولحسن الحظ، تمكنت من إزالتها قبل أن يعود الطفلان إلى المنزل”.
حملات بلاغات قلق منظمة
في منتصف أغسطس، نشر “فانستيركولّين”، الحساب اليميني المتطرف الذي لديه ما يقرب من 4 آلاف متابع، منشوراً على منصة “إكس”، كتب فيه:
“هذا الخريف، ستقوم فانستيركولّين بحملة بلاغات قلق. لقد بدأنا بالفعل بشكل غير رسمي وقدمنا بلاغات قلق ضد بعض اليساريين البارزين! هل تعلم أننا نركز عليك وتريد تجنّب ذلك؟ انسحب من خلال الاتصال بنا! نحن نساعد المنسحبين!”
ووفقاً لفانستيركولّين والجهات المماثلة، فإن الحملة تستهدف البيئة التي يتواجد فيها أطفال وأقارب الناشطين اليساريين، وهي بيئة يزعمون أنها تتميز بالراديكالية والعنف والمخدرات.
ووفقًا لعدة ناشطين يساريين تحدثت إليهم الكومبس، فإن هذه الحملة هي في الواقع تكتيك يستخدمه اليمين المتطرف لتهديد وترهيب اليسار السويدي وإسكاته.
دافيد فقد وظيفته بعد حملة
دافيد (اسم مستعار)، ناشط ومنظم في اليسار السويدي، فقد وظيفته في إطار حملة بلاغات قلق. وبسبب التهديدات المستمرة، يختار عدم الكشف عن هويته. دافيد معروف بجمعه لمختلف المنظمات اليسارية وبناء التعاون والشبكات. خلال النهار، يدير شركة، وقبل حملة البلاغات، كان قد أنشأ قاعدة عملاء خاصة به على مدى سنوات. وفي بضعة أسابيع، فقد كل شيء.
يقول دافيد “تواصل معي عملائي وأخبروني أنهم حصلوا على معلومات تفيد بأنني إرهابي شيوعي. شرحت لهم أن هذا غير صحيح وأنه يتعلق بحملة موجهة ضدي من اليمين المتطرف”.
قبل عملائه هذا في البداية، لكن بعد ذلك، تم الاتصال بأصحاب الشركات التي يعمل بها عملاؤه، وتم توجيههم إلى مقالات كتبها، من بين آخرين، فانستيركولين عن دافيد، والتي احتوت على أكاذيب صريحة. لكن أصحاب الشركات أصبحوا، وفقًا لدافيد، قلقين ولم يرغبوا في الارتباط به.
يضيف دافيد “ثم بدأت بلاغات القلق تصل عبر خدمات الرعاية الاجتماعية. حتى أقاربي الذين لا علاقة لهم بالنشاط السياسي تم تقديم بلاغات قلق ضدهم، واتُهموا بتعاطي المخدرات وتعرض أطفالهم لبيئات عنيفة. هذه الطريقة تحديداً تصاعدت في السنوات الثلاث الأخيرة”.
النشاط المؤيد لفلسطين يستخدم كدافع لبلاغات قلق
دافيد نشط في حركات دعم فلسطين السويدية ويشعر بالقلق من أن مثل هذه البلاغات الموجهة ستؤثر على الناشطين المؤيدين لفلسطين وتدفعهم إلى الصمت.
ووفقاً للشخصية المعروفة ناتالي ستروم بونبوكدي، هذا هو الواقع بالفعل. على حسابها العام على إنستغرام، حيث لديها أكثر من 40 ألف متابع، كشفت أنها تعرضت لحملة بلاغات قلق.
وقالت “لا أعرف عدد بلاغات القلق التي وردت منذ ذلك الحين لأنني طلبت من خدمات الرعاية الاجتماعية ألا يتصلوا بي كلما وصل بلاغ جديد. من يقدم البلاغ يدعي على سبيل المثال أنني ألقّن طفلي التطرف بسبب حضور ابني معي في المظاهرات. والأسبوع المقبل ستقوم خدمات الرعاية الاجتماعية بزيارة منزلنا”.
وأضافت “خلال فترة معينة، تلقيت مكالمات حول بلاغ قلق جديد كل يوم لمدة أسبوعين متتاليين، ولم تتوقف إلا في عطلة نهاية الأسبوع. كان ذلك مرهقاً. كنت دائماً في حالة قلق وتوتر. كأم، من المخيف مشاهدة كيف يمكن للأشخاص استخدام البلاغات الجماعية كأداة فعالة لإسكاتك من خلال استهداف أطفالك”.
إدارة الرعاية الاجتماعية: البلاغات الكاذبة تهدد الموارد
تعاملت السلطات المعنية بحذر و اقتضاب عندما تواصلت الكومبس معها لسؤالها عن بلاغات القلق. والقاعدة العامة هي أن الشرطة أو خدمات الرعاية الاجتماعية لا تعلّق على الحالات الفردية.
وأوضحت ماريا ستورمرود من قسم الاتصالات في إدارة الرعاية الاجتماعية (Socialstyrelsen) الهدف من بلاغات القلق، بالقول “الهدف من تقديم بلاغ قلق هو مساعدة طفل قد يكون في وضعية ضعيفة. من المهم لفت الانتباه مبكراً إلى الأطفال الذين يعانون من تطور سلبي حتى يتمكن الطفل، سواء بمفرده أو مع والديه، من الحصول على المساعدة المناسبة في الوقت المناسب وفقاً لاحتياجاته. قد يتعلق الأمر، على سبيل المثال، بطفل لديه وضع منزلي يثير القلق، مثل العنف في الأسرة أو عدم حصول الطفل على الرعاية التي يحتاجها. كما يمكن أن يتعلق الأمر بالقلق بشأن سلوك الطفل نفسه، مثل الإدمان أو الجريمة أو أن الطفل يعيش بطريقة مدمرة بأي شكل من الأشكال”.
كيف تنظر إدارة الرعاية الاجتماعية إلى استخدام بلاغات القلق كوسيلة لاستهداف الخصوم السياسيين؟
– من منظور عام، من المؤكد أنه ليس من الجيد استخدام الحماية القصوى للأطفال كوسيلة لتهديد أو تشويه سمعة الآباء أو لتحقيق مكاسب سياسية. هذا النوع من البلاغات يعرض موارد البلديات للخطر، حيث يتعين عليها تخصيص وقت لتقييم كل بلاغ يصل.
الشرطة للكومبس: بلاغ القلق غير المبرر قد يشكل جريمة
وقد يشكل تقديم بلاغات قلق بشكل متكرر وغير مبرر ضد أحد الوالدين جريمة، وفقاً لما أكدته الشرطة للكومبس.
وقالت إيرين سوكولو من المركز الإعلامي للشرطة “من يقدم بلاغ قلق بشكل متكرر ضد أحد الوالدين و/أو يوجه ادعاءات خطيرة ضد شخص دون أساس بهدف إلحاق الضرر به، قد يكون نظرياً ارتكب جريمة التشهير. لكن الأمر يتطلب دراسة الحالة الفردية والظروف المحيطة بها لإجراء مثل هذا التقييم”.
بلاغات القلق أداة في “العنف اللاحق” ضد النساء
الكومبس تحدثت مع ناشطة، تقول إن حياتها دُمرت تماماً بسبب بلاغات القلق المتكررة. تقول إلفيرا (اسم مستعار) إن والد أطفالها عذبها لسنوات طويلة بسبب ما يعرف بـ”العنف اللاحق”، وهو مصطلح شامل للاستراتيجيات التي يستخدمها الشركاء السابقون للحفاظ على السلطة والسيطرة بعد انتهاء العلاقة.
قامت إلفيرا بجمع النساء اللواتي تعرضن أيضاً للعنف اللاحق، وأراد الشريك السابق إيقاف ذلك. ونتيجة لذلك، تصاعدت بلاغات القلق التي كان الشريك السابق قد استخدمها بالفعل كوسيلة للوصول إلى إلفيرا.
تقول إلفيرا “في يوم صيفي دافئ، شعرت أنا والأطفال أننا نريد القيام بشيء، لذا ذهبنا إلى بحيرة للسباحة. عندما اقترب وقت العشاء، مررت بأقرب كشك واشتريت بعض الموز، والكعك، ورقائق البطاطس، وقطع الشوكولاتة. ثم نشرت شيئاً ما على إنستغرام، صورة لصخرة مع تعليق، “نعم، يبدو أن هذا كان عشاء اليوم ههه”‘. هذا شيء يختبره جميع الآباء، فاحياناً لا تكون وجبة الطعام الأفضل. ثم جاء على الفور بلاغ أنني أقدم للأطفال رقائق البطاطس والحلويات بدلاً من الطعام الحقيقي. اضطررت أن أتوخّى الحذر لسنوات عند نشر أي شيء على وسائل التواصل الاجتماعي، كنت أفكر كيف سيتم تفسير هذا؟”
في النهاية، تطورت الأمور إلى نزاع على الحضانة. وأدى ذلك إلى اضطرار إلفيرا لتغيير حياتها بالكامل.
تصيف إلفيرا “نجح في تدمير حياتي تماماً. انتقلت إلى مدينة جديدة وغيرت اسم عائلتي ومسيرتي المهنية. أنا في الأصل عالمة أنثروبولوجيا ومنتجة ثقافية. كنت أعمل بشكل حر وأعقد العديد من المحاضرات في مجال الثقافة، والمساواة في المجتمع، والمساواة بين الجنسين. بعد بلاغات القلق والمضايقات، اختفيت عن الأنظار. اليوم أعمل في مجال الدعم للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة LSS. كنت شخصية عامة في مجال الثقافة قبل أن يحدث كل هذا”.
إدارة الرعاية: بلاغات القلق زادت بنسبة 27 بالمئة
وفقًا للإحصاءات الصادرة عن إدارة الرعاية الاجتماعية، زاد العدد الإجمالي لبلاغات القلق بنسبة 27 بالمئة بين العامين 2018 و2021 (المصدر: Socialstyrelsen).
ومن المتوقع أن تصدر الإحصاءات المحدثة لعام 2024 في النصف الثاني من 2025، وفقاً لما ذكرته ستينا هوفمولر، رئيسة قسم التحليل في مجلس الخدمات الاجتماعية.
إدغار مانهايمر